الحرية – علام العبد:
مدينة أريحا وجبلها الأربعين الشهير، ليست مدينة بل إحساس يلامس القلب، جبلها الذي يعانق السماء كأنه يسجد خشوعاً لجمال الطبيعة، وسحبها التي تتهادى بين القمم كأنها رسائل من السماء تمسح عن الأرض تعب الأيام، في صباحها تغرد الطيور كأنها تؤدي صلاة الفرح وفي مسائها يغفو الضوء على كتف الجبل وتهمس للرياح بحكايا الأجداد..
يقول أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة حلب، ومدير مكتب التوثيق الأثري والسياحي في مجلس مدينة أريحا الدكتور مصطفى سماق: يعد جبل الأربعين من أشهر المعالم السياحية والتاريخية في الشمال السوري، حيث يقع في منطقة أريحا جاعلاً من مدينة أريحا جارته الأبدية، فالجبل يرتفع 850 م عن سطح البحر.
ويضيف سماق في تصريح لصحيفتنا “الحرية”: هذا الجبل احتوى أحداثاً تاريخية هامة عبر مراحل التاريخ برزت من خلال تعدد تسمايته فقد سمي بالأربعين وهي التسمية الأقدم حيث تعود للقرن الرابع الميلادي.
وأضاف سماق: في القرن الخامس الهجري سمي جبل بني عليم، نسبة للقبيلة العربية التي استوطنت هذا الجبل وكان لها دور بارز في الحروب الصليبية، وأما تسميته بجبل السماق التي ذكرها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان فجاءت من كثرة شجر السماق الذي ينمو فيه بشكل طبيعي، وبقي هذا الغار ملجأ للعباد بعد أن بني عليه مسجد سمي باسمه في ظل الدولة الإسلامية، وأخيراً ظل محافظاً على التسمية الأولى “جبل الأربعين”.
ولفت سماق إلى أنه في أحضان جبل الأربعين تتربع مدينة أريحا كأيقونةٍ على خارطة السياحة الطبيعية في الشمال السوري، ونقطة التقاء بين الجمال البصري والانغماس الهادئ في حضن الطبيعة.
ويُعد هذا الموقع الفريد المطل مباشرة على سهول حلب الغربية وباب الهوى وسهل الروج والغاب من أبرز الوجهات التي تمتد منها الرؤية إلى أعماق الشمال السوري، وتحول خلال فترة وجيزة إلى مزارٍ مفضل لعشاق التصوير ومحترفي عدسات المغامرة، لما يوفره من مشاهد بانورامية تُشبع الذائقة البصرية، وتُلهم محبي توثيق اللحظات الذهبية عند الشروق والغروب، خاصة مع دخول الضباب الذي يضفي سحراً خاصاُ على المكان.
وتبدو الإطلالة من “جبل الأربعين في أريحا” كما لو كانت مشهداً سينمائياً متكاملاُ تتعانق فيه الغيوم مع قمم الجبل، وتتماوج فيه الخضرة مع ألوان السماء، وتلامس الأفق تفاصيل السهول في الأسفل، ما يمنح الزائر تجربة تأملية تُجسد ثراء المشهد الطبيعي في أريحا الخضراء.
وزارة السياحة وبالتعاون مع محافظة إدلب تحاول بكل السبل والإمكانات المتاحة الارتقاء بالواقع السياحي في هذه المحافظة وتلك، وما زيارة وزير السياحة مؤخراً لمنطقة جبل الأربعين إلا دليل على هذا الاهتمام.
حيث جرى تفقد عدة مواقع سياحية بمنطقة الأربعين، وتم الاطلاع على المواقع المهمة والمرافق الترفيهية المخطط إعادة تأهيلها، ضمن رؤية متكاملة لتحويل الجبل إلى وجهة جاذبة للزوار والسياحة الطبيعية.
يقول الاقتصادي أمين جطل ابن مدينة أريحا: جبل الأربعين حقيقة لا يمكن إنكارها في أريحا كانت المنطقة شبه منسية من التطوير السياحي، والمشكلة أنها من أكثر المدن التي يرتادها المصطافون في الصيف من كل دول الخليج ومناطق سوريا، قبل الحرب كانت تمتلك بعض المنتجعات ألعاباً متصدئة بلا صيانة دورية، أريحا وجبلها الأربعين يحتاجان اليوم إلى نفض الغبار عنهما، والتعاقد مع شركات سياحية والبدء بتطويره وتطوير مرافقه السياحية.
وقال جطل في تصريح “الحرية”: جبل الأربعين يحتاج إلى طفرة سياحية من خلال تشييد العديد من الفنادق الراقية والأماكن التراثية، وبالرغم من المقومات الطبيعية للجبل، ولكنها لا تكفي منفردة، بل يجب رفدها بالمعالم والخدمات السياحية.
كتطوير المتنزهات وترميم بعض القرى الأثرية في جبل الزاوية وأريحا القريبة من جبل الأربعين، وإقامة حديقة نباتية لأشهر الأشجار البرية في الجبل، وتدشين المزيد من الممرات الخضراء بين المدرجات الزراعية، فالسياحة صناعة بشرية وليست مجرد مقومات طبيعية.
تُعد الجبال والتلال في محافظة إدلب رمزاً من رموز التاريخ الإسلامي، حيث تحمل في طياتها العديد من الأحداث التاريخية المميزة.
ويقول ممدوح حاج حسين ناشط في المجال المواقع السياحية والتاريخية: تضفي هذه الجبال جمالاً طبيعياً على مناطق المحافظة، وتعتبر وجهة للزوار الذين يأتون لاستكشاف التاريخ الإسلامي والتأمل في الأحداث التي شهدتها تلك المناطق.
في أريحا وجبلها الأربعين الجمال حيث يعانق الضباب قمم الجبل، وتتناثر نسمات البرد كأنفاس السماء، يتوافد الزوّار مفتونين بجمال الطبيعة وكرم أهلها، ورغم الإقبال، تبقى أزمة السكن تؤرق الزائر بين ندرة وغلاء، فكم هو جميل أن يبادر رجال الأعمال بالاستثمار فيها دعماً للسياحة، ومساهمةً في تنمية الوطن!