الحرية- أنطوان بصمه جي:
من غابات الأمازون المطيرة، رئة العالم التي تئن تحت وطأة الاحتباس الحراري، تطل سوريا على الخريطة المناخية الدولية من جديد في مدينة بليم البرازيلية، خلال فعاليات مؤتمر الأطراف COP30، إذ لا تكتفي دمشق بحضور شكلي، بل تقدم نفسها كطرف فاعل يحمل رسالة “العدالة المناخية” من نهر الفرات إلى نهر الأمازون.
المشاركة السورية ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل هي محطة تاريخية تعيد من خلالها سوريا ربط أواصرها مع العالم، مستخدمة “الدبلوماسية الخضراء” مفتاحاً للخروج من العزلة وإعادة البناء والمساهمة في تشكيل نظامي بيئي حيوي للعالم.
رمزية المكان ورسالة سوريا
نهرا الأمازون والفرات خطان متوازيان فاختيار مدينة بليم البرازيلية مقراً للمؤتمر بدورته الحالية يشكل رسالة قوية في حد ذاتها. فكما أن الأمازون يشكل نظاماً بيئياً للعالم، كان نهر الفرات شريان حياة لحضارات متعاقبة.
فإن مشاركة سوريا في الدورة الثلاثين تذكر العالم بأن الأضرار البيئية التي لحقت بالفرات ونظامه البيئي نتيجة النزاع والإهمال، ما هي إلّا جروح في جسد الكوكب المشترك.
من معاناة الحرب إلى خطة للتعافي
في المقابل يمكن لدولة عانت من ويلات الحرب أن تكون في طليعة مواجهة التحدي المناخي، سوريا المشاركة في COP30 هي جزء من “إستراتيجية التعافي الأخضر” التي تتبناها، حيث يتم الربط بين إعادة الإعمار والتحول نحو اقتصاد مرن ومنخفض الكربون، ومن إعادة تأهيل الغابات المتدهورة، وحماية التنوع الحيوي، وتبني مشاريع الطاقة الشمسية في المناطق المُدمرة، كلها أمثلة حية على هذه الإستراتيجية.
قنوات اتصال مع المجتمع الدولي
وكشف الدكتور عبد الحميد صباغ عضو هيئة تدريسية في كلية الاقتصاد جامعة حلب خلال تصريح خاص لصحيفة “الحرية” أهمية مشاركة سوريا في مؤتمر المناخ COP30 والتي تشكل فرصة تاريخية مهمة لنواحٍ عديدة أهمها إعادة البناء البيئي بعد سنوات الحرب التي خلفت دماراً للبنية التحتية والأنظمة البيئية، وأن المشاركة تفتح قنوات اتصال مع المجتمع الدولي، وبالتالي الخروج من العزلة الدولية، والوصول إلى التمويل المناخي خاصة من صناديق المناخ الدولية مثل الصندوق الأخضر، والاستفادة من التجارب الدولية في إعادة الإعمار المستدام من خلال تبادل الخبرات والتقنيات.
مطالب لدعم القطاع الزراعي
وأضاف الدكتور صباغ أنه ينبغي على الوفد السوري المشارك الاستفادة من هذه المشاركة وطرح مطالب اقتصادية ضرورية ومن أهمها تمويل مشاريع الطاقة المتجددة، وذلك لتعويض العجز في قطاع الطاقة، والمطالبة بدعم القطاع الزراعي من خلال أنظمة الري الحديثة، ومشاريع مكافحة التصحر والجفاف، وتمويل خاص لإعادة تأهيل البنية التحتية الخضراء، أنظمة النقل المستدام، وإدارة النفايات الصلبة وإعادة التدوير، بالإضافة إلى بناء القدرات ونقل التكنولوجيا من خلال برامج تدريبية في الاقتصاد الأخضر، ومحاولة نقل تكنولوجيا التكيف مع تغير المناخ.
العدالة البيئية في حلب
وبالانتقال لتحقيق العدالة البيئية لمحافظة حلب والمناطق الصناعية الموجودة فيها بيّن عضو الهيئة التدريسية في كلية الاقتصاد في حلب أن ذلك يتطلب مشاريع لإعادة تأهيل عاجل يتعلق بمعالجة التلوث الصناعي وإدارة المخلفات الصناعية الخطرة، والعمل على تطبيق معايير كفاءة الطاقة ووجود معالجة للانبعاثات والتحول إلى الوقود النظيف، والنظر في برامج اقتصادية تشاركية من خلال تشجيع الصناعات الصديقة للبيئة.
مبررات المطالبة بالمنح
وفيما يتعلق بالأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي نوه الدكتور صباغ إلى أنه يمكن حصر الأضرار بتدهور خصوبة التربة وتصحر الأراضي، وتدمير البنية التحتية للري، وفقدان التنوع البيولوجي الزراعي، وخروج الكفاءات والخبرات الزراعية أو هجرتها إلى دول أخرى.
وفيما يتعلق بالمبررات حول المطالبة بالمنح المالية، أوضح الدكتور صباغ أنها تأتي لتحقيق العدالة المناخية فإن سوريا تتأثر بتغير المناخ على الرغم من مساهمتها الضئيلة في الانبعاثات، ويعدّ القطاع الزراعي من القطاعات الاقتصادية الرئيسة التي تخلق فرص عمل كبيرة حيث تتجاوز ٢٤٪ من أفراد القوى العاملة في سوريا، وإعادة إحياء القطاع الزراعي باتت ضرورة ملحة لتحقيق الأمن الغذائي.
مشاركة المجتمع المحلي في تحديد الأولويات
ولضمان صرف المنح في أماكنها الصحيحة، نوه الدكتور صباغ بضرورة إنشاء آلية رقابة مستقلة ومشتركة مع الأمم المتحدة، وتطبيق معايير الشفافية، ومشاركة المجتمع المحلي في تحديد الأولويات، ووجود أنظمة رقابة مهمتها المتابعة وتقييم أداء المشاريع، للوصول إلى قدرة سوريا لتحويل الخطاب إلى مشاريع قابلة للتمويل من خلال تقديم دراسات جدوى اقتصادية تركز على المشاريع ذات العائد الاقتصادي والبيئي الملموس، وإظهار الأثر الإيجابي على الاستقرار الإقليمي، وتقديم حزم مشاريع صغيرة ومتوسطة سريعة التنفيذ وموضحة ببرامج تحسين الكفاءة المتعلقة بالري وتوليد فرص عمل وأمان غذائي، بالإضافة إلى وجود إستراتيجية اتصال فعالة، من خلال توثيق لحجم الدمار والاحتياجات، وإبراز قصص النجاح المحلي في إعادة الإعمار، وتقديم رؤية لمدى مساهمة المشاريع في تخفيض الانبعاثات الضارة، وربط المشاريع بأهداف التنمية الأممية المستدامة.
واختتم الدكتور صباغ بالقول إنّ النجاح في إيصال هذه الرسالة يتطلب دبلوماسية مناخية نشطة، ورؤية واضحة لإعادة الإعمار المستدام من أجل إيجاد شراكات دولية حقيقية، وبالطبع لا بد من وجود الشفافية والمحاسبة كأساس لكسب ثقة المانحين.