الحرية – مها يوسف:
في الذكرى الأولى لتحرير سوريا، تبرز الدبلوماسية السورية كأحد أهم ملامح التحول السياسي والإقليمي، حيث تسعى البلاد إلى إعادة تثبيت موقعها الحيوي في المنطقة، وسط مشهد متغير أعاد رسم خريطة النفوذ والتحالفات.
وفي هذا السياق، يشير الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة إلى أن سوريا تشهد اليوم مرحلة استعادة توازنها الداخلي ومكانتها الإقليمية، بعد تطورات متسارعة في المنطقة انعكست على منظومة الأمن والتحالفات الدولية.
تحولات إقليمية
يرى خليفة أن الأحداث التي تلت السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 شكّلت منعطفاً حاداً في منظومة الأمن الإقليمي، بعد النهج العنيف الذي تبنّته الحكومة اليمينية في إسرائيل تجاه إيران وأذرعها، خصوصاً في سوريا ولبنان. هذا التصعيد، كما يوضح، أسهم في زيادة حدة الاستقطاب، ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التدخل للحد من التوتر الإقليمي وكبح تمدد الميليشيات والفصائل المسلحة على حساب منطق الدولة.
أمن الملاحة
يشدد خليفة على أن تصاعد نفوذ الفصائل المسلحة مثّل تهديداً مباشراً لأمن الملاحة في المضائق الاستراتيجية وخطوط الإمداد الحيوية لنقل النفط والتجارة الدولية، الأمر الذي جعل إعادة ضبط التوازن الأمني ضرورة إقليمية وليست خياراً سياسياً فحسب.
انحسار المشروع
يشير خليفة إلى أن الظروف الإقليمية الجديدة فرضت ضرورة إنهاء المشروع الإيراني التوسعي الذي استخدم سوريا منصة لتهديد الأمن الإقليمي، ويرى أن إضعاف هذا المشروع بات مرهوناً بسقوط حليفه الرئيس، وهو النظام البائد، ما غيّر طبيعة المشهد الأمني والسياسي في المنطقة.
عودة الاستقرار
بعد انهيار النظام، يؤكد خليفة أن مؤشرات واضحة للاستقرار بدأت بالظهور في الإقليم، مع عودة سوريا إلى محيطها العربي والدولي مستندة إلى موقعها الجيوسياسي المحوري ودورها الإقليمي، ويضيف إن إشراف سوريا على البحر المتوسط الغني بحقول الغاز جعلها لاعباً أساسياً في إعادة رسم الحدود البحرية في شرق المتوسط، كما انعكس في اتفاق ترسيم الحدود اللبنانية – القبرصية.
ثروات استراتيجية
يلفت خليفة إلى أن الأمن والاقتصاد يشكلان الركيزتين الأساسيتين في العلاقات الدولية، ومع دخول المعادن النادرة إلى ساحة التنافس الدولي، ازدادت أهمية سوريا التي تمتلك مخزوناً مهماً من بعض تلك المعادن، مثل السيليكون المنتشر في القريتين وحسياء وصولاً إلى القلمون، إضافة إلى الفوسفات، وهو ما يعزز موقعها في سياق التنافس العالمي بين الصين والولايات المتحدة.
انفتاح متجدد
بحسب خليفة، مثّل التحرير فرصة لإعادة وصل العلاقات السورية مع لبنان وتركيا وقطر، بما يسهم في دفع جهود إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، إلى جانب تعزيز الشراكات مع دول الخليج والمحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة والدول الليبرالية الديمقراطية. وقد أدى ذلك إلى رفع جانب مهم من العقوبات التي فُرضت على سوريا منذ منتصف السبعينيات.
آفاق قادمة
يختتم خليفة أن سوريا تسير اليوم على مسار دقيق لإعادة تموضعها ضمن خارطة العلاقات الدولية، مؤكداً أن تحويل منجز التحرير إلى واقع مستدام يتطلب ترسيخ الوفاق الوطني، بما يسمح بالانتقال إلى خطوات أعمق من التنمية وترسيخ الاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.