الحرية – علام العبد:
من منا لم يسمع بجبل الزاوية في ريف إدلب، هذا الاسم الذي تردد كثيراً في السنوات الأخيرة، ولاسيما في الحرب التي شنها النظام البائد على المدن والبلدات السورية ومنها محافظة إدلب، وجبل الزاوية واحد من جبالها الشهيرة وتضاريسها الجغرافية.
عند سفوحه ترتمي مدن وبلدات وبساتين زراعية مشكلة غابة مرتصة مبانيها دون تخطيط فرض عليها وفرضته أيضاً طبيعته، وفوق سفوحه وهضابه وتلاله يفرش الجبل سجادته الخضراء ويصلي عليها، أنه جبل الزاوية حاضن الطبيعة والجمال.
أراضيه خصبة
يقول أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة حلب الدكتور مصطفى سماق، يعد جبل الزاوية ، امتداداً لجبل الأربعين في أريحا ، وهذه الكتلة الجبلية الرائعة تضم الأرض الخصبة والمياه الوفيرة والمناخ المعتدل، حيث شكلت أرضية خصبة للعديد من الزراعات التي انفردت بها المنطقة عن سائر الجغرافية السورية، كالكرز والمحلب والمشمش والتين والخوخ والكرمة وغيرها .
كما تعد البلدات والقرى الواقعة فيه محطات أثرية هامة لما تحويه تلك البلدات من مواقع أثرية لعبت دوراً بارزاً في الحضارة الإنسانية.
معاً نعيد قرى وبلدات الجبل إلى قلب الاهتمام
ويضيف سماق في تصريح لصحيفتنا” الحرية ” وما قمة النبي أيوب المميزة بارتفاعها البالغ حوالي ألف متر من سطح البحر و تطل على أراضي لواء اسكندرون إلا دليل واضح على أهمية هذا الجبل، ويضم أيضاً مواقع أثرية أخرى كسرجلا والبارة والرويحا وغيرهما من المواقع الأثرية.
وتابع حديثه قائلاً، ويضم الجبل العديد من الكهوف والمغاور التي استوطنها الإنسان البدائي الأول مأوى يلجأ إليه ، كما كان لهذه الكهوف والمغاور دور كبير في الفتوحات الإسلامية من خلال تصديها لكل أشكال الاحتلالات الاستعمارية عبر مراحل تاريخية عدة، وقد تمكن الفاتحون المسلمون من رد العدوان الصليبي على المنطقة الذي جرى في العهد الزنكي ثم في العهد المملوكي
مفتاح التنمية
وحسب الباحث الدكتور جمال العبدالله فإن جبل الزاوية يضم ٣٣ قرية وبلدة وأبرز هذه البلدات والقرى ، أريحا، البارة، بليون، كنصفرة، كفرعويد، إحسم، مرعيان، سرجة، دير سنبل.
ومدينة أريحا هي مركز إداري وتاريخي مهم في منطقة جبل الزاوية ، أما بلدةالبارة فهي أهم مدينة أثرية بيزنطية في منطقة جبل الزاوية بل في الشمال السوري .
ويضيف العبدالله في تصريحه لصحيفتنا ” الحرية” هذه القرى البلدات يمكن أن تكون مفتاح التنمية، ويمكن القول هي القلب النابض للحياة، وهي التي تحملت لعقود أعباء الإهمال وقلة الاهتمام، وفي الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه التنمية شاملة، فقد ظلت قرانا في محافظة إدلب خارج دائرة الأولويات، إبان النظام البائد، وكأنها على هامش الخريطة.
ورغم ما واجهته قرى وبلدات جبل الزاوية من تهميش، فإنها أنجبت على مر السنين عقولاً نابغة، محلياً وعالمياً، ممن رفعوا اسمها عالياً. فتخيّلوا ماذا يمكن أن يتحقق إذا حظيت هذه القرى بالاهتمام والرعاية التي تستحقها، إننا على يقين بأن قرانا بالأخص بلدات جبل الزاوية قادرة على أن تكون المحرّك الأساسي للتنمية في كل ربوع سوريا، لا في منطقتنا وحدها.
نهضة للمنطقة
وتابع العبدالله: الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن نهضة جبل الزاوية بما فيه من قرى وبلدات هي أساس نهضة المنطقة كلها؛ فالمحافظة لا تزدهر إذا بقيت قراها بلا خدمات كافية وفرص عمل وبنية تحتية تليق بكرامة أهلها.
وقال، إن حق القرى في الطرق الممهدة، والمياه النظيفة، والصرف الصحي، والمدارس الجيدة، والوحدات الصحية المجهزة، حق أصيل لا يجوز تأجيله أو المساومة عليه. وهذه الحقوق ليست مِنّة من أحد، بل التزام واجب التنفيذ.
فتح قنوات تواصل
لما يتمتع به جبل الزاوية من إمكانيات من الضروري جعل قضاياه في صدارة الأولويات، وطرحها بشكل مباشر في أي خطة أو برنامج عمل، ومتابعة تنفيذ المشروعات الخدمية حتى تصل إلى كل قرية، بلا استثناء، والسعي لتحقيق توزيع عادل للموارد بين القرى والمدن، بما يضمن تنمية متوازنة وشاملة، و فتح قنوات تواصل دائمة مع ابناء القرى لضمان وصول صوت الناس واحتياجاتهم الحقيقية.
إن أهمية جبل الزاوية تبدأ من إيلاء قراه، وأهله العناية والاهتمام، وهذا معيار نجاح أي جهد سياسي أو تنموي معاً، نعيد قرى وبلدات جبل الزاوية إلى قلب الاهتمام، ونثبت أن التنمية الحقيقية تبدأ من الجذور.
جوهرة زراعية وسياحية
جميع من التقيناهم في جبل الزاوية أكدوا أن الطبيعة التي يتمتع بها الجبل تستهوي الزوار بجمالها، وتثير إعجاب السياح الأجانب لكونها تذهل العيون بتعدد مناظرها الطبيعية والتراثية لما تحتويه من مبان تاريخية تشبه الحصون والقلاع في تصميمها، وكذلك المدرجات الزراعية المرصوصة جدرانها بالحجارة، والمربوطة بشبكة من الممرات والسواقي التي تنتشر على ضفافها مختلف أصناف الفاكهة
اللذيذة والشهية ..
يقول غصوب الخطيب من سكان جبل الزاوية تعد قرية أرنبة واحدة من القرى البارزة في جبل الزاوية، وتتميز بموقعها الجميل وأجوائها المعتدلة، إضافةً إلى ما تحمله من إرث تاريخي واجتماعي عريق.
مبيناً في تصريح لصحيفتنا ” الحرية ” أن
أهالي القرية يعرفون بترابطهم واعتزازهم بقيم الكرم والشهامة، وخرج منها العديد من الشخصيات البارزة في مجالات التعليم، والصحة، والقيادة المجتمعية، ممن تركوا أثراً طيباً داخل المنطقة وخارجها، كما هي سائر مناطق بلادنا.
نافذة مفتوحة
فيما يصف المهندس الزراعي محمد نور طكو أن الصورة المطلة على جبل الزاوية، وكأنها نافذة مفتوحة على قصيدة منسوجة بخيوط الطبيعة، فحقول الاشجار المثمرة بأنواعها المختلفة والاراضي الزراعية تتدرج في الأفق مثل أمواجٍ صامتة، كل قمةٍ تهمس بسرٍّ قديم، وكل وادٍ يحتضن ظلّ الغيم والندى. فالخضرة تتسلق سفوح الصخور بعناد الحياة، وكأنها تقول: هنا، حتى في صمت الحجر، تنبض الروح، فالغيوم تتكاثف في السماء كوشاحٍ رمادي ناعم، تتخلله ومضاتٌ من زرقةٍ هادئة، كابتسامة أملٍ وسط الحلم الطرق الملتوية في الأسفل تشبه سطورًا غير مكتملة من قصة مسافرٍ يبحث عن ذاته بين المنعطفات، هناك مزيجٌ ساحر من الشموخ والسكينة، من البرودة التي تنعش الروح والدفء الذي يسكن القلب.
جبل الزاوية إنه بحق لوحةٌ لا يرسمها إلا الخالق، حيث كل لونٍ وظلّ، وكل صخرٍ وعشب، يشكل نغمةً في سيمفونية الأرض والسماء.