خيارات مفتوحة لإنعاش الاقتصاد السوري وتحسين معيشة الناس .. خيار الاستفادة من “البنك الدولي” مطروح ضمن حسابات الغاية والهدف والمقدرة على السداد..

مدة القراءة 10 دقيقة/دقائق

الحرية –  سامي عيسى – مركزان الخليل:
ظروف اقتصادية ومعيشية تمر بها سوريا هذه الأيام، ونحتاج فيها إلى استثمار كلّ المتاح من أجل توفير حالة انعاشية، نبدأ بها مسيرة تطوير كلّ القطاعات الاقتصادية والخدمية بصورة تدريجية، وتحقيق الغاية والهدف وفق رؤية تضعها الحكومة، وتنفيذها عبر أدواتها بما يخدم المصلحة العامة بالدرجة الأولى.
وبالتالي الانفتاح نحو البنك الدولي ضمن تركيبة الظروف الحالية، خطوة في غاية الأهمية في ظل نقص الإمكانات، وعدم توفر السيولة المالية لاستثمارها في مجالات متعددة، إلّا أنّ الأمر لا يخلو من بعض المخاطر ، كعدم القدرة على السداد، وتزايد حجم الفوائد، وخسارة الضمانات، وغيرها من سلسلة المخاطر التي نتخوف منها..
الأمر الذي يضعنا أمام أسئلة كثيرة، وكثيرها أيضاً يضعنا في خانة “الحيرة” وهذه نضعها في مرمى الاقتصاديين فكيف يرون هذه الخطوة سواء من جانب السلب، أم الإيجاب..؟ و تقدير انعكاسها على اقتصادنا الوطني ؟!
والسؤال الأهم في الوقت نفسه: هل حبس السيولة لضبط أسعار الصرف إجراء صحيح ..؟ أم إن هناك عجزاً فيها..؟!
وبالتالي ما نتائج هذا الأمر في حال استمر الوضع بهذه الصورة لمدة طويلة من الزمن  ؟!!
جميعها أسئلة مشروعة للجميع مواطنين كانوا أم خبراء، أم فعاليات اقتصادية واجتماعية، لأن الجميع معني بها واتجاهنا هنا لمعرفة رأي أهل الاقتصاد والأعمال لأنه الجانب الأهم في توضيح الرؤية .

انفتاحات متعددة
الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية يقول : إذا تحدثنا عن انفتاح سوريا على البنك الدولي، وكأننا نقول إنها هي التي كانت سابقاً ترفض التعامل معه، وهذا أمر غير صحيح، حيث إن البنك الدولي، هو الذي بدأ برفع الحواجز في تعامله مع سورية، التي راحت ، ومنذ الأسابيع الأولى من استلام زمام الأمور من قبل السلطة الجديدة منذ كانون أول /٢٠٢٤ ، كما أنها بدأت تشهد أيضاً انفتاحات سياسية ودبلوماسية عالمية واسعة، ترافقت مع الانفتاحات الاقتصادية الدولية، العربية والأجنبية، وكل  ذلك كما تقتضي الحقائق أن نشير هو بسبب التغير الإيجابي للموقف الأمريكي، ومعه المواقف الأوروبية، من النظام السابق على مختلف الصعد ، وقد بدأ هذا السلوك العربي والدولي عملياً، مع تسديد المملكة العربية السعودية الديون السورية المستحقة للبنك الدولي (١٦) مليون دولار ومع الموافقة المبدئية على إقراض سورية عدة قروض خلال الفترة القصيرة القادمة تفوق الـ (300 مليون دولار ) لتمويل استحقاقات كبيرة ، لتسديد رواتب موظفي القطاع العام ، ومشاريع استثمارية في مجال البنية التحتية ، بما فيها مشاريع لتوليد الكهرباء ، وذلك كله بضمانات دولية، على رأسها الأمريكية والأوروبية ومباركة الدول العربية .

د. فضلية: انفتاح البنك الدولي على سوريا مرهون بتغيير الموقف الأمريكي والأوروبي، وقوى أخرى مؤثرة بسوق المال..!

مآرب شخصية
أما عن حبس السيولة عن الحراك الاقتصادي السوري وتجميدها في عروقه، أوضح “فضلية” أنّ لذلك  أثاراً انكماشية اقتصادية واجتماعية وتنموية سلبية ، وهي تمت وتتم ليس بإرادة رسمية أو حكومية ، بل هي “برأيي الشخصي” بسبب تحكم جهات وفعاليات من القطاع الخاص ، منها ما يهدف إلى خفض سعر الدولار في السوق السوداء ، لشراء كميات كبيرة منه واستخدامها في الاستيراد خصوصاً، ومنها  تفعل ذلك لغاية المضاربة، وتحقيق الأرباح من خلال تحريك سعر الدولار صعوداً وهبوطاً، وهذه الحال مستمرة، برأيي لعدة أسابيع ، ولكنها ستترافق بصورة مؤثرة مع رفع تدريجي لسعر الدولار كمحصلة “لصعود وهبوط في السعر “خاصة عندما يكتمل المخزون المستهدف من الدولار لدى هؤلاء، أكان لغاية تغطية التزامات وأنشطة تجارية خارجية، أم لتحقيق الأرباح المنتظرة من المضاربة، وكل ذلك أدى ويؤدي، كما ذكرنا أعلاه إلى بطء أو جمود في العمليات الاقتصادية ، والاستثمارية والإنتاجية والاستهلاكية، مع التنويه بأنّ العامل الأهم في عدم تفاقم الآثار السلبية لهذه الحال، هو ضعف القوة الشرائية لدى الشريحة الواسعة من المواطنين، التي تعطي تقلصات في الطلب العام مقابل قطاعات إنتاجية متقلصة وبطيئة الحراك.

د. فضلية: حبس السيولة يخلف أثاراً انكماشية واقتصادية واجتماعية وتنموية سلبية تقف خلفها جهات خاصة لمآرب شخصية ..

إشكالية مركبة
رجل الأعمال والاقتصادي محمد الحلاق، أوضح في رده على ما طرحناه من أسئلة أنّ مهمة البنك توظيف الأموال، وبالتالي هدفه الربحية، وتراكم فائدة ، ولا يمنح قروضاً بالمجان، وبالتالي الفائدة عندما تكون تراكمية، أصعب ومعقدة أكثر، مبيناً أنّ البنك سيطلب ضمانات على المقترض بحيث يستطيع تحصيل حقوقه، وهنا تكمن الإشكالية، في حجم الضمانات، وفترة الاسترداد وحجم الفائدة، وبالتالي كلّ هذه الأمور، يجب أخذها بالحسبان، إن كان سيتم توظيف هذه القروض، باتجاه البنية التحتية ومنعكساتها، أم سيتم توظيفها لإنشاء عقارات أو منازل، أو إعادة إعمار، وبالتالي السؤال الأهم هنا:

ضعف القوة الشرائية للمواطنين خففت من أثار المضاربين والمتلاعبين بأسعار الصرف..

“هل نستطيع استرجاع القيم التي تمّ استقراضها، ومن ثم المساهمة في إعادة الإعمار، بحيث نستطيع إعادتها ضمن منظومة نقد معينة..؟!”  مبينّاً أنّ هذه كلها أسئلة ملحة، وبالنظر إلى عدة عوامل من أهمها، إن كان قطاع العمالة يعمل بشكل جيد، أو لدينا قدرة على تسديد بيع المنازل التي نريد إعادة ترميمها، وهل هناك قدرة على إغلاق وتسديد كامل هذه القروض، مشيراً إلى أنه سابقاً، كانت هناك جمعيات سكنية، سعر البيت فيها يصل إلى مليون ليرة، يتم التقسيط  لمدة ٢٥عاماً، بحيث لا تتجاوز قيمة القسط، ٢٥٠٠ ليرة، وراتب المقترض، من ٧ إلى ١٠ آلاف ليرة، وبالتالي كانت نسبة القسط تصل إلى  ٢٥٪من القيمة الكلية، وأقساط من دون فوائد مركبة، أو بفوائد بسيطة، فإن كان سعر البيت ضمن الجمعيات السكنية الجيدة جداً  كمشروع  دمر، كان مليون ليرة ، وحالياً سعر البيت خارج الجمعيات السكنية المرتبة، وبالمناطق البعيدة، يصل سعره  إلى أكثر من مئة مليون ليرة، وبالتالي إذا قسمنا هذه المئة مليون على عشر سنوات، فإن دفع القسط السنوي سيكون عشر ملايين ليرة،  أو على عشرين سنة الدفع خمسة ملايين، يجب تسديدها سنوياً من دون فائدة، وبالتالي المقترض سيدفع في الشهر ما يقارب ٥٠٠ ألف بالشهر، والسؤال: من لديه راتب يصل إلى ٣ ملايين ليرة، و يستطيع دفع هذا القسط الشهري، ناهيك بتكاليف المعيشة الغالية التي تصل إلى ٦ملايين ليرة شهرياً، مبيناً أنّ الموضوع يتعلق بالتضخم الذي حدث بتكلفة إعادة الإعمار، والشقق السكنية التي سيتم طرحها .

الحلاق: البنك الدولي لا يمنح قروضاً بالمجان والإشكالية في حجم الضمانات وفترة الاسترداد والفائدة أيضاً..

شر لابدّ منه
وأشار الحلاق إلى إمكانية توظيف القروض في استثمارات أخرى، في البنية التحتية والطرق والجسور وسواها، أو شراء منظومات من أجل إصلاح الطاقة والكهرباء، وبالتالي إذا كانت مشاريع استثمارية، من شأنها توليد دخل، سواء بشراء منظومات كهربائية لتوليد الكهرباء وإعادة بيعها، فهذا مشروع استثماري أو إذا كانت للطرقات، وهي نوعان طرقات مجانية تستخدم، وهناك طرق يمكن استخدامها على نظام POT، بحيث تحقق ريعية اقتصادية، وبعد فترة تعاد ملكيتها للدولة ، وبالمحصلة أي قرض يجب إعادته، إلّا أنّ تأخير القرض وتأجيل سداده ، سوف يؤثر بشكل أو بآخر على الفوائد ، وبالتالي الأمر يحتاج إلى دراسة كاملة، غير أنّه بالصورة العامة القرض أمر غير إيجابي.
ويرى الحلاق أنه لا يوجد قرض من دون مخاطر، كعدم القدرة على تسديد القرض، وبالتالي خسارة الضمانات، أو مخاطر عدم القدرة على استثمار المبالغ  بشكل حقيقي وجيد، أو مخاطر التضخم، بحيث يصبح التضخم كبيراً جداً، وبالتالي المخاطر متعددة إلّا أنّ القرض كما يقال عنه شرّ لابدّ منه.

الحلاق: حبس السيولة يُعالج في عودة الثقة بالمصارف العامة لاستقطاب كتل نقدية كبيرة موجودة في خزائن المواطنين ..!

لجنة للدراسة
أما فيما يتعلق بموضوع حبس السيولة فقد أكد الحلاق  ضرورة معالجته، بحيث تتم إعادة الثقة بالقطاع المصرفي، خاصة أنّ بعض الناس لديها كتلة نقدية كبيرة في البيت أو المكتب، ويجب عدم إبقائها، والعمل على إدخالها إلى القطاع المصرفي، بحيث تتوفر السيولة لدى هذا القطاع ويدفعها للغير، منوها بأن الذي حدث أنه لا يوجد دفع ولا يوجد قبض، وبالتالي يجب إعادة الثقة بالقطاع المصرفي، وإعادة النظر بالدفع الإلكتروني وآلياته، حتى يتم تحقيق توازن في السوق ضمن الكتلة النقدية المطروحة وسواها، مشيراً إلى وجود مشكلات كثيرة يجب معالجتها، وإن المعالجة لا يمكن أن تتم بفكر ومنظور واحد ، وإنما لابدّ من وجود لجنة كبيرة لدراسة الأمور من عدة اتجاهات وأفكار متعددة ، وإن تفكر من خارج الصندوق، وتقدم مقترحات متعددة ، بحيث يتم الخروج  بمقترح يتناسب مع البيئة السورية، حسب الظرف الحالي، من انخفاض وحبس السيولة، وانعدام الثقة بالقطاع المصرفي، والدفع الإلكتروني، مؤكداً ضرورة النظر إلى هذه القضايا كلها بمنظار واحد لمعالجتها .

Leave a Comment
آخر الأخبار