الحرية – ماجد مخيبر:
في خطوة هي الأولى من نوعها منذ سنوات، شهدت العاصمة السورية دمشق انعقاد “الملتقى الاقتصادي السوري – النمساوي – الألماني 2025″، والذي يُعدّ بمثابة إعلان عملي عن فتح صفحة جديدة في العلاقات الاقتصادية الدولية لسوريا، وبداية مرحلة جادة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
الملتقى عقد برعاية وزارة الاقتصاد والصناعة السورية، وتنظيم مشترك بين اتحاد غرف التجارة السورية ونظيرته العربية النمساوية والعربية الألمانية، وجمع في فندق “غولدن المزة” مسؤولين حكوميين، وممثلين عن هيئات الترويج للاستثمار، ووفوداً رفيعة من رجال الأعمال والمستثمرين من الدول الثلاث.
إرادة سياسية واقتصادية مشتركة
في كلمته خلال الافتتاح، أكد معاون وزير الاقتصاد والصناعة، المهندس ماهر الحسن، أن الملتقى “يَجسّد الإرادة المشتركة” لتطوير التعاون التجاري والاستثماري، معتبراً إياه “خطوة مهمة نحو إرساء أسس شراكات إستراتيجية” تدعم مسيرة التعافي الاقتصادي السوري. وأشار الحسن إلى أن هذه العلاقات هي امتداد لتاريخ طويل من التعاون، يتم تطويره اليوم لتلبية متطلبات مرحلة إعادة الإعمار والتنمية.
ولفت الحسن إلى أن سوريا، “وبفضل اجتيازها للتحديات”، تواصل مسيرتها الاقتصادية مدعومة بحزمة إصلاحات تشريعية واقتصادية تهدف إلى تحسين مناخ الاستثمار وجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وحدد الحسن قطاعات الصناعة والطاقة والنقل والصحة والاتصالات كمجالات رئيسية مستهدفة للتعاون، ستكون محركات للنمو المستدام.
شراكة إستراتيجية وليست اقتصادية فحسب الحسن ، وصف التعاون مع ألمانيا والنمسا بأنه “شراكة إستراتيجية” تتيح لسوريا الاستفادة من الخبرات التقنية والتكنولوجية المتقدمة، والاستعانة بها في مجالات البحث والتطوير لتحسين القدرة الإنتاجية وتعزيز الموقع التنافسي للصناعة السورية في الأسواق العالمية.
من جانبه، رأى رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، علاء العلي، أن الحدث “يعكس أبعاداً عميقة ورمزية كبيرة”، ووصفه بأنه “ترجمة لإرادة قوية” لتعزيز العلاقات الاقتصادية و”خطوة جديدة على طريق التعافي” واستعادة المكانة الدولية للاقتصاد السوري.
وأكد أن الاتحاد يواصل بالتعاون مع الحكومة جهود تحسين البيئة الاستثمارية عبر إصلاحات تشريعية وتنظيمية لتعزيز الشفافية والاستقرار.
التزام أوروبي وخطط مستقبلية
بدوره، أعرب رئيس غرفة التجارة العربية النمساوية فيرنر فاسلابند، عن تفاؤله بالشراكة الناشئة، مشيراً إلى أن الملتقى “يجمعنا تحت مظلة التعاون” في خطوة لبناء علاقات اقتصادية “أكثر قوة وفاعلية”. وأعلن أن هذا الملتقى هو الأول وسيتبعه آخر في النمسا، ما يوفر فرصاً مستمرة لاستكشاف مجالات التعاون.
وركز فاسلابند على قطاعات الطاقة المتجددة، الصناعة، النقل، البنية التحتية، والتكنولوجيا، معتبراً إياها أساساً للتنمية المستدامة وشراكات مثمرة. وأكد أن النمسا تسعى دائماً لدعم شركائها في المنطقة، وخاصة سوريا، من خلال تسهيل التعاون التجاري والاستثماري وبناء جسور تواصل جديدة.
وفي السياق ذاته، وصف رئيس غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية، أولاف هوفمان، الملتقى بأنه “خطوة مهمة” نحو تعزيز شراكة اقتصادية مثمرة، معرباً عن تطلعه لبدء “مرحلة جديدة من الشراكات العملية”؛ وأشار إلى أن ألمانيا، كواحدة من أكبر الشركاء التجاريين في أوروبا، تتطلع إلى المساهمة في تطوير البنية التحتية السورية وتوسيع الأسواق وإرساء أسس النمو المستدام.
دعم دبلوماسي مع أهمية رأس المال البشري السوري
السفير الألماني كليمنس هاخ أعرب بدوره عن التزام بلاده العميق بتعزيز الشراكة مع سوريا، مؤكداً أن “المستقبل المبني على التعاون المشترك سيكون أفضل لكافة الأطراف”. وكشف عن تطور ملحوظ في العلاقات الاقتصادية مع بداية 2025، معتبراً الملتقى منصة لفرص جديدة في قطاعات حيوية.
وألقى السفير الألماني الضوء على عامل مهم قد يُشكل دافعاً قوياً للتعاون، وهو وجود جالية سورية كبيرة في ألمانيا يقدر عددها بنحو 1.3 مليون، العديد منهم “أصحاب شركات قادرون على صنع الفرق في سوريا”، وكثيرون منهم “يرغبون بالعودة والاستثمار”.
من جهتها، أعربت السفيرة النمساوية إيزابيل راوشر عن أهمية الملتقى الذي يجسد التعاون المثمر، مؤكدة سعي النمسا الدائم لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة واعتبار سوريا “شريكاً مهماً” وأعربت عن يقينها بأن الشراكات الناتجة ستسهم بشكل كبير في إعادة الإعمار وتحقيق نمو مستدام يعزز استقرار المنطقة.
فرص استثمارية وإصلاحات تشريعية
ممثل هيئة الاستثمار السورية، محمد أمين، استعرض الجهود المستمرة لتحسين البيئة الاستثمارية، مشيراً إلى “سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية” تهدف إلى تشجيع الاستثمارات وتوفير بيئة “محفزة وآمنة”.
ولفت أمين بشكل خاص إلى “التعديلات على قانون الاستثمار” التي وجهت بها الرئاسة، وما تضمنته من “إعفاءات ضريبية وتشجيع للمستثمر الخارجي والمحلي”، وكذلك التسهيلات المتعلقة بالتحويلات المالية لضمان “أمان تام” للمستثمر وحدد قطاعات الصناعة والطاقة والنقل والصحة كمجالات تقدم فرصاً كبيرة ضمن أولويات خطة إعادة الإعمار.
جلسات قطاعية واجتماعات ثنائية
ركزت جلسات الملتقى على استعراض أهم القطاعات الحيوية الجاذبة للاستثمار في سوريا، وهي: الطاقة، النقل، الصحة، التكنولوجيا الرقمية، والبنية التحتية، ما يعكس تنوع الفرص المتاحة وأوضحت الجهات السورية المشاركة أن هذه القطاعات تشهد إصلاحات كبيرة وتوفر بيئة خصبة للمستثمرين الدوليين الراغبين بالدخول إلى السوق السورية.
وشكلت اللقاءات الثنائية بين الشركات المحلية والأجنبية جانباً عملياً مهماً في الملتقى، حيث أتاحت للمشاركين فرصة تحديد مشروعات استثمارية جديدة وإجراء مناقشات مباشرة مع المسؤولين الحكوميين، في خطوة تهدف إلى تسريع عجلة الشراكات وتقديم معلومات معمقة عن واقع الأعمال في سوريا.
فالملتقى بحضوره الدبلوماسي والاقتصادي المكثف، يقدم رسالة واضحة مفادها أن سوريا تعمل على إعادة ربط اقتصادها بالأسواق الدولية، مستفيدة من إرادة سياسية محلية ودعم أوروبي واضح، في محاولة لتحويل صفحة الماضي إلى فرص مستقبلية واعدة.