سوريا والعراق.. علاقات تقوضها جغرافيا إقليمية بعناوين أمنية

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:
في اليوم التالي لإعلان تأجيل زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى العراق، خرج رئيس جهاز المخابرات العراقية حميد الشطري، ليعرض ويوضح مجدداً الموقف العراقي تجاه سوريا، ومجمل العلاقات السورية العراقية. لكنه عملياً لم يأتِ بجديد، ورغم إنه لم يتطرق لمسألة تأجيل زيارة الشيباني إلا أن العرض والتوضيح كانا مرتبطين بها بصورة أساسية.
الزيارة كانت مقررة السبت الماضي وحديث الشطري كان مساء أمس الأحد ويبدو أن مسألة تأجيل الزيارة كانت ضاغطة بصورة كبيرة حتى يخرج رئيس المخابرات العراقية ليتحدث حولها وإن بشكل غير مباشر. وعندما نقول ضاغطة فإننا نتحدث هنا عن الداخل العراقي المنقسم بصورة حادة جداً، ليس فقط تجاه سوريا وتطوراتها، بل تجاه مجمل الإقليم حيث «العامل الإيراني» حاضر دائماً، يفعل فعله، ولا يخفي نفسه.
لذلك عندما يتم تناول المسار الجديد في العلاقات السورية العراقية، فإننا لا نضع مسألة تأجيل زيارة الشيباني في إطار الانتكاسة، أو العودة إلى المربع الأول، بقدر ما نضعها في إطار مسار صعب محكوم بجغرافيا معقدة، تتداخل فيها الديمغرافيا مع السياسة (والدين) لتصبح المخاطر والتهديدات الأمنية هي من يطفو ويسيطر ويحكم السياسات والعلاقات.

حول التركيز المستمر على زيارة الشيباني المؤجلة إلى العراق.. ماذا في الخلفيات والتداعيات؟

وهذا ما يفسر- ربما – طغيان الجانب الأمني على مجمل التصريحات العراقية تجاه سوريا، رغم إن سوريا لديها الهواجس والمخاوف الأمنية نفسها، وهي لا تتجاهلها بالمطلق، ويبدو أنها كانت حاضرة في مسألة تأجيل زيارة الشيباني إذا أخذنا بما قاله مصدر في وزارة الخارجية العراقية حول أن «سوريا طلبت مزيداً من الضمانات الأمنية لسلامة وزير خارجيتها أسعد الشيباني داخل الأراضي العراقية» وفق ما نقل موقع «إرم نيوز» العراقي السبت الماضي عن المصدر الذي طلب عدم كشف اسمه.  (يضاف إلى ذلك ما ينقله الإعلام العراقي/المرئي/ نفسه من تهديدات تطلقها شخصيات ومتزعمون لكتل وتنظيمات، يستضيفها بصورة دائمة).

– نظرة أحادية
إذاً سوريا لا تتجاهل بالمطلق التهديدات الأمنية القائمة، مع فارق أنه في سوريا ليس هناك من يخرج على الفضائيات ليهدد ويتوعد. سوريا تريد الانطلاق بعلاقات جديدة مع العراق على أسس سليمة متينة مستدامة، وإن كان الجانب الأمني عنواناً رئيسياً في هذا السياق فإنه من المفترض تناوله بصورة مختلفة، بعيدة عن نظرة «الجانب الواحد» على قاعدة أن العراق هو المُهَدَد فقط .
من هنا فإن حديث الشطري لا يبدو صائباً في كثير من جوانبه، وإن كان هناك اتفاق معه أن ما يحدث في البلدين، وبينهما، يؤثر بشكل مباشر على كليهما.
الشطري الذي كان يتحدث أمام مؤتمر «حوار بغداد» مساء أمس الأحد قال إن «الساحة العراقية والسورية مترابطة بشكل وثيق، وما يحدث في سوريا يؤثر بشكل مباشر على العراق، والعكس صحيح».
وأضاف الشطري، وفق ما نقلت وكالة الأنباء العراقية «واع»، أن العراق توجه برسائل مباشرة إلى دمشق بشأن التهديدات الأمنية و«نريد أن نعرف كيف ستتعامل الإدارة السورية الجديدة مع هذا الملف» على حد تعبيره.

سوريا تسعى لعلاقات جديدة مع العراق على أسس سليمة وإذا كان الجانب الأمني عنواناً رئيسياً فمن المفترض تناوله بعيداً عن نظرة «الجانب الواحد»

وفي سياق تبريري، شدد الشطري على أن العراق لم يكن حريصاً على دعم النظام السوري السابق بقدر ما كان مهتماً بمعرفة البدائل في حال تغير الوضع في سوريا، وقال: العراق أرسل رسائل باحترام إرادة الشعب السوري «وهو مستمر في إرسال الرسائل والتواصل مع القيادة السورية من أجل تحقيق نتائج إيجابية».

– الخلفيات ومدلولاتها
لننطلق من كلام الشطري نفسه حول التأثير المتبادل، ونسأل:
1 – أليس من المفترض أن يقود هذا التأثير المتبادل إلى قرار سياسي عراقي موحد بعيداً عن اعتبارات الجغرافيا والديمغرافيا؟
2 – كيف يمكن مطالبة سوريا بمعالجة التهديدات الأمنية إذا لم يكن هناك اعتراف عراقي بوجود تهديدات عراقية مماثلة على سوريا؟.. بل ليس هناك اتفاق عراقي على هذه التهديدات، فما يعتبره هذا الفريق تهديداً أمنياً، لا يعتبره كذلك فريق آخر. هذا الاختلاف الحاد جداً والمُعلن على الفضائيات يقود بدوره إلى تهديدات أمنية بين الفرقاء العراقيين أنفسهم (وطالما هو معلن فهو يقينا شر اتهامات ومبالغات ليست فينا).
3 – كيف يمكن تبادل الزيارات (وتالياً بناء علاقات وتعاون) في ظل حملة تهديد وتحريض لا تتوقف على وسائل الإعلام العراقية. صحيح أن التحريض لا ينسحب على جميع المكونات العراقية إلا أنه مؤثر بصورة خطيرة، ولا يمكن تجاهله طالما أن القيادة العراقية تبدو غير قادرة على ضبطه، أو بعبارة أدق ربما تتوافق معه، وتالياً غير مقتنعة بضبطه.. وللتوضيح، عندما نقول غير مقتنعة فهذا يعيدنا إلى نظرة الجانب الواحد، آنفة الذكر، أي إن الجانب العراقي يرى أن سوريا هي من يشكل التهديد فقط، وبالتالي عليها وحدها فقط معالجة المخاوف الأمنية العراقية. وللتوضيح أيضاً ربما نكون هنا على حق، وربما لا نكون.. في السياسات والعلاقات دائماً هناك ما هو غير معلن لضرورات محسوبة، وبما يجعل التوقعات والتحليلات تحتمل دائماً جانبي الصح والخطأ.
يمكننا هنا التطرق مثلاً إلى موقف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي أقدم على عدة خطوات أراد من خلالها تأكيد مساعيه في إطار انفتاح جدي على سوريا، ومنها إرسال الشطري نفسه إلى دمشق أواخر كانون الأول الماضي.
4- أليس من المفترض أن يُحاسَب من يُهدد علناً، ألا يشكل هؤلاء تهديداً أمنياً أيضاً، مباشراً وصريحاً على قاعدة الإعلان، أم أن المجموعات المسلحة هي فقط من يهدد؟.. لنذكر هنا أن عناصر التهديد التي يتحدث عنها العراق هي ضمن المعتقلات، بما فيها تلك التي عند المكون الكردي، فيما من يهددون سوريا (ومسؤوليها) أحرار في تحركاتهم وفي إطلاق ما يشاؤون من تهديدات.
لنذكر أيضاً أن سوريا منفتحة على جميع العالم، لكن يحق لها أن تكون حذرة جداً تجاه دول لم تعطِ رسائل كاشفة بالكامل حيال دورها ومسؤلياتها في منع أي تهديد لدولة تشترك معها بحدود تبلغ 600 كلم.

– الزيارة المؤجلة
ما سبق، وغيره كثير، يمكن إدراجه عندما يجري الحديث عن المخاوف والتهديدات الأمنية، وعندما يكون للعراق نظرة أحادية الجانب تجاهها. أما مسألة تحديد موعد جديد لزيارة الشيباني، فهذا الأمر مفتوح على احتمالي أن يكون قريباً وبعيداً تبعاً لما يستجد خلال المرحلة المقبلة، ما قبل استضافة العراق القمة العربية الدورية في شهر أيار المقبل.

سوريا منفتحة على جميع العالم لكن يحق لها أن تكون حذرة جداً تجاه دول لم تعطِ رسائل كاشفة بالكامل حيال دورها في منع أي تهديد لسوريا

بقي أن نقول إن بقاء مسألة تأجيل زيارة الشيباني، في دائرة الضوء، قد يعود لربطها بمسألة زيارة محتملة للرئيس أحمد الشرع، لحضور القمة العربية الدورية بعد إعلان العراق أنه تم توجيه دعوة لسوريا لحضور القمة. وكان يتم التداول على نطاق واسع أن زيارة الشيباني هي تمهيد لها، علماً أن سوريا لم تعلن رسمياً أي موقف فيما يخص ذلك.

Leave a Comment
آخر الأخبار