الحرية – هناء غانم :
أكد الخبير المالي والمصرفي الدكتور علي محمد أن استراتيجية المصرف المركزي السوري للفترة 2026–2030 تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وهي تشكل رؤية واضحة للمستقبل القريب، ما يمنح المستثمر والمصرفي والمواطن ثقة بأن المصرف المركزي يسعى لتحقيق ركائز محددة خلال خمس سنوات.
وأشار محمد في تصريح لـ”الحرية” إلى أن هذه الاستراتيجية تأتي في ظل ظروف اقتصادية صعبة تمر بها سوريا، خاصة مرحلة إعادة الإعمار، ومواجهة تحديات متنوعة تشمل القطاعات الغذائية والنقدية والمالية والاستثمارية، مؤكداً أنها تقدم رؤية عامة للتعامل مع هذه التحديات واستثمار الفرص المتاحة.
وأوضح الخبير المصرفي أن الركائز الأساسية لتطوير أي اقتصاد ، تتطلب وجود خطة واضحة للأهداف النقدية والمالية والاستثمارية، مشدداً على أن نجاح استراتيجية المصرف المركزي السوري يعتمد على تضافر جهود كافة الجهات الحكومية ، وهذه الاستراتيجية ترتكز على أربع نقاط رئيسية، أولها زيادة حجم الإنتاج الحقيقي في سوريا، بما يشمل الناتج المحلي الإجمالي في القطاعات الصناعية والزراعية وغيرها، لتعزيز الاقتصاد الوطني وزيادة الإنتاج المحلي.
والنقطة الثانية تتعلق بإزالة العقوبات وعودة سوريا إلى المجتمع الاقتصادي الدولي، وزيادة الانفتاح التجاري على الدول العربية والعالمية بما يعزز فرص الاستثمار والتجارة.
أما النقطة الثالثة، فهي استقلالية السلطة النقدية، إذ يجب منح المصرف المركزي صلاحية اتخاذ قراراته النقدية بحرية بعيداً عن أي تدخلات خارجية لضمان تنفيذ الاستراتيجية بكفاءة. والنقطة الرابعة تتعلق بتدعيم احتياطي النقد الأجنبي، لتعزيز قدرة المصرف المركزي على دعم السياسات النقدية وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف.

مواجهة التضخم وتحفيز النمو
وأكد محمد أن مكافحة التضخم تشكل الركيزة الأساسية في هذه الاستراتيجية، مشيراً إلى أن ارتفاع التضخم في سوريا يعود أساساً إلى زيادة الكتلة النقدية، إلى جانب أسباب بنيوية تتعلق بضعف الإنتاج، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء، والتضخم المستورد، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية، وأضاف أن المصرف المركزي يركز على امتصاص السيولة الفائضة باستخدام أدوات السياسة النقدية مثل تقييد الإقراض ورفع أسعار الفائدة، مع التأكيد على أن نجاح هذه الإجراءات يتطلب ثقة في الجهاز المصرفي السوري.
وأفاد محمد بأن ( ألف باء) تطوير الاقتصاد في أي دولة هو أن يكون هناك رسم واضح لأهداف السياسة المالية الاستثمارية و الاقتصادية ولابد من الأخذ بعين الاعتبار أن تنفيذ أي استراتيجية تهدف إليها السلطة النقدية يتطلب تضافر كافة الجهود في الحكومة و الدوائر لأننا نتحدث عن زيادة حجم الإنتاج الحقيقي في سوريا في جميع القطاعات.
تطوير الإحصاءات والبيانات
كما شدد الخبير المصرفي على ضرورة رفع قدرة المصرف المركزي على التنبؤ بكافة مؤشرات الاقتصاد الكلي، بما في ذلك التضخم وسعر الصرف والناتج المحلي الإجمالي، مشيراً إلى أن تطوير الإحصاءات الدقيقة والبيانات المالية في سوريا يمثل خطوة أساسية لتمكين المصرف من وضع سياسات فعالة.
وأشار أيضاً إلى أهمية إعادة هيكلة النظام المصرفي السوري وزيادة عدد المصارف لتحقيق الشمول المالي، باعتباره شرياناً أساسياً للاقتصاد، فضلاً عن تحسين الأداء المصرفي وزيادة المنافذ المالية لتعزيز تمويل القطاعات الإنتاجية وتحقيق الاستقرار النقدي.
ولفت محمد إلى أن استقرار سعر الصرف مرتبط بتحسين الإنتاج وزيادة الصادرات، إضافة إلى توفر احتياطي نقدي كافٍ لدعم سعر الصرف وحماية الاقتصاد من المضاربات، وأوضح أن إعادة سوريا إلى النظام المالي العالمي، بما في ذلك نظام سويفت، بعد رفع العقوبات الدولية، ستسهم في تحقيق التكامل المالي الدولي وزيادة الشمول الاقتصادي، ما يعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات المستقبلية.
وختم بالتأكيد على أن تنفيذ هذه الاستراتيجية يتطلب التزاماً شاملاً من الحكومة والمصرف المركزي، لضمان تحويل الرؤية الاقتصادية إلى واقع ملموس يدعم النمو والاستقرار في سوريا خلال السنوات القادمة.