الحرية– مها سلطان:
لا يكاد يمر يوم على سوريا دون زيارة مسؤول أو اثنين، عربي أو أجنبي، وعلى جميع المستويات، لتبدو وكأنها ورشة عمل عربية– دولية ضمن هدف يمكن اختصاره في استعادة سوريا دورها ومكانتها، ورغم كل ما يُقال عن تحديات ومخاطر (وشروط) إلا أن سوريا ماضية وفق خطط تبدو وكأنها موضوعة مسبقاً، ولكل خطة زمانها ومكانها، إضافة إلى ما يُستجد، وما يتم البناء عليه وفق مقتضيات التطورات.
دمشق استقبلت مجدداً وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وبعده تستقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (بفارق ساعات) حسب المعلن حتى الآن. ربما لا نحتاج الكثير من التفاصيل والمعلومات لندرك أهمية الزيارتين وذلك تبعاً للتطورات ومساراتها. وبشكل عام لم تكن هناك تفاصيل ولا معلومات، ولم تخرج الأخبار حولهما عن الإطار الرسمي، ولكن بالإمكان تقديم قراءة أولية.
الصفدي.. ملف أمني يتوسع
زيارة الصفدي كانت متوقعة إلى حد كبير، حيث التقى الرئيس أحمد الشرع، وكذلك الجلسة الموسعة بينه وبين وزير الخارجية أسعد الشيباني. هناك ملفات عالقة تحتاج إلى استكمال مباحثاتها، وملفات مستجدة تحتاج لمباحثات عاجلة، خصوصاً على المستوى الأمني.
ومن البدهي أن يتم الربط بين زيارة الصفدي، وما أعلن عنه الأردن يوم الثلاثاء الماضي حول «إحباط مخططات كانت تستهدف المساس بالأمن الوطني ونشر الفوضى والتخريب داخل المملكة عبر استخدام أسلحة متطورة، من بينها صواريخ وطائرات مسيّرة، إضافة إلى تدريب عناصر الخلية في الخارج تمهيداً لتنفيذ تلك الهجمات».
وحسب بيان دائرة المخابرات العامة الأردنية، تم القبض على 16 مشتبهاً، بعد متابعة استخباراتية دقيقة بدأت منذ عام 2021. وبيّنت التحقيقات وجود مخططات لتصنيع صواريخ باستخدام أدوات محلية وأخرى تم استيرادها من الخارج لأغراض غير مشروعة، بحسب البيان. كما كشفت التحقيقات عن مشروع لتصنيع طائرات مسيّرة، وتورط المتهمين في تجنيد عناصر داخل المملكة وتدريبهم في الخارج.
ولم تسمِ المخابرات الأردنية، جهات أو دولاً محددة، في سياق اتهامها لأطراف خارجية، لكن التحليلات تتجه تلقائياً إلى الجوار، الذي يضم عدة دول وليس سوريا فقط، ولكن-وربطاً- بـ14 عاماً مضت وما تخللها من تورط وتداخل أمني شديد الخطورة بين البلدين، فإن سوريا تشكل طرفاً رئيسياً عندما يتم الحديث عن القضايا الأمنية، والتي تتعلق بمجملها بعموم الجوار الإقليمي وليس بسوريا فقط.
وسبق للأردن أن تحدث مرات عن التهديدات الأمنية من الأراضي السورية في عهد النظام السابق، والتي تشمل مع هذه التهديدات تجارة المخدرات التي وصلت إلى مستويات خطيرة جديدة، بحجمها من جهة، وبعمليات تمريرها، وجهات وصولها من جهة أخرى.
وكان الأردن أعلن في أيار الماضي (2024) أي قبل سقوط النظام (في 8 كانون الأول الماضي) عن إحباط عملية تهريب أسلحة إلى خلية داخلية في إطار مخطط تقف خلفه ميليشيات مدعومة من إحدى الدول، دون تسميتها، لكن مصادر أردنية تحدثت حينها عن سوريا وعن إيران.
الأمر نفسه يتكرر اليوم، ولكن في ظل قيادة سورية جديدة، وعليه لا بد من مباحثات موسعة ومتواصلة، فتداعياتها الكارثية تشمل البلدين.
لنذكر هنا أن إعلان الأردن عن إحباط عملية أمنية بهذا المستوى تزامن تقريباً مع إعلان الداخلية السورية عن «إحباط مشروع انقلاب كانت تخطط له مجموعة من ضباط النظام السابق» في درعا (الحدودية مع الأردن) وفق وزير الداخلية أنس خطاب.
علماً أننا لا نجزم كلياً بالتزامن والارتباط، لكنها تبقى عمليات أمنية خطيرة، تشكل مساراً بحدث دائم، إلى جانب العديد من قضايا التعاون الأخرى التي لا تقل أهمية. وكانت هذه القضايا مدار بحث موسع بين الرئيس الشرع (عندما زار الأردن أواخر شباط الماضي) والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
الرئيس عباس.. زيارة مهمة ولافتة
وفيما يغادر الصفدي دمشق، يحل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فيها، في زيارة هي الأولى له بعد التحرير، حيث يلتقي الرئيس الشرع للمرة الثانية (الأولى كانت على هامش اجتماعات القمة العربية الطارئة في القاهرة في 4 نيسان الماضي).
وتعود آخر زيارة لعباس إلى دمشق إلى 20 كانون الثاني من عام 2007. ومنذ هذا التاريخ شهدت دمشق تحولات جذرية عدة، بدءاً من الثورة مطلع عام 2011 وحتى التحرير في 8 كانون الأول الماضي.
وكان الرئيس عباس بعث برسالة تهنئة إلى الشرع عقب تسلّمه منصبه رئيساً لسوريا، أكد خلالها على أهمية العلاقات الأخوية والتاريخية بين الشعبين الفلسطيني والسوري، متمنياً للقيادة السورية النجاح في إدارة المرحلة الانتقالية وتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد. ثم برقية تهنئة للرئيس الشرع بمناسبة عيد الفطر نهاية آذار الماضي.
وكان وفد فلسطيني زار سوريا برئاسة رئيس الوزراء محمد مصطفى في كانون الثاني الماضي، والتقى حينها الرئيس الشرع.
ورغم أن لا تفاصيل حول زيارة عباس، إلا أنها توصف بالزيارة المهمة واللافتة في هذه المرحلة، نظراً للكثير من الملفات القائمة بين البلدين، القديمة منها والمستجدة، والمتداخلة.
لا شك أن زيارة عباس لدمشق ستكون محط اهتمام وترقب، وخصوصاً أنها تأتي مع استمرار الأخبار والتقارير المتداولة حول «خطط توطين الفلسطينيين في شمال سوريا». إلى جانب قضايا أخرى متعلقة باللاجئين الفلسطينيين في سوريا، والمعتقلين أيضاً في سجون النظام السابق، والمفقودين.