في ظل تغير المناخ وندرة الموارد.. هل تكون السدود وحصاد الأمطار طوق النجاة؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – باسمة اسماعيل:

تواجه سوريا واحدة من أخطر أزماتها البيئية والمائية في العقود الأخيرة، مع اشتداد تأثيرات الاحتباس الحراري، وتراجع الموارد التقليدية، وتزايد الاعتماد على مصادر مائية غير قادرة على مواكبة التغيرات المناخية، وفي خضم هذا المشهد المعقد، يبرز الساحل السوري كمصدر استراتيجي محتمل للمياه، لكنه يواجه تحديات بيئية خطيرة قد تعيق استدامته، ما لم يتم تداركها برؤية علمية متكاملة.

الأمن المائي في سوريا يدخل مرحلة حرجة

شدد د. علي عيسى الحاصل على دكتوراه في العلوم الاقتصادية ومدير الجامعة الأوروبية في بريطانيا (بنظام العمل عن بعد)، على أن البلاد تدخل مرحلة دقيقة من حيث أمنها المائي، مع تفاقم تأثيرات الاحتباس الحراري واستمرار الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، تدخل سوريا مرحلة حرجة في أمنها المائي، خاصة مع تضاؤل المصادر التقليدية في الداخل، واعتماد قطاعات الزراعة والصناعة والمياه المنزلية على أنظمة لم تعد قادرة على التكيف مع المتغيرات المناخية الحادة.

خزان استراتيجي

وأضاف في تصريحه ل “الحرية” في هذا السياق يبرز الساحل السوري كأحد آخر الخزانات المائية الاستراتيجية، لكن هذا الخزان يتآكل بصمت بفعل عوامل طبيعية وبشرية، ويواجه مفترق طرق بين الاستغلال المستدام أو الانهيار البيئي.

السدود وحصاد الأمطار الخيار الأبسط و الأكثر ذكاء

ورأى د. علي أن حصاد مياه الأمطار من خلال إقامة سدود وسدات صغيرة في مناطق الغزارة المطرية يمثل حلاً عملياً ومجدياً من حيث التكلفة الاقتصادية، وأقل ضرراً بيئياً من تحلية مياه البحر أو استجرار المياه من مصادر بعيدة، هذه السدود، خصوصاً إذا أُنشئت على ارتفاعات مناسبة، تخفف من تكاليف الضخ وتغذي المياه الجوفية، التي تعد الضامن الأهم لتوازن الأنظمة البيئية والزراعية، كما تتيح استخدام الطاقة الريحية في الجبال الساحلية، لتوليد الكهرباء المطلوبة لتشغيل منظومات الضخ، ما يعزز الاستدامة الطاقية.
ولفت إلى أن لمشروعات الحصاد المائي فوائد اقتصادية إضافية منها، توفير مياه ري ثابتة للزراعة، تأمين مصادر لإطفاء الحرائق الموسمية التي تضرب الغابات الساحلية، تعزيز التنوع البيئي وتحسين الغطاء النباتي.

تحلية مياه البحر ضرورة معقدة لا يمكن تجاهلها

ونبه د. علي لنقطة مهمة، مبيناً أنه رغم كون تحلية مياه البحر تبدو حلاً لا مفر منه مستقبلاً، إلا أنه لا يخلو من عقبات أبرزها، تكاليف مرتفعة نتيجة فرق المستوى الجغرافي بين الشاطئ والمناطق الداخلية، التي تحتاج الماء، مما يتطلب منظومات ضخ متطورة وذات استهلاك عال للطاقة، إضافة إلى تأثيرات بيئية محتملة نتيجة تصريف المحلول الملحي (الراشح) في البحر، ما قد يؤثر على التنوع البحري، وتحديات تشغيلية وتقنية في حال الاعتماد على شبكات كهربائية غير مستقرة أو مكلفة، لذلك يرى خبراء أن تحلية مياه البحر ينبغي أن تكون خياراً مكملاً لا بديلاً عن مشروعات حصاد الأمطار.

تآكل الشواطئ خطر زاحف بصمت

وحذر د. علي من ظاهرة تآكل الشواطئ وتقدم مياه البحر نحو اليابسة، التي تهدد الساحل السوري على مستوى المياه والزراعة معاً، حيث تعد هذه المشكلة من أخطر التحديات المائية في الساحل، فبسبب استنزاف المياه الجوفية دون تعويض، تتراجع قدرة الأحواض الجوفية كحوض السن والأبرش على صد المياه المالحة، ما يؤدي إلى تسللها بشكل تدريجي نحو الداخل، وهذا التسلل في حال لم يتم اكتشافه مبكراً، قد يؤدي إلى ملوحة آلاف الهكتارات الزراعية، وتدمير البنية التحتية لشبكات الري، بالإضافة إلى تدهور نوعية المياه في الآبار المخصصة للشرب، ما يفرض تكاليف إضافية على البلديات والدولة لمعالجة المشكلة.

الأمن المائي أساس الاستقرار الوطني

وأكد علي أن إهمال الساحل كمورد مائي استراتيجي، سيحدث سلسلة من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الواسعة، فإن الاقتصاد السوري بأكمله سيكون أمام معضلة حقيقية، هي تراجع إنتاجية الزراعة الساحلية التي تعد من الأغنى تنوعاً، وانخفاض قدرة الصناعات الغذائية على الاستمرار بسبب ندرة المياه، ضغط سكاني محتمل على المدن الكبرى نتيجة الهجرة من المناطق المتأثرة مائياً، وازدياد تكلفة تأمين المياه، ما ينعكس على أسعار الغذاء والخدمات.
ونوه د. علي إلى أنه في المقابل، فإن الاستثمار في حصاد مياه الأمطار والحلول المتكاملة سيوفر للدولة، مرونة مائية واستقراراً بيئياً في المناطق الساحلية، ما يخلق فرص عمل عبر مشروعات البنية التحتية والسدود، وتقليل الاعتماد على حلول مستوردة أو عالية الكلفة.

الساحل مفتاح النجاة لا خزان مؤقت

ولفت د. علي إلى أنه لا يمكن اختصار حل أزمة المياه في سوريا بجواب بسيط، لكن ما هو واضح أن الساحل يمثل اليوم مفتاح النجاة، بشرط التعامل معه كـ “نظام مائي بيئي واقتصادي متكامل”، لا مجرد خزان مؤقت.
ومع تغير المناخ وازدياد موجات الجفاف، تصبح الحاجة إلى رؤية وطنية مائية شاملة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، تبدأ من حصاد كل قطرة مطر، وتنتهي بمراقبة كل موجة بحر قد تغزو اليابسة بصمت.

Leave a Comment
آخر الأخبار