الحرية ـ بشرى سمير:
كثيرة هي المواقع والمنصات التي تروّج للسياحة في سوريا من خلال نشر الصور ومقاطع الفيديو لأجمل المناطق السياحية والأثرية في مختلق المحافظات، هذا الترويج الإلكتروني يعرف بالسياحة الإلكترونية، لكن هذا النوع من السياحة يقف عند مفترق طرق، فهناك منصات كثيرة تروي قصة بلد يجمع بين جمال أخاذ وتاريخ عريق وطبيعة خلّابة وشعب ودود يحب الحياة.
بالمقابل هناك منصات إلكترونية تبرز التحديات التي تواجه السياحة في سوريا والتي أوجزها لـ”الحرية”، الخبير السياحي وصانع المحتوى السياحي محمد الدقر، بوجود بنية تحتية رقمية متعثرة تضع عوائق حقيقية أمام تنفيذ السياحة الإلكترونية، رغم أن التحول الرقمي يمكن أن يلعب دوراً محورياً في تحسين الخدمات والتسويق.
ضعف التسويق الرقمي
ويرى الدقر أنه يمكن للسياحة الإلكترونية أن تسهم في معالجة الكثير من التحديات التي تواجه السياحة في سوريا، ومنها تدهور البنية التحتية والمنشآت السياحية، وتحسين الكفاءة وتقديم الخدمات رقمياً لتخفيف العبء على البنية التحتية والصورة السلبية والتسويق الرقمي العالمي وإبراز المقومات الحقيقية عبر منصات عالمية.
إضافة إلى القيود المالية وعقوبات الدفع الإلكتروني بناء أنظمة دفع محلية مبسطة لتسهيل المعاملات المالية للسياح، وأشار الدقر إلى ضعف التسويق الرقمي للمقومات السياحية من استخدام الأنظمة الناصحة ومواقع التواصل لتقديم معلومات دقيقة وجذابة.
ولم ينكر الدقر أن هناك عزلة للقطاع السياحي عن التقنيات الحديثة توحيد البنية السياحية الرقمية وربط المنشآت الخدمية
التحوّل الرقمي
وأكد الدقر أن هناك جهوداً تبذل على مستويات مختلفة لدفع التحول الرقمي في القطاع السياحي السوري، وقد وقَّعت وزارة السياحة اتفاقية مع الشركة السورية للاتصالات لربط منظومتها الخدمية بمنظومة الخدمات الحكومية الإلكترونية، بهدف تسهيل الإجراءات وتوفير الوقت والجهد، كما تم تقديم مشاريع ريادية ومبادرات مثل مشروع “سيران” الذي يهدف إلى إنشاء منصة رقمية وطنية سياحية متكاملة، وقد حظي بدعم من وزارة السياحة ضمن استراتيجياتهما التحول الرقمي.
استراتيجيات
وأكد الدقر أنه لتحقيق الاستفادة القصوى من السياحة الإلكترونية في سوريا، يمكن اتباع عدة استراتيجيات منها الاستفادة من الكفاءات المحلية والخبرات السورية في مجالي المعلوماتية والسياحة موجودة، والمطلوب هو المبادرة والتخطيط الجيد لإنشاء أنظمة سياحية إلكترونية فاعلة.
اعتماد الدراسات
إضافة إلى تحسين مضمون الإعلان الرقمي وضرورة تبني المصداقية وتحديث المعلومات باستمرار في الإعلانات السياحية الإلكترونية، والاعتماد على دراسات متخصصة لفهم الشرائح المستهدفة، وبناء أنظمة ناصحة متطورة، والأنظمة الناصحة تُعد بمنزلة موظف ذكي يساعد السائح في اختيار الخدمة المناسبة له بأسرع وقت وأقل جهد، ما يحسن تجربة السياحة بشكل كبير.
ولفت الدقر إلى ضرورة قيام وزارة السياحة بإعداد دورات متخصصة في مجال الإعلانات عامة والسياحية خاصة.
المؤثرون وصنّاع المحتوى
من جانبها مرام محمود، مؤثرة وصانعة محتوى، لفتت إلى مساهمة المؤثرين في مجال السياحة الإلكترونية في سوريا بشكل ملحوظ، حيث لعب هؤلاء دوراً محورياً في تغيير الصورة النمطية عن البلاد وجذب السياح عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وأضافت محمود: برز دور “المؤثرين” على وسائل التواصل الاجتماعي كأداة استراتيجية للحكومة والقطاع الخاص على حد سواء، في محاولة لإعادة تصدير الصورة الجديدة للبلاد وجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، وتحول هؤلاء المؤثرين من مجرد ناشطين على وسائل التواصل إلى أدوات فعالة في تشكيل الرأي العام وتوجيه الخريطة السياحية، ما يجعل دراسة دورهم ومدى فعاليتهم أمراً بالغ الأهمية لفهم تحولات المشهد الإعلامي والاقتصادي في سوريا اليوم.
آليات عمل المؤثرين
من جانبه المهندس سليم حجيح، خبير في التواصل الإلكتروني والترويج السياحي، أشار إلى أن آليات عمل المؤثرين في دعم السياحة الإلكترونية تنطلق من الترويج المباشر للوجهات السياحية، إذ يقوم المؤثرون بنشر محتوى بصري جذاب عن المواقع الأثرية والمعالم التاريخية السورية، مثل تدمر وقلعة الحصن والتكية السليمانية في دمشق، والتي تمتلك قيمة تراثية عالية، من خلال مقاطع الفيديو والصور المصورة باحترافية، يستطيع المؤثرون إبراز الجمال المعماري والطبيعي لهذه المواقع، ما يحفز فضاء المتابعين ويدفعهم لتخطيط زيارات فعلية.
كما يسهم المؤثرون في صناعة رواية بديلة عن سوريا، تختلف عن تلك السائدة في وسائل الإعلام التقليدية خلال سنوات الحرب.
فهم لا يظهرون فقط المعالم السياحية، بل ينقلون جوانب من الحياة اليومية والعادات الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية، مقدّمين صورة عن “سوريا الطبيعية” التي تعود تدريجياً إلى حياتها الاعتيادية، وهو ما يعمل على تطبيع صورة البلاد كوجهة سياحية آمنة ومستعدة لاستقبال الزوار.
مخاطبة الشباب
ولفت إلى أن المؤثرين يتمتعون بقدرة فريدة على الوصول إلى شريحة الشباب وجماهير الشتات السوري في الخارج، عبر منصات مثل إنستغرام وتيك توك، وتعد هذه الفئات الأكثر استخداماً للإنترنت والأكثر استعداداً للسفر والاستكشاف، باستخدام لغة عفوية وأساليب إبداعية، يستطيع المؤثرون مخاطبة هذه الجماهير بطريقة تؤثر في خياراتها السياحية بشكل مباشر.
نجاحات ملموسة وتأثير إيجابي
وعن مؤشرات الانتعاش السياحي، أشار حجيج إلى أنه بدأت جهود المؤثرين تؤتي ثمارها، حيث سجلت سوريا نمواً ملحوظاً في أعداد القادمين من السياح العرب والأجانب، وعلى الرغم من صعوبة عزل تأثير المؤثرين عن العوامل السياسية والاقتصادية الأخرى، إلا أن الدور الترويجي الذي لعبوه أسهم بلا شك في تحسين صورة الوجهة وتشجيع السياحة. هذا التحول في الصورة الذهنية يعد أساسياً لجذب الاستثمارات السياحية واستعادة الثقة الدولية بالبلد كوجهة آمنة.
كما مكّنت وسائل التواصل الاجتماعي المؤثرين من تخطي الحدود الجغرافية والوصول إلى جماهير عالمية قد لا تصل إليها الحملات الإعلامية التقليدية بسبب التكلفة العالية أو الحواجز اللغوية والثقافية والمحتوى السياحي المرئي يعبّر هذه الحواجز بسهولة، حيث تنتقل الصورة ومشاهد الفيديو رسالة واضحة من دون حاجة للترجمة المعقدة، وأضاف: لا يقتصر تأثير المؤثرين في جذب السياح فحسب.
جمال سوريا وعاداتها
ويمتد إلى تعزيز الاقتصاديات المحلية من خلال تسليط الضوء على الحرف التقليدية والمطاعم والأسواق الشعبية هذا الدعم يسهم في خلق فرص عمل للشباب السوري وتنويع مصادر الدخل للمجتمعات المحلية، ما يعزز من استدامة القطاع السياحي.
وختم بالقول: السياحة الإلكترونية ليست رفاهية، بل أصبحت ضرورة لإنعاش القطاع السياحي في سوريا، على الرغم من أن تنفيذها لن ينقذ القطاع بمفرده نظراً لوجود تحديات هيكلية كبرى إلا أنها تشكل دعماً أساسياً وقوة دافعة لتطوير الخدمات السياحية، وتحسين الصورة الذهنية وجذب السياح في عصر الرقمنة
مع عودة الاستقرار التدريجي، وفتح الأبواب أمام الزوار، أصبحت السياحة الإلكترونية وسيلة حيوية للترويج لكنوز البلاد، حيث تجمع سوريا بين التاريخ العميق والثقافة الغنية والطبيعة المتنوعة، ما يجعلها وجهة فريدة لعشاق السياحة الثقافية والدينية والتراثية.