الحرية – مها سلطان:
نفي لا بد منه أصدرته وزارة الإعلام مساء أمس حول المزاعم التي تقول أن الرئيس أحمد الشرع أعلن فتح الأجواء السورية لاعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية، الوزارة أكدت أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة.
الاعتقاد العام أنه من الغباء إطلاق مثل هذه الادعاءات، حيث تعمل سوريا بصورة مكثفة على استعادة توازنها السياسي والاقتصادي والأمني وتجنب الدخول في متاهات إقليمية جديدة ستدفع بها نحو تضييع البوصلة مجدداً، حيث إن لسوريا اليوم موقعاً مختلفاً كلياً، فإنها على الأكيد لن تغامر بمواقف أو قرارات أو إجراءات من شأنها أن تعيدها إلى المربع الأول وهي التي اجتازت مسافات مهمة بوقت قياسي على طريق التعافي واستعادة التوازن.
النفي الذي أطلقته وزارة الإعلام حول مزاعم فتح الأجواء لاعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية كان نفياً لازماً حتى لا يتم أخذ سوريا بشرور غيرها وبأعمالهم الخبيثة التي تريد توريطها وجرها إلى دائرة الاستهداف واللا استقرار
ومن الغباء أيضاً اعتبار أن الصواريخ والمسيرات التي تجتاز سماء سوريا وسقوط أو إسقاط بعضها فوق أراض سورية، هي نوع من قرار ما، أو موقف ما، سوريا مثلها مثل جميع الدول التي تشكل «منطقة تقاطع نيران» ما بين إسرائيل وإيران، مثل الأردن والعراق ولبنان، هناك صواريخ ومسيرات ستواصل عبور الأجواء رغم عمليات الإغلاق، وسيتم إسقاط ما يمكن إسقاطه من قبل إسرائيل وأميركا.. فلماذا ننسى أن لأميركا قواعد في كل المنطقة، خصوصاً في العراق وفي الشمال الشرقي من سوريا ومنها تستطيع اعتراض وإسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية؟
- لماذا ننسى أن سوريا هي عملياً واضحة بمساراتها الجديدة وقراراتها ومواقفها، ومن ضمن ذلك الحرب الإيرانية- الإسرائيلية لناحية تجنب أن تكون جزءاً أو طرفاً أو ساحة أو أي أمر من هذا القبيل؟
الصواريخ والمسيرات التي تعبر سماء سوريا- ويتم إسقاط بعضها- لا تندرج ضمن قرار ما، أو موقف ما لأن سوريا مثلها مثل الدول الأخرى التي تشكل «منطقة تقاطع نيران» بين إيران وإسرائيل، حيث الصواريخ والمسيرات ستواصل عبور أجوائها رغم عمليات الإغلاق
– لماذا ننسى أن سوريا وجميع الدول المحيطة بإسرائيل باتت في وضع جيو سياسي جديد لا يحتمل أن يكون جزءاً من حرب شرسة (إلا إذا فُرض عليها ذلك) حرب تدور رحاها بأعنف الأشكال وبأشد ما وصلت إليه العقول الاستخباراتية والذكاء الاصطناعي من تطور مخيف وصل إلى درجة أن إسرائيل بنت منظومة حرب كاملة – عسكرية واستخباراتية – في قلب إيران، ولم تكن ساعة الصفر بحاجة إلا إلى أن ترفع إسرائيل إصبعها مُعلنة بدء المواجهة وليقف العالم، بما فيه إيران نفسها، في حالة ذهول وصدمة؟
- لماذا ننسى أن الصواريخ والمسيرات الإيرانية والإسرائيلية لديها أجواء أخرى تعبر منها، دون حاجة إلى أن تكون سوريا أو غيرها سماءً رئيسية لها؟
- وعلى فرض أن هناك إمكانية لاعتراضها وإسقاطها، فأي دولة ستغامر بذلك، والمنطقة بمجملها على كف عفريت، وفي موقع الحلقة الأضعف لاعتبارات كثيرة معروفة للجميع دون أن ننسى حالة الاصطفاف الجيو- اقتصادي الجديد الذي دخلته المنطقة في ظل سوريا جديدة منذ التحرير في 8 كانون الأول الماضي؟
- لماذا ننسى أن سوريا خرجت، أو بعبارة أدق نجت من أن تكون جزءاً من هذه الحرب منذ سقوط نظام بشار الأسد البائد؟ علماً أنه ليس بالضرورة أن تكون سوريا في منجى من تأثيراتها في المرحلة اللاحقة إذا ما توسعت واستشرست بصورة أكبر، وهذا أمر منطقي بحكم الجغرافيا اللصيقة مثلها مثل العراق ولبنان والأردن، وحتى الجغرافيا الأبعد قليلاً كدول الخليج.. إذا ما توسعت الحرب فإن المنطقة كلها ستكون ساحة لها.
حتى الآن، تأثيرات الحرب على سوريا لها وجهان: الأول هو شظايا الصواريخ والمسيرات التي تسقط على أراض السوريين وتوقع أضراراً وجرحى (وهناك حالة وفاة في طرطوس بفعل مسيرة إيرانية) وتخلق حالة خوف وقلق دائمة من أن يتجاوز التأثير هذا المستوى لتكون الأضرار أكبر، مادية وبشرية.
والوجه الثاني هو الأجواء السورية التي تتأرجح بين فتح وإغلاق وفق التطورات وحجم المخاطر.
سوريا نجت من أن تكون جزءاً من هذه الحرب بفعل سقوط النظام السابق، علماً أنه ليس بالضرورة أن تكون في منجى من تداعياتها إذا ما توسعت وهذا أمر منطقي بحكم الجغرافيا وحالة الاصطفاف الجيو- اقتصادي الجديدة في المنطقة
الاعتقاد الصائب مقابل ذلك الاعتقاد الغبي- آنف الذكر- أن سوريا لا يمكن إلا أن تكون جزءاً أساسياً من عملية الاهتمام والترقب والحذر والقلق، والتي يتشارك بها كل العالم، حيال ما يتعلق بالحرب الإيرانية والإسرائيلية وتطوراتها وتداعياتها. أي خروج لهذه الحرب عن نطاق السيطرة العسكري والجغرافي فإن سوريا في قلب الخطر، لذلك فإن عملية الاهتمام والقلق تنسحب على كل سوريا بمستوييها القيادي/السياسي والشعبي. من المستحيل تقريباً أن تجد سورياً واحداً لا يهتم ولا يتابع هذه الحرب، أو أنها ليست على رأس أحاديثهم اليومية، وأيضاً على رأس مخاوفهم لناحية تأثيراتها المباشرة عليهم وعلى بلادهم، أقله لناحية أنه ومنذ اندلاع هذه الحرب يوم الجمعة الماضية، هناك حالة انشغال عالمي بها انعكس على وقف عملية الانفتاح السياسي والاقتصادي وبدل أن تواصل الاستثمارات ورؤوس الأموال تدفقها، فإنها بلا شك ستتوقف حالياً بصورة كبيرة انتظاراً وترقباً.
الصائب أيضاً أنه يمكن اعتبار النفي الذي أعلنته وزارة الإعلام هو أول موقف رسمي مُعلن لناحية النأي وتجنب – ما أمكن – تداعيات هذه الحرب وشرورها، رغم أن هناك فريقاً واسعاً من المراقبين يرى أن هذه الحرب في يومها الرابع، وكان الأشرس لناحية الاستهداف والتدمير، تجاوزت نقطة اللاعودة. والأخطر أنها بلا قواعد اشتباك، بلا خطوط حمراء، حرب تديرها الأقمار الصناعية والمجسّات الحرارية والعملاء المحليون والطائرات المخيفة في تطورها وإمكانياتها. حرب فيها الاختراق/الانكشاف الأمني لا يقل فتكاً عن الصواريخ، والاستهداف المعلوماتي/الذكاء الاصطناعي المرعب، لا يقل خطراً عن القصف الجوي.
لا يمكن لسوريا إلا أن تكون جزءاً أساسياً من مسار الترقب والقلق العالمي.. أي خروج لهذه الحرب عن نطاق السيطرة العسكري والجغرافي سيدفع سوريا إلى قلب الخطر، لذلك فإن الاهتمام والقلق ينسحبان على كل سوريا بمستوييها القيادي والشعبي
نحن أمام الصراع الأخطر تاريخياً الذي يهدد بتحويل المنطقة إلى ميدان واحد مفتوح، حيث لا أحد في مأمن، لا في إيران، ولا في إسرائيل، فكيف يمكن أن نتحدث عن سوريا فقط؟ رغم أنه يكفي أن نعرض حجم الاعتراض وإسقاط الصواريخ في السماء السورية لندرك أنه لا شيء، وأنه لا يشكل فرقاً في معادلات الحرب.
مع ذلك وجب النفي والتوضيح حتى لا يتم أخذ سوريا بشرور غيرها وبأعمالهم الخبيثة التي تريد جرها إلى دائرة الاستهداف واللا استقرار.
كما يجب بالتوازي عرض وتوضيح ما تقوم به القيادة السورية من جهود كبيرة ودائمة حتى لا يتم جرها إلى ما لا تريد، وهناك من يحاول فعلياً ذلك.
لنذكر هنا، وقبل اندلاع هذه الحرب، بنحو شهر تقريباً، عملية إطلاق صواريخ من جنوب سوريا باتجاه إسرائيل من جماعة تطلق على نفسها (جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أولي البأس) وكان من الممكن أن تنحو التطورات باتجاه أمني خطير، لولا أنه تم احتواء التداعيات.
حتى الحدود السورية- العراقية ليست بعيده عن مخاوف القيادة السورية، حيث تنظيم داعش، ووكلاء إيران لا يزالون يعملون في هذه المنطقة، وقد يعملون في مرحلة ما على عمل أمني خطير باتجاه توريط سوريا، وهو ما تسعى القيادة السورية لتفاديه على أكثر من وجه وطريقة، من الاستنفار إلى التعزيزات إلى تنشيط مسارات المراقبة والضبط.. وغير ذلك.
يدرك الجميع، والسوريون قبل غيرهم، أن استمرار الحرب الإيرانية- الإسرائيلية لفترة طويلة سيدفع بسوريا نحو الواجهة بشكل أو بآخر. لطالما كانت سوريا في عهد النظام السابق ساحة معركة رئيسية في حرب الظل بين إيران وإسرائيل، ومع انتقال حرب الظل إلى العلن وبهذه المستوى الخطير جداً منذ اللحظة الأولى، فإن الجميع يخشى أن تنتقل إلى ساحات أوسع بحكم أنها حرب تكسير نفوذ، إما قاتل أو مقتول، وبحكم أن كلا الطرفين متساويان تقريباً في القوة والردع، لذلك فإن كل السيناريوهات مفتوحة على الأخطر، وجميع دول المنطقة في قلب هذا الخطر وخصوصاً اللصيقة، وعلى رأسها سوريا.