غوته.. شاعر ألمانيا العظيم الذي عشق لغة الضاد وقرآنها الكريم

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق
الحرية: أحمد بوبس
شاعر ألمانيا الكبير يوهان غوته أحب الشعر العربي إلى درجة العشق. بل أحب الشرق كله بروحانيته وأمنه. وعبر عن ذلك في العديد من قصائده، منها قصيدة (هجرة) التي كانت القصيدة الأولى في ديوانه (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي)، وبالتحديد في القسم الأول من الديوان الذي حمل عنوان (كتاب المغنى). يقول مطلع القصيدة :
الشمال والغرب والجنوب تتحطم وتتناثر
والعروش تُشَلُّ والممالك تتزعزع وتضطرب
فلتهاجر إذن إلى الشرق الطاهر الصافي
كي تستروح جَوَّ الهُداة والمُرْسَلين
إلى هناك حيث الطهر والحق والصفاء
 ولكن كيف بدأت محبة غوتّه للشعر العربي؟.. بدأت معرفة غوتّه بالشعر العربي من خلال الترجمات، فقرأ شعر المتنبي من خلال ترجمة المستشرق الألماني يوهان رايسكه لبعض قصائد المتنبي، وقرأ (شرح المعلقات السبع) التي ترجمها إلى الإنكليزية المستشرق البريطاني وليم جونز. لكن ذلك لم يرْوِ غليله، فقام بتعلم اللغة العربية فأجادها، وساعدته لغة الضاد على الاطلاع على الشعر العربي دون وسيط في العصرين الأموي والعباسي…
غوته تأثر في العديد من القصائد العربية، فضَمَّنَ قصائده العديد منها، وكمثال على ذلك أتوقف عند معلقة امرئ القيس، التي يقول فيها :
قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
                              بسقطِ اللِوى بين الدخولِ فحوملِ
فتوضِحَ فالمقراةِ لم يَعْفُ رسمُها
                            لما نســجتها  من  جـنوبٍ وشــمألِ
وقوفاً بها صحبي عليَّ مطيُّهم
                                    يقولون لا تهلكْ أسىً وتجملِ
معنى هذه الأبيات الثلاثة ضمنهما غوتّه في قصيدة له تقول :
قفا وخلِّنا نبكي هنا في مكان الذكرى
هناك كانت خيمتها على حافة الكثيب الرملي المتمايل
وما زالت الآثار قائمة لم تختفِ
وإن جعلت ريح الشمال وريح الجنوب
تنثر الرمال هنا وهناك
وبجانبي وقف الرفاق صامتين
وقالوا لا تهلك من الأسى وتجمَّل
تأثر غوتّه بامرئ القيس واضح تماماً، فكما فعل شاعرنا الجاهلي، فإن غوتّه بكى واستبكى ووقف على الأطلال. والأمثلة على ذلك التأثر كثيرة، ولكن المجال لا يتسع لإيرادها جميعها.
ولغوته قصائد كثيرة ضمَّنها معاني لقصائد للمتنبي وزهير بن أبي سلمى وطرفة بن العبد وغيرهم.
  وكما تأثر غوتّه بالشعر العربي، تأثر أيضاً بالقرآن الكريم، الذي قرأه أولاً مترجماً، ثم قرأه بلغته العربية، فأعجب ببلاغته، وضمن العديد من قصائده معاني بعض السور القرآنية.
وكمثال على هذا الإعجاب وذاك التأثر، نورد المقطع التالي من قصيدته (أهل الكهف) التي تضمنها ديوان غوته الآنف الذكر، في القسم الثاني عشر الذي حمل عنوان (الخلد):
أما الأمير الذي فرّوا من وجهه
وبحجارة وجير سدّ عليهم باب الكهف
لكنهم ينامون باستمرار
والمَلَك الذي يرعاهم
يقول في تقريره أمام عرش الله
لقد قلبتهم ذات اليمين وذات الشمال
حتى لا تُضَار أعضاؤهم الرقيقة
والكلب الصغير مستنداً إلى قدميه الأماميتين
وتمر الأعوام وتأتي السنون
وأخيراً يستيقظ الفتية….
 أليس هو المعنى نفسه الذي تقوله الآيات الكريمة من سورة الكهف :
(وَتَحسَبُهُم أَيقَاظاً وَهُم رُقُود وَنُقَلِّبُهُم ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلبُهُم بَٰاسِط ذِرَاعَيهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرَاراً وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعباً)..
والأمثلة أيضاً كثيرة عن تأثر غوته بآيات القرآن الكريم.
وكان غوته معجباً بالرسول محمد أيما إعجاب. ولشدة إعجابه به، بدأ بكتابة مسرحية حملت عنوان (نشيد محمد)، فكتب الفصل الأول، لكنه رحل قبل أن يكملها. ونظم أيضاً في الرسول قصيدة (ترتيلة محمد)، ومما يقوله فيها :
انظروا إلى نبـع الصخور
لمّـاعاً من الابتهاج
كَـوَمضـاتِ النجـوم!
ومن فـوق الغـيوم
ملائكـة أخيـار
تغـذي عنـفوانـه
بين الصّـخور في الأدغـال.
بحيـويّـة فتى يافـع
يَـثِـبُ بخِـفّةٍ خارجَ الغيـمة
وعلى الصّخور المرمر في الأسفل.
Leave a Comment
آخر الأخبار