الحرية – نهلة أبو تك:
بعد توقف استمر ثمانية أشهر، عادت مديريات المالية والدوائر العقارية في سوريا إلى تسجيل معاملات نقل الملكية العقارية رسميًا، وسط إجراءات جديدة وتحسينات إدارية وضريبية وصفت بأنها تحول نوعي في عمل هذا القطاع الحيوي.
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان وزارة المالية عن استئناف منح براءات الذمة المالية، بالتزامن مع سلسلة من التعديلات التي تهدف إلى تبسيط الإجراءات، وتخفيف الأعباء عن المواطنين، وتحقيق شفافية أكبر في سوق العقارات.
تحسينات إجرائية وضريبية..
بحسب ما ورد في التوضيحات الصادرة عن وزارة المالية، جاء استئناف تسجيل الملكيات العقارية بعد تجاوز مجموعة من التحديات التقنية والقانونية، وترافق مع حزمة من التحسينات المؤقتة في إطار القانون الحالي، أبرزها: خفض القيمة الرائجة بنسبة 30% عند احتساب الضريبة، بهدف تخفيف العبء المالي، إلغاء شرط الموافقة الأمنية التي كانت تستغرق وقتًا طويلاً، واستبدالها بآلية فورية، وإلغاء شرط الإيداع البنكي الإلزامي، مع ضمان إمكانية سحب الإيداعات الجديدة كاملة وفق تعليمات مصرف سورية المركزي، كذلك اعتماد القيمة المصرح بها في عقد البيع كأساس لحساب الضريبة، بما يعزز الشفافية، والإبقاء على حق الاعتراض على التقديرات الضريبية، هذا إضافة إلى الإشارة إلى أن قانونًا جديدًا لضريبة البيوع العقارية قيد الإعداد، ويهدف إلى ترسيخ العدالة وتحسين المناخ التشريعي.
انعكاسات اقتصادية ومالية..
توقف تسجيل الملكيات خلال الفترة الماضية انعكس بشكل واضح على الإيرادات العامة، حيث شكّل تعطيل تحصيل الضرائب والرسوم العقارية فجوة في الموارد المحلية، ومع استئناف العمل، يُتوقّع أن تستعيد الخزينة العامة جزءًا من توازنها عبر تنشيط حركة البيع والشراء وتدوير الأموال داخل السوق العقارية.
يقول الخبير الاقتصادي د.إيهاب اسمندر: إن القرار يحمل أهمية خاصة في هذه المرحلة، إذ إن عودة التسجيل تعني إحياء دورة عقارية كاملة، تشمل الإيرادات، والاستثمار، والضمانات البنكية، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تظل بحاجة إلى بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا لتحقيق أثر مستدام.
ويؤكد في تصريحه لـ”الحرية”، أن الضريبة الجديدة على البيوع العقارية تتسم بعدالة نسبية مقارنة بالنظام السابق، لكنها لا تكفي وحدها، فنحن بحاجة إلى إجراءات موازية، كتحفيز التمويل العقاري، وتوفير مناطق مخصصة للتطوير، ومكافحة الفساد الإداري، لتفعيل مناخ الثقة في السوق المحلية والأجنبية.
أبعاد قانونية وتنظيمية..
من الناحية القانونية، يسهم استئناف تسجيل الملكيات في تقليص النزاعات التي كانت تحصل نتيجة البيع خارج الأطر الرسمية. فغياب التوثيق القانوني كان يعرض الأطراف لمخاطر الاحتيال أو التضارب على الملكية، لاسيما في حالات الوراثة أو بيع العقار لأكثر من جهة.
كما أن إلغاء الإجراء المتعلق بإيداع نسبة 50% من قيمة العقار في أحد البنوك، يُعد من أبرز التحسينات، نظرًا للصعوبات التي كان يواجهها المواطنون في سحب أموالهم، ويشكّل هذا التعديل مرونة إضافية في التعاملات العقارية.
نحو إعادة إعمار مدروسة..
تكتسب هذه الخطوة، وفقاً لـ”اسمندر” أهمية خاصة في ظل دخول سوريا مرحلة إعادة الإعمار، حيث يُعدّ توثيق الملكيات العقارية ركيزة أساسية لبدء أي مشروع تطويري أو استثماري في المناطق المتضررة. فامتلاك صك ملكية معترف به رسميًا يتيح للمواطن أو الشركة استخدام العقار كضمان للحصول على تمويل، أو الدخول في شراكات، أو بيع الأصل بثقة قانونية.
المطلوب الاستمرار..
عودة تسجيل الملكيات العقارية خطوة مهمة تعيد الروح إلى سوق كان يعاني من التجميد والتعقيد، لكن الخبراء يجمعون على أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، لن تؤتي ثمارها كاملة ما لم تترافق مع إصلاحات اقتصادية وتشريعية متواصلة، تضمن استقرار السوق وحقوق المواطنين والمستثمرين على حد سواء.