الحرية ـ متابعة مها سلطان:
السؤال أعلاه يبدو جوابه محسوماً بالنسبة لأغلب المحللين والمراقبين الذي يضخون يومياً عشرات التقارير والمقالات -في وسائل الإعلام العربية والعالمية- عن أن انهيار خطة ترامب للسلام في غزة ينقصه الإعلان فقط والاعتراف بالفشل، ولكن حتى الآن تتمسك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والدول الراعية بالخطة وترى أنها تسير بصورة جيدة.
صحيفة «ناشيونال إنترست» الأميركية تحدثت عما سمته «الشقوق المتزايدة» في تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، وقالت في مقال لها اليوم الأحد: لم يمضِ أسبوعان على التوقيع «التاريخي» لخطة ترامب في شرم الشيخ بمصر، حتى بدا أن المراحل الأولى من الاتفاق تنهار.
ففي حين أفضت هذه الجهود إلى تحرير معتقلين ورهائن من كلا الجانبين يبذل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جهوداً حثيثة لتخريب الاتفاق، تماماً كما فعل في اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة في غزة.
وكما في الماضي، يهدف هذا الجهد إلى إدامة القتال في القطاع، بهدف توسيع سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية وإدامة حكومة نتنياهو إلى أجل غير مسمى.
ولتوضيح الفكرة فإن أي وقف لإطلاق النار أو اتفاق سلام أوسع نطاقاً -لصراعٍ بهذا الحجم والطول كالصراع الإسرائيلي الفلسطيني- سيواجه بالضرورة انتكاسات عديدة. ولكل من حماس والحكومة الإسرائيلية مصالح تحددها وتؤثر عليها تنافساتهما. وكلاهما يعزز هذه المصالح لتعزيز قوتهما ونفوذهما النسبي في الصراع.
فعلى سبيل المثال بينما تعمل حماس علناً لاستعادة السيطرة على أجزاء من غزة -انسحب منها جيش الدفاع الإسرائيلي عند توقيع خطة ترامب- تواصل إسرائيل استهداف مواقع يُفترض أنها تابعة لحماس.
وتشدد الصحيفة الأميركية على أنه ينبغي إدانة جميع انتهاكات وقف إطلاق النار، فالدول الضامنة للاتفاق ملزمة بمحاسبة الأطراف، ويُقال إنها تحاول القيام بذلك، ولو إلى حد ما.
لكن السؤال يبقى مطروحاً منذ عقود: كيف ستتعامل واشنطن مع سياسة حافة الهاوية التي تنتهجها إسرائيل؟.. من الواضح أن فريق ترامب يفشل حتى الآن.
وتضيف: منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023 دافعت الولايات المتحدة بشراسة عن إسرائيل، ولا تزال تفعل ذلك. ومع ذلك دفع ترامب بقوة بخطته المكونة من 20 نقطة، متغلباً بوضوح على نتنياهو- الذي يفخر بتأثيره على السياسة الأمريكية.
وفي هذا السياق ثبت أن رغبة ترامب العلنية والنرجسية في تحقيق «انتصارات» هي سياسية سريعة أهم من العلاقة الدبلوماسية الأمريكية الإسرائيلية. ومصالح ترامب تأتي في المقام الأول، وينبغي ألا يراهن أحد ضد البيت الأبيض.
وللتوضيح لا يزال ترامب أحد أكثر الرؤساء تأييداً لإسرائيل على الإطلاق، إن لم يكن أكثرهم؛ إذ يترأس قاعدة سياسية مؤيدة لها بشدة. وهذا العامل وحده ينذر بالسوء لاتفاق السلام الذي أبرمه.
وببساطة، لكي تنجح الخطة، ستحتاج إدارة ترامب إلى الخروج من منطقة راحتها من خلال التصرف كشريك رئيسي حقيقي في علاقتها مع إسرائيل.
وتتابع: هذا الواقع هو ما يجعل وقف إطلاق النار الحالي معرضاً لخطر الانهيار. فبينما يبدو صحيحاً أن ترامب وفريقه ملتزمون بضمان تنفيذ خطة السلام، وإرسال مسؤولين رفيعي المستوى -بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس- إلى إسرائيل في محاولة واضحة لإبقاء الإسرائيليين ضمن حدود الاتفاق، إلا أن مثل هذا الضغط قد يتطلب إعراباً علنياً متزايداً عن إحباطهم من نتنياهو ودولة إسرائيل، بشكل عدائي. فهل فريق ترامب مستعد لتجاوز حدود معينة لم يتجاوزها أي رئيس جمهوري في الماضي فيما يتعلق بإسرائيل؟ وهل يمكنه، أو هل هو مستعد، للمخاطرة بتنفير قاعدته- بما في ذلك كبار مموليه المؤيدين لإسرائيل مثل ميريام أديلسون؟
وتتحدث «ناشيونال إنترست» عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لإسرائيل هذا الأسبوع بعد زيارة فانس بوقت قصير، برفقة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق لقضايا الشرق الأوسط، ويشير هذا القدر من التدخل في الشؤون الداخلية إلى أن إدارة ترامب لا تثق بنتنياهو، وإسرائيل عموماً، بالالتزام بوقف إطلاق النار في غزة، ناهيك عن خطة ترامب المكونة من 20 نقطة. في مرحلة ما، لا بد من حدوث أمر ما- إما وقف إطلاق النار وخطة السلام، أو التوترات بين المعسكرين الأمريكي والإسرائيلي.
وهذا لا يعني أن فريق ترامب ينظر إلى غزة أو الفلسطينيين ودولة فلسطين المستقبلية من منظور إنساني بالدرجة الأولى. بل إن الإدارة ملتزمة بالحفاظ على مصداقيتها الدبلوماسية، بعد أن بذلت جهوداً سياسية هائلة في جميع أنحاء العالم لحشد الدعم لهذه الخطة.
إن السماح لنتنياهو بخرق وقف إطلاق النار -وهي خطوة قد يكون على أتم الاستعداد للقيام بها حتى خلال المرحلة الأولى من خطة السلام- سيُمثل إحراجاً كبيراً لإدارة ترامب، ولأولئك الذين يفهمون سياسة ترامب وعقليته فإن هذه نتيجة غير مقبولة.
ومع ذلك، يبدو انهيار وقف إطلاق النار مرجحاً بالفعل. فإلى جانب قصف إسرائيل المستمر للقطاع، انتهكت إسرائيل شروطها المتعلقة بالمساعدات الإنسانية.
فهي لا تزال تُغلق معظم المعابر المؤدية إلى غزة، وتُقيّد عمليات الإجلاء الطبي. كما زرعت إسرائيل مفسدين، بدعمها ميليشيات مناهضة لحماس داخل غزة لمحاربتها.
إن هذا العنصر الأخير بالغ الأهمية؛ فقد لعبت هذه الميليشيات بالفعل دوراً في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ونهب قوافل المساعدات لزيادة إفقار الفلسطينيين المُتضررين من المجاعة في غزة، في محاولة سافرة للضغط على حماس خلال مفاوضات وقف إطلاق النار. والآن ربما تستخدم إسرائيل الميليشيات لخلق سيناريو ترفض فيه حماس نزع سلاحها، وهو عنصر أساسي في خطة ترامب.
بالنسبة لحماس سيكون التخلي عن السلاح ضرباً من الجنون في ظل الاحتلال الإسرائيلي المستمر لنصف أراضي غزة، ووجود ميليشيات فلسطينية متنافسة عازمة على استبدالها كقوة وحيدة في الأراضي المحتلة. ولا يقل خطورة على خطة ترامب، أن الاشتباكات المستمرة وعدم نزع سلاح حماس قد يدفعان الدول التي أبدت اهتمامها بإرسال قوات إلى القطاع لتشكيل «قوة الاستقرار الدولية المؤقتة» كما هو موضح بشكل مبهم في الخطة، إلى إعادة النظر في قرارها- وهي ديناميكية متطورة يُقال إنها بدأت بالفعل.
في الواقع قد تكون هذه الورقة رابحة لإسرائيل؛ إذ يمكنها استخدام وجود هذه الميليشيات كسلاح ضد حماس، ما يجبر الفصيل الفلسطيني على الاحتفاظ بسلاحه في انتهاك مباشر لخطة ترامب. ويمكن لإسرائيل في الوقت نفسه أن تزعم أنه إذا لم تكن هناك دولة أخرى مستعدة للتدخل وتأمين غزة، فسيتعين عليها القيام بذلك بنفسها. وإذا استطاع نتنياهو تحقيق ذلك، فسوف يستشهد بهذا الانتهاك والفشل في إنشاء قوة استقرار للحصول على موافقة واشنطن على عمليات عسكرية متجددة وكاملة النطاق في جميع أنحاء غزة واحتلال عسكري إسرائيلي دائم.
ستُرسّخ هذه السلسلة من الأحداث حرب إسرائيل الدائمة في القطاع، ما يمنح نتنياهو مزيداً من الوقت للنجاة من الأزمة السياسية المستمرة في الداخل، ويهدد ائتلافه السياسي وسلطته وحريته من السجن وسط محاكمات الفساد الجارية. ولكن لا يمكن السماح بنجاح هذا السيناريو، في ظل استمرار الجهود الموازية المصممة لإنهاء وقف إطلاق النار في غزة.
وتختم الصحيفة الأميركية: لمنع أسوأ نتيجة ممكن أن نشهدها، وهي العودة للإبادة الجماعية في غزة بدعم الولايات المتحدة، يجب أن يدرك ترامب وإدارته والدول المعنية بخطة السلام أن المفسد الحقيقي في هذه الديناميكية هو نتنياهو وحكومته.