رفع العقوبات عن سوريا.. بوابة أولى للتعافي الاقتصادي والإنساني وتعزيز للاستقرار الإقليمي

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرّية – هبا علي أحمد:
مع صدور القرار الأمريكي حول رفع العقوبات عن سوريا يُمكن القول إنّ الأبواب فُتحت أمام البلاد نحو مرحلة جديدة بامتياز وعلى مختلف الصعد السياسية والدبلوماسية، ولعلّ الاقتصاد أهمها نظراً لما يُشكله الملف الاقتصادي من تحدٍّ للحكومة وللمواطن وتماسه المباشر مع معيشته.
وعلى الرغم من أن الخطوة التي تُشكّل تحوّلاً جذرياً في الاقتصاد السوري تُعد غاية في الأهمية وتُمهد لمشاريع إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات فإنّ الخطوات التالية التي لا بدّ أن تُتبع داخلياً لاستثمار الخطوة الأمريكية لا تقل أهمية أيضاً، وليس سراً إذا قلنا إنّ الكرة باتت في ملعبنا نحن السوريين جميعاً لبناء بلدنا والنهوض به وبناء مؤسسات الدولة.

رفع العقوبات.. يتيح العودة التدريجية للتبادل التجاري ولاسيما في القطاعات غير الخاضعة لعقوبات شديدة مثل الزراعة

في السياق، قدّم أستاذ الاقتصاد الدكتور محمد كوسا في حديث لصحيفة «الحرّية» قراءة في رفع العقوبات عن سوريا من النواحي الاقتصادية والإنسانية والتي تتطلب تحليلًا متعدد الجوانب.

– من الناحية الاقتصادية

يرى الدكتور كوسا أنه سيكون هناك تحفيز جزئي للنشاط الاقتصادي إذ إن رفع بعض العقوبات يتيح العودة التدريجية للتبادل التجاري، خاصة في القطاعات غير الخاضعة لعقوبات شديدة مثل الزراعة والحرف والصناعات الخفيفة التي كانت تفتقر لتأمين قطع الغيار ومسلتزمات الإنتاج، مع إمكانية استيراد مواد أساسية لتحريك الإنتاج المحلي وتحسين الخدمات.
وأضاف الخبير: العودة المتوقعة للاستثمارات العربية والأجنبية والمساعدات المنتظرة من المانحين الدوليين، فالشركات العالمية التي تخشى العقوبات قد تعود للاستثمار في قطاعات مثل الطاقة، الاتصالات، والإعمار، وفي حال تهيئة بيئة أكثر استقراراً، سوف تبدأ شركات أو دول حليفة أو محايدة بإعادة ضخ أموال عبر مشاريع إعادة الإعمار، إلى جانب تسهيل وصول التحويلات المالية من السوريين في الخارج.
إلى جانب ما سبق ذكره، يرى كوسا أنّ رفع العقوبات من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض تكلفة المعاملات الدولية، فالنظام المالي السوري بحكم العقوبات يعدّ معزولاً نسبياً، ورفع العقوبات سيعود بتحويلات أكثر انسيابية، خاصة إذا تم استثناء بعض المصارف أو الآليات الإنسانية، أضف إلى ذلك ضبط سعر صرف الليرة ومعدلات التضخم إذ إن رفع العقوبات سيزيد في القدرة التصديرية للاقتصاد ودخول العملة الصعبة من الخارج ما يُسهم في تحسين قيمة الليرة وقوتها الشرائية وتخفيض معدلات التضخم، كما أن استئناف العلاقات التجارية مع دول كثيرة سيؤدي إلى توفر السلع بأسعار أقل، وتحسن التبادل التجاري.

رفع العقوبات إن تم استثماره بكفاءة يمكن أن يشكل بوابة أولى للتعافي الاقتصادي والإنساني

ومن شأن رفع العقوبات أيضاً تحسن الرواتب وفرص العمل نتيجة إنعاش الاقتصاد وتدفق الاستثمارات، تزداد فرص العمل وقد تتحسن الأجور، مع انخفاض أسعار الوقود والطاقة، ففي ظل إمكانية استيراد الوقود أو إصلاح البنية التحتية للطاقة، تنخفض الأسعار محلياً.

– من الناحية الإنسانية

من هذه الناحية، لفت د. كوسا إلى أنّ الواقع المعيشي في ظل رفع العقوبات سيؤدي إلى تحسين الوصول إلى الغذاء بعد تنشط القطاع الزراعي والحصول على الدواء، ومن ذلك تسهيل استيراد المواد الأساسية الذي سيحد من معاناة المواطنين، خاصة في ما يتعلق بالحصول على الأدوية وتأمين المستلزمات الطبية للمشافي والقطاع الصحي بشكل عام، كما أن المنظمات الإغاثية الدولية ستكون لديها مرونة و قدرة على العمل بحرية أكبر في المناطق المتضررة.
وبالنسبة لمنظمات المجتمع المدني فإنّ العقوبات كانت دائماً تُعرقل العمليات الإغاثية والإنسانية، وبالتالي فإنّ رفعها سيؤدي إلى تخفيف القيود عليها ويمنحها مساحة أوسع للحركة. وهناك نقطة غاية في الأهمية تتعلق بعودة اللاجئين من الخارج والداخل، وفقاً لكوسا، الذي يرى أنه برفع العقوبات سيكون هناك تحسن ملموس على الظروف الاقتصادية والأمنية، وعندها يمكن أن تعود مجموعات محدودة وبشكل طوعي للاجئين بعد تيقنهم من تحسن الواقع، إلى جانب تحسن في المستوى المعيشي وتراجع مستويات الفقر، فرفع العقوبات سيؤدي إلى انخفاض الأسعار بسبب انخفاض تكاليف المعاملات الدولية وانخفاض أسعار المستوردات من مستلزمات الإنتاج وهذا سيقود إلى زيادة التشغيل وتوسع الإنتاج وبالتالي إلى رفع الطلب في قطاع العمل أي تحسن الأجور يمكن أن يوفر تحسناً ملحوظاً في معيشة المواطن، إذا ما تمّ استغلال الانفتاح الحالي بالشكل الصحيح.

– التأثير الفعلي

ويبقى أن مدى التأثير الفعلي للقرار الأمريكي يتوقف حسب كوسا على طبيعة العقوبات التي تمّ رفعها (جزئية أم شاملة) ومدى سرعة الاستجابة الحكومية لتوظيف هذا الانفتاح لتحسين الواقع الاقتصادي واستجابة المجتمع الدولي، ولاسيما الدول الخليجية والاتحاد الأوروبي.

رفع العقوبات ليس الغاية النهائية ولا الهدف بل اللبنة الأولى لبناء علاقات تعاون

بالنتيجة فإنّ رفع العقوبات، إن تم استثماره بكفاءة، يمكن أن يشكل بوابة أولى للتعافي الاقتصادي والإنساني.
– انفراج سياسي دبلوماسي
يوسّع أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور عابد فضلية الرؤية الاقتصادية لمسألة رفع العقوبات لتصل إلى الشق السياسي والدبلوماسي بجوانبه كافة، مشيراً إلى أنها خطوة قد يتبعها خطوة مماثلة من الاتحاد الأوروبي، فالمسألة ليست اقتصادية اجتماعية تنموية إيجابية فحسب، بل هي قبل كل شيء قضية انفراج سياسي دبلوماسي فائق الأهمية.
كما أن قرار رفع العقوبات الاقتصادية في حد ذاته ليس هو الغاية النهائية ولا الهدف النهائي لأي طرف، بل هو اللبنة والخطوة الأولى في سلسلة خطوات أخرى على المستويين المتوسط والطويل لبناء ما هو متفق عليه مسبقاً من علاقات تعاون اقتصادي وتشاركية استثمارية إقليمية ودولية، تصب في جهود إعادة الإعمار وتسهيل التجارة الدولية، وترسيخ ما يمكن أن يُسمى «مسك العروة» الأهم في مبادرة طريق الحرير الذي لا يجب أن تسيطر عليه الصين وحدها، وفي مبادرات أخرى مشابهة أعلنت عنها الهند ومجموعة دول البريكس.
الأهم من ذلك، أو لنقل ما يوازيه في الأهمية، هناك عامل الاستقرار المنشود ليس في سوريا فحسب، بل لا بدّ أن يسري على عموم الإقليم والمنطقة، إذ يرى فضلية أنّ مسألة رفع العقوبات ونوايا التطبيع الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي، ستسهم في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، إضافة لإتاحة المجال لفرص السلام في كل دولة من دول المنطقة وفيما بينها، ما يعني أنّ الآثار الإيجابية ستتعدى سوريا والمنطقة إلى الدول الأخرى.

نيات التطبيع الاقتصادي تتيح المجال لفرص السلام في كل دولة من دول المنطقة

وما يُجمع عليه خبراء الشأن حول أنّ أهم الآثار الإيجابية لرفع العقوبات، أشار إليه أستاذ الاقتصاد أيضاً من حيث إتاحة الفرص الاستثمارية الهائلة في إطار متطلبات عملية إعادة الإعمار للمستثمرين السوريين في الداخل والخارج، وللمستثمرين العرب والأجانب، بل تتسع أيضاً فرص استثمارية شبه مفتوحة لشركات حكومية كثيرة غير سورية.

– نتائج وفوائد

يبقى أن من أهم نتائج وفوائد رفع العقوبات إعادة العلاقات الرسمية والمؤسسية الحكومية السورية مع مثيلاتها الأجنبية، بما في ذلك تطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الأمر الذي مكّن سوريا من الحصول على تأكيدات بمنحها قروضاً بشروط ميسرة بمئات الملايين التي تساعد مبدئياً في إعادة بناء البنية التحتية، في مجالات الطاقة أولاً، وفي مجالات أخرى عديدة لا تقل أهمية عن الاقتصاد والمجتمع.
في المحصلة، يُنوّه فضلية بأن اللجوء إلى الاستثمارات في إطار عملية إعادة الإعمار في كافة القطاعات دون استثناء يُحقق مصلحة السوريين، ويضمن الجدوى الاقتصادية للمستثمرين كما يضمن الجدوى الاجتماعية لأي مواطن سوري.

فجر جديد

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي فاخر القربي أن رفع العقوبات الاقتصادية يشكل حالة إعلان فجر جديد  للحياة الاقتصادية في سوريا، كما يُبشر ببناء حالة اقتصادية متكاملة تجعل من سوريا وجهة استثمارية للجميع، إضافة إلى أنه يُشكل حياة جديدة للحالة المعيشية للمواطن السوري.
ولفت الخبير إلى أن  القرار يحتاج لإجراءات أخرى من حيث  تقديم الدعم من البنك الدولي وتحريك كل الأرصدة المجمدة خارج سوريا، إلى جانب عقد مؤتمر دولي لدعم سوريا في إعادة بناء الاقتصاد وتسخير كل الإمكانيات لجذب كل الاستثمارات.

Leave a Comment
آخر الأخبار