سلقين.. واحة الشمال السوري تستعيد خضرتها.. والزيتون يكسو تلالها وهضابها

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – علام العبد:

على امتداد الطرق المؤدية إلى مدينة سلقين واحة الشمال السوري في محافظة إدلب، تظهر أمام الزائر لوحة مختلفة تماماً عمّا عرفته المنطقة في سنوات مضت الصخور والأراضي الجرداء التي طالما هيمنت على المشهد، بدأت تتراجع أمام موجات من الخُضرة، بساتين زيتون، وزراعات جديدة من الفواكه والخضروات، كل من يمر من هناك لا يملك إلا أن يردد في داخله: “تسلم الأيادي التي بنت وعمرت”.

نقلة نوعية فى الشمال

خلال السنوات الماضية من الحرب التي شنها النظام البائد، نجح الأهالي في الشمال السوري ولاسيما في سلقين وغيرها من مدن المحافظة في إحداث نقلة نوعية في مشهد الزراعة بالمنطقة، مساحات بور شاسعة تحولت إلى مزارع خضراء، فاستعاد السكان علاقتهم القديمة بالأرض، وعادوا لإعمار قراهم بعد أن غابت الحياة عنها لفترة من الزمن. الزيتون كان العنوان الأبرز لهذه العودة، لكنه لم يكن وحده؛ فقد جرت محاولات متواصلة لإدخال أصناف جديدة من الفواكه والخضروات، لتتنوع المحاصيل وتزداد فرص النجاح.

تاريخ زراعي عريق

يشير الباحث التاريخي صهيب بدوي، إلى أن سلقين مدينة تتبع لمنطقة حارم التابعة لمحافظة إدلب في شمال سوريا، وتُعد سلقين مركزاً تجارياً وصناعياً مهماً في المنطقة وتشتهر بخصوبة أرضها ووفرة بساتين الزيتون والرمان، وشتى أنواع الأشجار المثمرة مثل الجوز واللوز والتين والكرمة، حيث تتميز المنطقة بخصوبة الأرض، وتبلغ المساحة الزراعية الإجمالية لسلقين 380 هكتاراً، وتُقدر مساحة الأراضي الزراعية في ريف سلقين بأكثر من 10 آلاف هكتار خاصة بأشجار الزيتون، حيث يُزرع فيها حوالي مليون شجرة زيتون تنتج ما يزيد على 40 ألف طن زيت.
وأوضح بدوي في تصريح لصحيفتنا ” الحرية” تضم المدينة حمام سلقين القديم، الذي يُعد من أكبر الحمامات في الشرق الأوسط. وحسب بدوي يعتقد أن اسم “سلقين” يعود إلى الملك الروماني “سلوقس الأول” أو من طبيعتها الجبلية.

نهضة تنموية

وأشار البدوي إلى أن هناك جهوداً كبيرة بذلتها الحكومة في إدلب إبان الحرب التي شنها النظام البائد وهذه الجهود تناغمت مع جهود المنظمات لتوفير بنية تحتية تخدم المزارعين من طرق وكهرباء ودعم إرشاد زراعي وتوفير غراس وغيره .
وأضاف، لم يكن اللون الأخضر مجرد زينة طبيعية؛ بل صار سبباً رئيسياً في استعادة السكان لحياتهم الطبيعية، المزارع هنا لم يعد مجرد حقل، بل مصدر رزق ووسيلة للعودة إلى الديار، مئات الشباب وجدوا في هذه النهضة الزراعية فرص عمل متنوعة، ما بين زراعة وحصاد وتسويق، فتحولت سلقين والقرى المحيطة إلى ورش عمل ممتدة لا تعرف التوقف.
مزارعو سلقين يتسابقون لاستصلاح أراضيهم وفي جل مناطق الشمال السوري. خلال سنوات الحرب نجحوا في إعادة كسوة مساحات واسعة باللون الأخضر، بعضها كان مغموراً في السابق وتراجع نشاطه، وبعضها الآخر يُزرع لأول مرة. العودة لم تكن مجرد استعادة لما مضى، بل توسع وامتداد نحو أراضٍ جديدة لم تعرف الزراعة من قبل، لتصبح اليوم مقصداً لمزارعين جدد، ومركز جذب للاستثمار الزراعي.

استصلاح الأرض وزراعتها

في مدينة سلقين ، وحسب المهندس الزراعي صفوان الاكتع فإن الأهالي لا يزالون يحافظون على خصوصيتهم الزراعية، فالزيتون والتين والعنب هنا يحملون سمعة طيبة تتوارثها الأجيال، ومع ذلك، لم يتوقفوا عند حدود الماضي، بل واصلوا التوسع في زراعة الزيتون ليصبح العمود الفقري لاقتصاد المنطقة.
أما في مناطق الشمال السوري، فقد قاد الأهالي حملات منظمة لاستصلاح الأراضي، فنجحوا في تحويل مساحات واسعة إلى مسطحات خضراء. اليوم، تبدو مدن الشمال إلى جانب مدينة سلقين وكأنها لوحة طبيعية تعكس إرادة أهلها وصبرهم على العمل.

واحة من الزيتون

لم تكن مدينة سلقين أقل حظاً من مدن الشمال فقد امتدت يد التعمير إلى جميع مساحاتها، حيث يجاور الزيتون والرمان حدود القمح في المدن الأخرى ويشهد على صمود سلقين وأهلها .
في محتلف أنحاء منطقة حارم حسب المهندسة رائدة الخطيب، لقد تحولت هضاب ومنخفضات سلقين إلى مزارع خضراء تزينها أشجار الزيتون وتتنوع بينها محاصيل الخضروات، ما جذب مزارعين جدداً وخلق فرص عمل إضافية.
وتضيف الخطيب: سلقين مازالت تحافظ على صدارتها فى إنتاج الخوخ واللوز، وفي سلقين، يضرب الأهالي مثالاً في التمسك بالجذور والتطلع إلى المستقبل في آن واحد، هنا تتجاور الزراعات التقليدية من اللوز والعنب والتين مع محاصيل الزيتون الحديثة، في مزيج يعكس هوية الأرض وذاكرة أهلها.

عزيمة وإصرار

لقد حافظ سكان مدينة سلقين على تميزهم بإنتاج جميع أنواع الفواكه، مع التوسع في زراعة الزيتون الذي امتد في كل اتجاه وفي جميع الأراضي لم تكن عائقًا أمام عزيمة المزارعين، بل شكّلت تحدياً تغلبوا عليه ليصنعوا لوحة متناغمة من الحجر والبشر والزيتون.
في سلقين ، وعلى حد تعبير المهندسة سعاد المصطفى، لقد استعادت الأرض نشاطها الزراعي بعد سنوات من التوقف بسبب الحرب، فعادت مزارع الزيتون إلى حيويتها، وواصل الأهالي استصلاح مساحات جديدة، مستفيدين من خصوبة التربة ووفرة المياه الجوفية.
ونوهت المصطفى بأن النهضة الزراعية لم تقتصر على القرى المحيطة بسلقين فقط، بل شملت مدن المحافظة كلها، حيث لم تُترك قطعة أرض إلا وزُرعت بالزيتون، على أطراف الشمال السوري، تمتد المزارع حتى محاذاة مدينة سرمدا ، حيث يلتقي الجبل بالحقل في هذا المكان، لا تبعد رفرفة الطيور كثيراً عن أشجار الزيتون والتفاح والتين، في مشهد يجمع بين زرقة السماء وخضرة الحقول.
وقالت: إن إعادة الزراعة في مدن الشمال السوري كسلقين وغيرها لم تكن مجرد عودة للخُضرة، بل كانت عودة للحياة ذاتها. مئات الأسر استعادت مصادر رزقها، وعاد الشباب إلى قراهم بعدما وجدوا فرص عمل تناسبهم، الزراعة وفرت الاحتياج الغذائي المحلي، وخففت من تكاليف المعيشة، وأعادت الأمل إلى قلوب سكان المنطقة في إدلب الخضراء .
وأشارت إلى أن التجارب المتواصلة لإدخال أصناف جديدة من الفواكه والخضروات والزيتون عكست وعي المزارعين بأهمية التنوع الزراعي. التفاح، الخوخ، اللوز، التين، والعنب إلى جانب الزيتون، كلها محاصيل منحت المنطقة فرصة لتوسيع نشاطها.

انتصار الإرادة

اليوم، من يسلك طرق الشمال السوري للوصول للمدن فيه و مدينة سلقين واحة هناك ، يلمح بوضوح كيف تغلبت عزيمة الإنسان على قسوة الحرب والطبيعة التي طالما غطت المكان، صارت تتناثر بين مساحات خضراء واسعة، فتكتمل اللوحة ببهجة لم يعرفها الزائر منذ سنوات.
إنها قصة إنسان وأرض، صبر وإصرار، عودة وانبعاث قصة الزيتون الذي لم يعد مجرد شجرة عتيقة في وجدان أهالي إدلب، بل صار رمزاً لإرادة الحياة، وراية خضراء ترفرف فوق أشجار الزيتون طالما انتظرت لحظة النصر والتحرير الجديد.

Leave a Comment
آخر الأخبار