رغم الضائقة.. وسائل التواصل الاجتماعي تشعل سباق استعراض إنفاق محموماً وهواجس من التحول إلى مجتمع استهلاكي مفرط

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية  – بشرى سمير:
في ظل التحولات السياسية والاقتصادية المتسارعة ولاسيما في سوريا  شهدت أنماط الاستهلاك لدى المواطنين تغيراً جذرياً  فقد أصبحت سمة “الاستهلاك لأجل الاستهلاك” ظاهرة متنامية وسط إقبال كبير على اقتناء السلع غير الضرورية خاصة بين فئة الشباب بدافع مواكبة “الموضة” أو “الترند”  حتى بات الأمر أشبه بسباق محموم لامتلاك أحدث المعروضات قبل أن تسبقهم إليها أيدي الآخرين.
هدى  شابة في الخامسة والعشرين من عمرها  تقول: “يقع مكان عملي قرب السوق، وأزوره بشكل يومي  وأحياناً أكثر من مرة في اليوم  خصوصاً عندما أسمع من زميلاتي عن وصول قطع جديدة، أُعجب غالباً بالملابس والأحذية والحقائب وقد أضطر لدفع نصف راتبي من أجل قطعة واحدة فقط”.
أما نور فتلجأ إلى أسواق الملابس المستعملة (البالة) بحثاً عن السعر المناسب إلّا أنها تعترف بتحول هذه العادة إلى سلوك استهلاكي سيئ  وتقول: “كثيراً ما خرجت من السوق من دون شراء شيء، ومع ذلك شعرت بالخسارة وكأنني فوت شيئاً مهماً.

د.بركات: الحل بتوعية الأفراد وتوجيههم نحو المشاريع الصغيرة ودعمها

الاستهلاك.. نتيجة ضغوط متعددة

يرى الدكتور مهدي بركات الخبير الاقتصادي أن الانخراط في السوق بات حتمية لا مفّر منها في العصر الحديث  إلّا أن حجم التغير في طبيعة البضائع  وأساليب التسويق  وسرعة الوصول إلى المستهلك  كلها عوامل ساهمت في تضخيم السلوك الاستهلاكي غير الواعي.
ويؤكد بركات أن قرارات الشراء لم تعد مرتبطة فقط بجودة السلعة أو الحاجة الفعلية إليها بل دخلت عوامل نفسية واجتماعية في المعادلة  مثل الرغبة في التقليد  والظهور بمظهر معين أو حتى الانجراف وراء الإعلانات وعروض التخفيض.

البيئة الاجتماعية مؤثر رئيس

ويلفت بركات إلى الأثر الكبير للمجتمع في تشكيل قرارات الأفراد الشرائية  بدءاً من الأسرة  وصولاً إلى المحيط الاجتماعي الأوسع حيث يسعى البعض لاقتناء علامات تجارية معينة لإرضاء محيطهم، أو لمجرد تقليد الآخرين.

ولتفادي ما سماه “التسوق المرضي”  ينصح بركات بوضع ميزانية شهرية محددة للإنفاق ووضع قائمة مسبقة بالحاجات الأساسية  مع مقارنة الأسعار وتوفير بدائل بهدف ترشيد الاستهلاك وتحقيق توازن بين الحاجة والرغبة.
ورغم التحسن النسبي في دخول بعض الموظفين إلّا أنّ بركات يحذّر من تصاعد السلوك الاستهلاكي نتيجة غياب المشاريع الإنتاجية  ما يهدد بتحول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي بحت ويؤكد أن الحل يكمن في توعية الأفراد وتوجيههم نحو المشاريع الصغيرة ودعمها  بما يسهم في تحسين الدخل وزيادة الإنتاج القومي.

السهلي: وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً محورياً في تشكيل الثقافة الاستهلاكية

خطر نفسي صامت

من جانبها تحذر الباحثة الاجتماعية سوسن السهلي من أنّ الإفراط في الشراء قد يتحول إلى اضطراب نفسي يُعرف بـ”اضطراب التسوق القهري” حيث يلجأ بعض الأفراد للتسوق كوسيلة للهروب من الضغط النفسي أو لتحسين المزاج مؤقتاً.
وتشير السهلي إلى أنّ هذه الحالة قد تؤدي إلى تكديس الأشياء من دون استخدام، والوقوع في فخ الديون، وتضيف: “تسهم النزعة الاستهلاكية والمواقع الإلكترونية في تعزيز هذا السلوك ما يتطلب نشر ثقافة التسوق الواعي والتقليل من تأثير صرعات الموضة على قرارات الأفراد”.
كما تؤكد أنّ وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً محورياً في تشكيل الثقافة الاستهلاكية الحديثة حيث باتت البيوت وما تحويه من أثاث وكماليات متاحة للعرض العام ما يعزز لدى الأفراد شعوراً بالحاجة لامتلاك ما يمتلكه الآخرون  ولو كان ذلك على حساب الاستقرار المالي أو النفسي.
في الختام  يرى الخبراء أنّ التسوق بوعي  ووضع أولويات للاستهلاك ومقاومة الضغوط الاجتماعية والنفسية هي خطوات أساسية نحو بناء مجتمع منتج لا يُغرقه السعي المحموم خلف الكماليات بل يقوده إلى التنمية الحقيقية والمستدامة.

Leave a Comment
آخر الأخبار