الحرية- هبا علي أحمد:
يحظى موضوع رفع العقوبات أو تخفيفها وتجميدها لمدد زمنية محددة بأهمية واسعة داخلياً وخارجياً، إذ يحظى الموضوع باهتمام الباحثين والاختصاصيين في الاقتصاد والسياسة والقانون والمجتمع وعموم الشعب السوري على حدٍّ سواء، و لا يقتصر على أهميته الاقتصادية، بل يمتد ليشمل الجوانب السياسية والاجتماعية ومجال الحوكمة، ولاسيما عند الانتقال إلى الرفع الكامل والنهائي للعقوبات مستقبلاً، لكننا بالتأكيد أمام فرصة غاية في الأهمية ولابد من استغلالها في عملية النهوض الاقتصادي.
وبقدر أهمية الموضوع وانعكاسه على معيشة المواطن السوري إن تمّ استثمار فترة تعليق الاتحاد الأوروبي للعقوبات على قطاعات عدة لمدة سنة، وقبلها بأسبوعيين الإجازة الأمريكية بتخفيف العقوبات لمدة ٦ أشهر، بقدر هذه الأهمية، فإن الأهمية الأخرى للموضوع باعتباره اختباراً حقيقياً للغرب عموماً الذي ينادي ليلاً نهاراً بضرورة مساعدة الشعب السوري، وعليه فإن النجاح في الاختبار إن أمكن القول يتحقق بالرفع الكامل للعقوبات.
فرصة مهمة
رغم أن هامش الحركة لازال ضيقاً أمام صناع القرار في سوريا، بعد تعليق العقوبات الأوروبية وقبلها الإجازة الأمريكية، مرحلياً أو جزئياً بالمعنى الجغرافي لقطاعات معينة، كما يرى الأكاديمي والاقتصادي والمستشار الدكتور زياد عربش، في تصريح لصحيفة “الحرّية” فإن هذه الفرصة تاريخية ومهمة للاقتصاد السوري من حيث تخفيف الضغط على قطاعات الإنتاج، خاصة البنية التحتية في مجال إنتاج الكهرباء والسلع الأساسية، فهناك العديد من المكونات والتجهيزات الرأسمالية والسلع الأساسية وخطوط الإنتاج ذات حجم تمويل صغير تواجه جملة من التحدّيات، وبالتالي رفع العقوبات، بما فيها التحويلات المالية والتأمين والشحن والتحويل الخارجي من المغتربيين السوريين والعرب أو المستثمرين الأجانب، سيزيد من هامش الحركة، ما يتيح السير في طريق النهوض بالاقتصاد السوري.
وأشار عربش إلى أن عدم استغلال هذه الفرصة يعني إعادة تجديد العقوبات وعدم تمديد فترة السماح إن كان أوروبياً أو أمريكياً، بل من الممكن إضافة عقوبات أو تقييد عملية التحويل المالي من الخارج إلى الداخل، خاصة ما يتعلق بقطاع المال والتأمين الضروري لتحقيق نهضة اقتصادية.
وأضاف: أهمية استمرار رفع العقوبات يعني تخفيض المزيد من التكاليف على الصناعيين وانسياب المواد والبضائع والسلع إلى السوق السورية من الخارج والتصدير أيضاً، لذلك لابد من استغلال الفرصة واستغلالها بالشكل الإيجابي والشفاف بحوكمة اقتصادية رشيدة بعيداً عن القرارات المرتجلة مع مفهوم الاستدامة للتأسيس للمستقبل القريب وليس الاكتفاء بالحلول الآنية أو الإسعافية والمستعجلة، وذلك يتطلب تحرير العديد من القيود على الاستثمار والتمويل ومراكمة الإنجازات الإيجابية بما يُفضي في النهاية إلى الرفع الكامل للعقوبات.
عملية متكاملة الأبعاد
عملية رفع العقوبات ليست شأناً اقتصادياً، بل أيضاً تشمل أبعاداً سياسية واجتماعية وحوكمية، كما يوضح عربش، من منطلق أنها عملية للنهوض بطاقات المجتمع إن كانت موارد بشرية أو مالية وتفعيل طاقات الاقتصاد السوري التي كانت مغيبة سابقاً تبعاً للطريقة المكبلة التي كان يعمل بها الاقتصاد، فتكاليف الإنتاج كانت تزيد عن السعر المعمول به أو العالمي نتيجة اللجوء إلى أساليب التحايل لتجاوز العقوبات وفرض الإتاوات على البضائع التي تدخل إلى سوريا، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن الانخفاض الذي شهدناه مؤخراً في أسعار السلع والبضائع لا بد أن يستمر أو على الأقل المحافظة على المستوى المنخفض من الأسعار ليتمكن المواطن السوري من تأمين ولو جزء من كلفة المعيشة.
إعادة بناء الدولة
في حين يرى أستاذ العلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق ، الدكتور منير السعد، أن الإدارة السياسية الجديدة في سوريا تواجه تحدّيات كبيرة في الملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتحاول التخلص من إرث العقوبات، والتي ساهمت في عزل الاقتصاد السوري وأدت الى تفاقم الأزمات الاقتصادية، ما انعكس سلباً على واقع الخدمات اليومية ولا سيما في القطاعات الحيوية كقطاع الطاقة والمصارف والاستثمار والخدمات الأخرى.
من هنا فقد ركزت الإدارة السورية الجديدة على مجموعة أهداف في سياستها الخارجية وأهمها كسر العزلة، من خلال العمل على إلغاء العقوبات الدولية بالكامل والذي يُساعد في إعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة انطلاقاً من تصفير المشاكل والعودة إلى مسارها السياسي العربي والدولي بعيداً عن صراع المحاور وتأسيس علاقات التعاون والشراكة على أسس المصالح المتبادلة، وهذا ما يُحسب للسياسة الخارجية السورية الجديدة التي تتصرف بكل براغماتية لكسب الدعم والتأييد العربي والغربي في نفس الوقت، مع إرسال التطمينات وتغليب المصالح الوطنية فوق كل الاعتبارات، وفقاً للدكتور السعد.
ولعل الإنجاز الأكبر في هذا المجال هو قرار الاتحاد الأوروبي في 27 من الشهر الفائت المتعلق برفع أو تعليق بعض العقوبات، وذلك في إطار تحرك أوروبي واسع يهدف إلى المساهمة في تحقيق الاستقرار في البلاد التي تعاني من أزمات خانقة في مجالات عديدة.
ولفت الدكتور منير إلى أن رفع العقوبات سوف يشمل قطاعات حيوية ولا سيما قطاع الطاقة والنقل والمؤسسات المالية التي تعد محورية لاستقرار الاقتصاد السوري، منوّهاً بشروط الدول الأوروبية لتخفيف ورفع العقوبات على سوريا، وتحقيق هذه الشروط يرتبط أساساً بدعم العملية السياسية الجديدة من خلال رفع العقوبات الدولية التي سوف تسهم بحد ذاتها في تحقيق الشروط الأوروبية.. فأي عملية سياسية شاملة تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى الاستقرار السياسي، وهذا لن يتحقق سريعاً إلا عبر رفع العقوبات الدولية، بما يسهم بدوره من جهة ثانية في تعزيز موارد الدولة السورية ودعم الشعب السوري إلى مزيد من الاستقرار مع تحرك عجلة الاقتصاد السوري بعد إزاحة القيود المفروضة وبداية عهد الانفتاح السياسي والاقتصادي المنشود.
تتعارض مع حقوق الإنسان
لاقى موضوع تعليق العقوبات ترحيباً في أوساط القانون على اعتبار أنه خطوة في الاتجاه الصحيح نحو رفعها بشكل كامل ونهائي، كما قال المحامي عبد الفتاح الدايه لصحيفة ” الحرّية”، مضيفاً: أثبتت التجربة أن العقوبات المفروضة أثرت وتؤثر على يوميات واحتياجات الشعب السوري الأساسية وهو المتضرر الأكبر منها.
استمرار العقوبات لم يعد له أي مبرر، فسوريا اليوم بحاجة ماسة إلى التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل القيود المفروضة على القطاعات الحيوية، كما أوضح الداية، فرفع العقوبات ليس مجرد مطلب اقتصادي بل هو خطوة ضرورية لتعزيز الاستقرار في سوريا وتالياً المنطقة ككل.
ويرى الدايه أنه من الناحية القانونية، ووفقاً لمبادئ القانون الدولي، فإن العقوبات التي تؤدي إلى صعوبة الأوضاع الإنسانية في بلد ما تتعارض مع الأسس التي تقوم عليها حقوق الإنسان، ولذلك فإن المجتمع الدولي مدعو إلى رفع العقوبات عن كافة القطاعات من دون تأخير، لأن مستقبل سوريا يحتاج لجهود كثيفة من دون أي معوقات، لافتاً إلى أنه يمكن من جهتنا في سوريا استثمار قرارات الرفع الجزئية الحاليّة بسياسات حكومية وإجراءات اقتصادية فاعلة تعزز التعافي بالتوازي مع مزيد من الخطوات السياسيّة والقانونية في اتجاه رفع العقوبات بشكل نهائي.
فسوريا تحتاج إلى مرحلة جديدة قائمة على التنمية والاستقرار وليس على العقوبات والعزلة، وهذا ما يجب أن يكون هدف الجميع اليوم.