متابعة- يسرى المصري:
تتداخل القضايا السياسية والاقتصادية في مشهد شديد التعقيد على المستويات العالمية ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وبينما يتفاءل التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي بارتفاع نسبة النمو في المنطقة العربية مع تخفيف حدة الصراعات السياسية يُبدي بعض التوجس والحذر من مخاطر الصراعات في المنطقة .
قال صندوق النقد الدولي، الذي رفع توقعاته لنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2025 الأسبوع الماضي: إن المخاطر التي تواجه المنطقة لا تزال تميل إلى الجانب السلبي، على الرغم من التحسن الأخير في التوترات الجيوسياسية.
وأوضح أن مسار تعافي الدول العربية من تبعات الصراعات السياسية والاضطرابات، يتطلب دعماً دولياً شاملاً لا يقتصر على التمويل، بل يشمل تخفيف الديون، وبناء المؤسسات، والمساعدات الفنية، وذلك ضمن تقرير «آفاق الاقتصاد الإقليمي» لمنطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا، الصادر يوم الثلاثاء.
وتمثل إعادة هيكلة الديون ركيزة محورية لتمكين الاقتصادات المتعافية من تحقيق نمو مستدام، على أن يتم تنفيذها بفعالية وبالتوازي مع إصلاحات هيكلية مدروسة، تتيح استقرار الاقتصاد وتعزيز ثقة المستثمرين، وفق الصندوق.
إلا أن عملية التعافي من النزاعات في المنطقة تعد «صعبة وبطيئة»، بسبب حدة الصراعات وطول مدّتها، إلى جانب ضعف فترات الاستقرار، وهو ما يفاقم من حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، بحسب المؤسسة الدولية التي شددت على ضرورة تركيز الحكومات على التنسيق الجيد للمساعدات الدولية، مع وضع أولويات للاستقرار الاقتصادي والحوكمة، بما يسهم في خفض التقلبات ودعم الاستهلاك والاستثمار.
وخلال الأسبوع الماضي، رفع الصندوق توقعاته لنمو المنطقة خلال العامين الحالي والمقبل، حيث توقع نمواً في 2025 بنسبة 3.3 في المئة بينما كانت تقديراته في شهر يوليو (تموز) الماضي عند 3.2 في المئة. أما بالنسبة لعام 2026 فيرى الصندوق أن نمو المنطقة سيتسارع إلى 3.7 في المئة، بينما كانت توقعاته خلال يوليو عند 3.4 في المئة فقط.

التعاون بين سوريا وصندوق النقد الدولي يركز على المساعدة الفنية والخبرة
دول مجلس التعاون الخليجي
رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصادات دول الخليج خلال عامي 2025 و2026، مدفوعاً بتعافي إنتاج النفط والزخم المتواصل في القطاعات الاقتصادية غير النفطية، في ظل الطلب المحلي القوي الناتج عن برامج التنويع الاقتصادي، التي تتبناها دول المنطقة.
ويتوقع الصندوق أن تحقق اقتصادات الخليج توسعاً بنسبة 3.9 في المئة في 2025، بزيادة 0.9 نقطة مئوية عن تقديراته السابقة الصادرة في مايو (أيار) الماضي. كما يُرجّح أن يرتفع النمو إلى 4.3 في المئة في 2026، بزيادة 0.2 نقطة مئوية.
لم تقتصر المراجعة الإيجابية على القطاعات النفطية، إذ رفع الصندوق توقعاته لنمو الناتج المحلي غير النفطي إلى 3.8 في المئة في 2025 مقارنة بـ3.4 في المئة في تقديرات مايو، على أن يرتفع إلى 3.6 في المئة في 2026. ويعكس هذا الارتفاع النشاط المتسارع في قطاعات الصناعة، الخدمات، السياحة، والبنية التحتية، ضمن خطط التنويع الاقتصادي الجارية في عدد من دول الخليج.
كما أشار التقرير إلى أن النمو الاقتصادي خلال النصف الأول من 2025 ظل «قوياً»، مدعوماً بالطلب المحلي المتين وجهود تنويع الاقتصادات إلى جانب انتعاش إنتاج المواد الهيدروكربونية.
توقع الصندوق أن يتسارع النمو في المنطقة إلى 4.1 في المئة خلال الفترة بين 2026 و2027، قبل أن يعتدل إلى 3.4 في المئة نتيجة تراجع إنتاج النفط. ومع ذلك، يُرجَّح أن يحافظ القطاع غير النفطي على وتيرة نمو قوية.
رغم النظرة الإيجابية، يرى الصندوق أن فوائض الحساب الجاري لدول الخليج ستتراجع على المدى المتوسط، من 7.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 إلى 4.9 في المئة في 2025، و4.3 في المئة في 2026، وصولاً إلى نحو 3.7 في المئة بحلول 2030. ويُعزى ذلك إلى انخفاض عوائد تصدير النفط وارتفاع الواردات المرتبطة ببرامج التنويع الاقتصادي.
كما حذر التقرير من مؤشرات على ارتفاع سريع في أسعار العقارات ببعض دول الخليج، مدفوعاً بنمو الائتمان وارتفاع التقييمات السوقية، وهو ما قد يشكّل مصدر قلق محتملاً.
العلاقة بين صندوق النقد الدولي وسوريا
وفيما يتعلق بطبيعة العلاقة الحالية بين صندوق النقد الدولي وسوريا شهدت العلاقة بين صندوق النقد الدولي وسوريا تطورات ملحوظة في عام 2025، تمثلت في عودة الحوار الرسمي بعد انقطاع طويل، وتركيز التعاون الحالي على تقديم الدعم الفني وبناء القدرات للمؤسسات الاقتصادية السورية.
مجال التعاون
وتضمنت مجالات التعاون الدعم الفني وبناء القدرات وإصلاح السياسات المالية والنقدية، أضف إلى تعزيز الإدارة الضريبية والجمركية، وإعادة تأهيل الجهاز المصرفي.
كما يشمل التعاون السياسة المالية العامة وإعداد الموازنة، وأيضاً تحسين تعبئة الإيرادات، وتعزيز الشفافية في إدارة الدين العام.
وفي مجال السياسة النقدية والاستقرار المالي تم التفاهم على تعزيز استقلالية البنك المركزي، واستقرار العملة، وتحديث أنظمة المدفوعات.
وشملت المناقشات دعم القطاع الخاص وجمع البيانات لإزالة العقبات أمام القطاع الخاص، وتحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز جمع ونشر البيانات الاقتصادية.
كما يبدو فإن التعاون الحالي بين سوريا وصندوق النقد الدولي لا يتعلق ببرنامج تمويل أو قروض، بل يركز على المساعدة الفنية والخبرة.
وكذلك الدعم الفني قبل التمويل، حيث أكدت سوريا أن احتياجها الحالي هو “الخبرة ونقل المعرفة وبناء القدرات” وليس الأموال بشكل عاجل. وقد شرعت في تنفيذ بعض الإصلاحات ذاتياً دون انتظار البعثات الدولية.
وتم العمل على خريطة طريق مستقبلية، حيث يعمل خبراء الصندوق على إعداد خريطة طريق مفصلة لتحديد أولويات السياسات وبناء قدرات المؤسسات الاقتصادية الرئيسية، مثل وزارة المالية والمصرف المركزي.
وأضف إلى ذلك تعاون إقليمي ودولي، فإلى جانب صندوق النقد الدولي، تسعى سوريا إلى تعزيز شراكاتها مع مؤسسات أخرى، كما ظهر من خلال انضمامها إلى منصة المدفوعات الإقليمية “بُنى” التابعة للصندوق العربي ومباحثاتها مع شركات دولية مثل “فيزا”.