في مشهد يجمع بين روعة التضحية وقسوة الواقع.. “الفزعة الأهلية” تجسد وحدة الشعب.. وخبراء يقترحون تدريب 250 ألفاً من سكان القرى المجاورة للغابات.

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:
“الشعب السوري واحد، تجمعه الأزمات ولا أحد قادر على تفريقه.” فأمام الأزمات ومنها حرائق الغابات، ينهض السوريون كجسد واحد، يرسمون بجهودهم الملحمية لوحة من السلم الأهلي والتآزر، مؤكدين أن من رحم التحديات تولد أقوى صور الوحدة الوطنية، وهنا يبرز دور الخبراء في تقديم رؤى لمواجهة تلك التحديات عبر تفعيل طاقات المجتمع المحلي.

عفيف: طاقات المجتمع المحلي تفوق إمكانات الدولة عشرات المرات..لكن عند توظيفها بفاعلية

ويؤكد الخبير الزراعي المهندس الزراعي أكرم العفيف، مؤسس مبادرة المشاريع الأسرية السورية التنموية في حوارٍ خاص مع صحيفتنا “الحرية”، أن “الفزعات الأهلية” التي شهدتها سوريا مراراً وتكراراً، خاصة في مواجهة حرائق الغابات المدمرة هي ليست بالأمر الجديد على الشعب السوري سواء الآن أو خلال السنوات الماضية، فهي تجسيد لأصول السوريين الراسخة، ما يدل على أن الشعب السوري واحد، تجمعه الأزمات، ولا أحد قادر على تفريقه، ما يعكس مزيداً من التعاون و الأمان لسوريا”.

-طبقة التفحيم بعد الاحتراق لا تتجاوز 5 سم ما يسمح بإزالتها ومتابعة الاستفادة من زراعة الأراضي بشكل طبيعي.

طاقة المجتمع المحلي

و يُشدد العفيف على أن زج طاقة المجتمع المحلي في أي عملية، خاصة مواجهة الأزمات، يمنحنا أعداداً هائلة من الأهالي والمسعفين والإطفائيين وأصحاب الآليات، وهي طاقات تفوق إمكانات الدولة عشرات المرات عند توظيفها بفاعلية، وفي هذا الصدد، يثمن العفيف الدور الذي لعبه الأشقاء في تركيا والأردن ولبنان الذين ساهموا مع رجال الإطفاء السوريين في إخماد الحرائق، ويضيف: رغم أن مشهد الحرائق مؤلم جداً؛ إلّا أنه يبعث على التفاؤل عندما نرى المبادرات الكبيرة من السكان المحليين والمحافظات والدول الشقيقة الذين سارعوا في التوجه نحو الساحل السوري لإخماد الحرائق، في مشهد يجمع بين روعة التضحية وقسوة الواقع.

-التنظيم المجتمعي هو الحل الذي يحدد الإمكانات الموجودة ويحدد النواقص

بيئة واقتصاد في مهب الريح

كما أن الحرائق تنعكس بشكل مباشر على البيئة، وتؤثر بشكل كبير على الاقتصاد السوري، هذا ما بيّنه العفيف، حيث يقترح ضرورة عدم السماح بحدوث الحرائق من الأساس، وفي حال وقوعها، يجب إخمادها فوراً، ولكن ذلك يتطلب تدريب المجتمع المحلي، موضحاً أن أسباب الحرائق متعددة، وأبسطها قد تكون بلورة زجاجية تعكس أشعة الشمس، أو بسبب نزهات عشوائية غير مسؤولة، أو غيرها من المسببات التي تتطلب وعياً مجتمعياً عالياً.

رؤية استباقية

ولمواجهة هذه التحديات، يقترح العفيف رؤية استباقية تقوم على تنظيم المجتمعات المحلية لإطفاء الحرائق وزيادة قدرتها على المساعدة، وكان ذلك في حوار خاص مع الوزير الأسبق حسان قطنا، وقد اقترح العفيف تدريب 250 ألف عامل من سكان القرى المحيطة بالغابات، بحيث يصبح في كل قرية 3 أشخاص والذين يقومون بدورهم بتدريب البقية من الأشخاص ليكونوا فريق إطفاء محلياً للأزمات.
وذلك بتدريبهم من قبل جهات مختصه، و ليشمل التدريب جوانب السلامة الشخصية، وكيفية التعامل مع الدخان، وسبل الوقاية وغيرها.

من الصهاريج إلى حصاد الأمطار

إلى جانب التدريب، يقترح العفيف تزويد بعض الصهاريج بمضخات ضغط عالية وخراطيم تصل إلى 150 متراً، بالإضافة إلى شفاطات، لتحويلها إلى صهاريج إطفاء فعّالة خاصة بإطفاء حرائق الغابات، مضيفاً: الدولة قامت أيضاً بتقديم أجور للصهاريج الخاصة التي جاءت للمساعدة، ومنحها تسهيلات للوصول إلى النتائج المرجوة لإخماد الحرائق
كما يدعو إلى السعي مع المجتمعات المحلية لإنشاء خزانات إسمنتية جانب الطرقات لحصاد مياه الأمطار في فصل الشتاء وتجميعها لاستخدامها في حالات الحرائق وغيرها، ويُشير إلى أن آلية الجرار الزراعي أسهل في التنقل داخل الغابات من آليات الإطفاء التقليدية، ما يتيح للمجتمع المحلي الوصول إلى الحريق قبل رجال الإطفاء عند وقوع الحرائق.

الوقاية والاستدامة

وهنا يبرز العفيف مقترحاً مبكراً يجمع بين الوقاية والاستدامة، كاستخدام آلة متخصصة لجمع المواد العضوية الناعمة، كالأعشاب الجافة التي تتحول في فصل الصيف إلى وقود جاف شديد الاشتعال (الهشيم)، وتحويلها إلى قوالب وقود مضغوطة (بيرين) لتكون بديلاً مستداماً للحطب، حيث يُسهم هذا المشروع في توفير مصدر تدفئة بديل للأسر المتضررة من الحرائق، ويقلل الضغط على الغابات كمصدر للحطب.
مبيناً أنه عند التخلص من الأعشاب الجافة فإن ذلك يحد بشكل كبير من انتشار الحرائق، خاصة تلك التي تنشأ بسبب تراكم المواد العضوية الجافة، لافتاً إلى أن الحرائق تنشأ بسبب تلك الأعشاب.

إعادة تأهيل الغابات

و لإعادة تأهيل الأراضي المحروقة، يقترح العفيف زراعتها بنبات الفول وذلك في شهري التاسع والعاشر من العام، حيث ينمو تزامناً مع هطول الأمطار، ويُشير إلى وجود أنواع من الفول المقاوم للصقيع، وفائدته تكمن في تشكيل غطاء أخضر، وتكوين الدوبال بفضل العقد الآزوتية، ما يحرض نمو النموات الجديدة تحت الحريق، مشيراً إلى أهمية دوره الاقتصادي في تزويد الأسر التي تضررت أراضيها بالنيران.
كما ينصح أيضاً بزراعة الغابات بالأشجار الحراجية التي تعود بالخير على البيئة والاقتصاد، مثل الخرنوب والغار، و زراعة الصبار على شكل سياج وخطوط، أما الفول فيزرع في الأراضي المحروقة، وهنا يدعو العفيف الناس للعودة للعيش بشكل طبيعي وإعادة زرع الأراضي، لافتاً إلى أنّ الضرر يكون في الطبقة المتفحمة والتي لا تتجاوز سماكتها الـ5 سم، ما يسمح بإمكانية إزالتها وإعادة زرعها بشكل طبيعي من جديد.

تنسيق ميداني

وعن التنسيق والواقعية والمحبة التي ظهرت في التعامل مع الأزمة، يقول العفيف: إن مشهد وزير الطوارئ الأستاذ رائد الصالح، وهو جالس على حافة الرصيف بملابس العمل، هو دليل على الواقعية الميدانية، والتكاتف والتلاحم السوري.
مطمئناً أنه رغم الخطر كبير، إلّا أن الحرائق لم تصل إلى غابات الفرنلق حتى الآن، عازياً سبب امتداد سرعة النيران يعود إلى؛ حجم وسرعة الهواء، بالإضافة إلى الحرارة المرتفعة والجفاف.

خطر محتمل

وفي السياق ذاته: يُحذر العفيف من خطر محتمل يتمثل في عدم كفاءة المجتمعات المحلية وبعدها عن القدرة على التعامل مع الحرائق، مؤكداً أن “التنظيم المجتمعي هو الحل الذي يحدد الإمكانات الموجودة ويحدد النواقص.”

وختم العفيف حديثه منوهاً بأن المقترحات السابقة تعكس رؤية شاملة لمواجهة تحدي الحرائق في سوريا، مع التأكيد على الدور المحوري للمجتمع المحلي في تحقيق الأمن والاستقرار، داعياً لتوظيف الطاقات الكامنة، وتعزيز التعاون بين الأفراد والمؤسسات، لضمان مستقبل أكثر أماناً واستدامة، حيث تتجلى روح التكاتف السوري في أبهى صورها، وتتحول التحديات إلى فرص للبناء والازدهار.

Leave a Comment
آخر الأخبار