عندما تعترف الدولة بأخطائها..

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية يسرى المصري:

ارتكبت الكثير من الأخطاء .. لم تصدح حنجرة بالبوح كان يسود الصمت وكأنه قرار بقطع أوتار الضمير من القلب ..الكل يخطئ لكن القليل فقط من يعمل على إصلاح الأخطاء .. وقلة من بعترفون بها ..كل هذه الأفكار كانت تتبادر إلى ذهني وأنا أتابع منشورات وزارة الداخلية  وردود فعلها على ما يتم تداوله من مقاطع الفيديو المؤلمة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أُشير إلى أنها صُوّرت في وقت سابق داخل المشفى الوطني في السويداء.
وزارة الداخلية لم تكتف بالاعتراف بالخطأ  وأدانت هذا الفعل وأكدت على محاسبة الفاعلين وتحويلهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، بغض النظر عن انتماءاتهم… ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها الحكومة بشفافية وصدق عن الأخطاء .. فقبلها تحرت الأخطاء التي حدثت في الساحل وتم الاعتراف بها واتخاذ إجراءات وتكليف لجنة لتقصي الحقائق ومحاسبة الفاعلين والعالم كله شهد نتائج التقرير وتجريم الفاعلين ومحاسبتهم ..فهل هذا ما تعودناه ؟؟؟
كان لا بد من العودة لصفحات التاريخ ..وجدت في التراث العربي، تم تناول ظاهرة الاعتراف بالخطأ بعدة طرق، تختلف باختلاف العصر والثقافة والسياق الاجتماعي، سواء من خلال الاعتراف الشخصي، أو النقد الاجتماعي، أو التوبة الدينية.
كان العربي في العصر الجاهلي يُقدَّس لدوره كحامٍ لشرف القبيلة، لذا نادرًا ما يظهر الاعتراف المباشر بالخطأ، إلا في سياقات محددة:
في العصر الأموي والعباسي  ظهر الاعتراف بالذنوب واعلان التوبة، وجسَّد الصوفيون الاعتراف بالخطيئة كطريق للتقرب إلى الله، مثل ابن الفارض والحلاج، حيث يتحول الخطأ إلى درس روحي:
> “مَا لِي سِوَى خَطِيئَاتٍ فَاقْبَلْهَا  وَاغْفِرْ فَأَنْتَ بِحَالِ الضُّعْفِ أَعْلَمُ”
في العصر الحديث على الصعيد الشخصي ظهر الاعتراف بالضعف الإنساني: مثل قصيدة “أنا” لنزار قباني، حيث يعترف بضعفه:
> “أَنَا الْإِنْسَانُ، ضَعْفِي كُلُّ قُوَّتِي  وَخَطَايَايَ هِيَ الْمَجْدُ الْمُؤَبَّدُ”
وظهر النقد الذاتي والاجتماعي: عند محمود درويش في “اعترافات”، يعترف بمسؤولية الفرد تجاه التاريخ:
> “أَعْتَرِفُ بِكُلِّ الْأَخْطَاءِ  إِلَّا خَطِيئَةَ الْوُرُودِ”
وقد تطور تناول الاعتراف بالخطأ في المجتمع العربي من الندم الفردي إلى النقد الجمعي، مُعبِّرًا عن تحولات الوعي الإنساني. فبينما كان الجاهلي يخشى العار، والصوفي يرى الخطأ وسيلة للاتحاد مع الله، أصبح المعاصر يعترف بخطئه كحق إنساني.
وعلى ما يبدو ينعكس ذلك على المجتمع بعدة طرق، بعضها إيجابي ، لكن في المجمل يُعتبر الاعتراف بالخطأ خطوة نحو التحسين وتعزيز الثقة.
لكن ماذا عن اعتراف الدولة بالخطأ وهل يعزز الثقة بين الدولة والمجتمع؟.
بعد العودة الى المراجع والأصول .. يرى مواطنون أن الحكومة عندما تعترف بالخطأ تكون شفافة وصادقة، مما يزيد من مصداقيتها ويُقلل من نظريات المؤامرة والشكوك حول نوايا الدولة.
كما يشعر الناس بأن آراءهم مسموعة، مما يشجعهم على المشاركة في صنع القرار.  وأضف الى ذلك أنه يزيد من مساءلة الحكومة، حيث يصبح الاعتراف بالخطأ خطوة نحو تحسين السياسات.
وباعتراف الكثيرين هذه المبادرة من الحكومة بادرة جديدة والاعتراف بالأخطاء يُظهر أن الحكومة ليست معصومة، مما يخفف من حدة الجدال بين المؤيدين وغيرهم.
ومن جهتي أوافق أن الاعتراف بالخطأ يُعزز ثقافة “التعلم ” بدلًا من إلقاء اللوم على الآخرين.
وكما رأينا وسمعنا ..إذا صاحب الاعتراف اعتذار وتعويض للمتضررين، يشعر المجتمع بأن العدالة تحققت. ويُرسل رسالة بأن الأخطاء لن تُتجاهل، مما يحد من التكرار.
وحسب التصريحات الرسمية الاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى للإصلاح، مما يدفع إلى مراجعة السياسات وتحسينها.
ويُشجع الموظفين العموميين على تحمل المسؤولية بدلًا من التستر على الأخطاء.
بالمقابل قد يستغل البعض الاعترافات لتشويه الصورة وانكار ما يُرافقها  من إصلاح حقيقي.
وما نود قوله الاعتراف بالخطأ يُعتبر علامة نضج مؤسسي ومجتمعي وسياسي ، ويُساهم في بناء مجتمع أكثر انفتاحًا ومساءلة. ويمنح المجتمع التأثير الإيجابي  لاسيما أنه يترافق في سوريا مع خطوات ملموسة للإصلاح والتصحيح، وليس مجرد كلمات اعتذارية.

Leave a Comment
آخر الأخبار