مع اقتراب صدور قانون الخدمة المدنية.. الموظفون الحكوميون بين مطرقة المصير المجهول وسندان التطوير

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية- إلهام عثمان:

تشربت أروقة المؤسسات الحكومية بعرق وضحكات آلاف الموظفين وأمالهم بأن ” بكرا أحلى”، وعلى مدى عقود، يسود اليوم صمتٌ مثقل لا يقطعه سوى همس القلق، ما يترك آثاراً نفسية بالغة، هذا الواقع المتذبذب يمس شريحة واسعة من المجتمع ويعكس حالة من الخوف من الخذلان.
ليبرز مشروع قانون “الخدمة المدنية” الجديد، الذي بتم العمل على إنجازه منذ فترة باعتباره “نقلة نوعية” نحو الكفاءة والعدالة.
لنسأل: هل ينجح القانون في تبديد هذه مخاوف البعض، وإعادة الأمل والثقة لعيون أثقلها وجع الانتظار؟!

وجوه خلف الأرقام

خلف كلّ تلك المخاوف.. يقف مرشحون لإنهاء عملهم الوظيفي، وفي جولة استقصائية أجرتها الحرية.. حالات تروى، لتكون صدى ومرآة لآلاف آخرين.
“أحمد”، طالب الهندسة (20 عاماً)، يهمس بصوت يملؤه الخذلان: “أبي خدم الدولة خمسة عشر عاماً، واليوم يواجه خطر الفصل، كنت أرى في وظيفته الحكومية الأمان، لكن كيف أثق بهذا المسار الآن وهم قد يتخلون عنه بهذه السهولة.
أما ع. ج فتضيف: أمضيتُ 18 عاماً في وظيفتي التي كنت التحق بها، أفنيت شبابي بين التدريب والتطوير وكنت أُرشح لها من قبل الإدارة بغية تطوير خبراتي، جميعها ستذهب هباءً.

بينما يقول خالد (42 عاماً) بحرقة: “بعد كل هذه الخبرة التي كلفت الدولة آلافاً، أصبح اليوم رقماً في قائمة الاستغناء، أشعر أن سنوات عمري تم محوها بقرار.”
من جهتها الموظفة مرام قالت: “أنا وزوجي نعمل في نفس الوزارة بعقود سنوية، ولا يوجد وارد آخر ولدي أطفال إذا ما تم فصلنا معاً من سيعيل أطفالنا الثلاثة؟”.
أما سارة 38 عاماً فتتساءل، وهي تخشى لحظة وصول رسالة ستدمر بيتها بالكامل: توفى كلٌّ من أبي وأخي وأنا أعمل لأعيل أسرتي ولا معيل غيري، إن قاموا بفصلي لا وظيفة أخرى ستستقبلني وأنا في منتصف العمر ومنتصف الطريق، ولاسيما أن القطاع الخاص يفضل بل ويضع الأعمار الصغيرة كشرط من شروط القبول الوظيفي.

بعلبكي: القلق الوظيفي يتفاقم تسببه بيئة العمل غير المستقرة

الخوف من المجهول

وفي رؤية موضوعية أوضح الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي مراد بعلبكي من خلال نقاش مع صحيفتنا “الحرية”، أنّ القلق الوظيفي يتفاقم في البيئة غير المستقرة، ليشمل الخوف من فقدان الوظيفة، وعدم الأمان المستقبلي، ما يؤدي لتآكل الثقة بالنفس، والإحساس بالاستنزاف، مبيناً أن الموظف الذي أفنى شبابه في الخدمة يجد نفسه أمام تساؤلات حول قيمة جهده، ما يولد شعوراً عميقاً بالخذلان، وبالتالي فقدان الدافعية والإنتاجية، والشعور بالإرهاق، إضافة للعزلة الاجتماعية، وتدهور الصحة العقلية التي تظهر أعراضها على شكل اكتئاب وقلق واضطرابات النوم.
وقد يتجاوز الخوف الجانب المادي ليشمل الشعور بالخذلان من المؤسسة التي عملوا لأجلها..هذا الشعور يخلق فوضى نفسية تؤثر سلباً على الإنتاجية والصحة النفسية.
لذا الحلول الإيجابية المتوقعة، تضمن الاستقرار الوظيفي وتجنب الكثيرين شبح الفصل، ولاسيما إن كان التغيير إيجابياً.

اسمندر: نقطة القوة في قانون الخدمة المدنية أنه يعتمد على معايير الكفاءة المهنية.. ما يعني أننا سنكون أمام قادة إداريين وكفاءات نوعية

تحول نوعي

وفي سياق متصل؛ أوضح الخبير الاقتصادي إيهاب اسمندر، أن قانون الخدمة المدنية يعد تحولاً نوعياً في التنظيم المؤسسي، وذلك عبر إحداث تغيير جذري في الإدارة العامة حسب ما هو معلن عنه، لافتاً إلى أن نقطة القوة في القانون، أنه يعتمد على معايير الكفاءة المهنية، ما يعني أننا سنكون أمام قادة إداريين وكفاءات نوعية، في ظل آلية انتقاء تنافسية، كما أنّ سلسلة الرواتب والأجور المرتبطة بالقانون ستكون ملائمة لجذب أصحاب المقدرة المهنية، وبما أنها مرتبطة بحجم الإنجاز فإنها ستساعد على زيادة الإنتاجية، وأهم النتائج المتوقعة للقانون، هو إيجاد بيئة عمل مستقرّة تسودها الشفافية والنزاهة وثقة المواطنين..

تحديات.. ولكن!؟

أما التحديات التي قد تعوق تطبيق القانون- وفق رأي اسمندر- فهي توفير الموارد المالية اللازمة، مقاومة التغيير التي تُواجه بها الإصلاحات المؤسسية عادة، إضافة إلى الحاجة لتأهيل واسع للعمال والموظفين الحاليين لتوفيق إمكاناتهم مع متطلبات القانون، كما ستكون هناك ضرورة لتطوير التشريعات النافذة ذات العلاقة ببيئة العمل مع القانون الجديد.

تحفيز وشفافية

وعن التحفيز والشفافية، أشار اسمندر إلى أنه عندما يتم تطبيق أنظمة التقييم بشكل فعلي، فإن ذلك ينعكس على تطوير العمل المؤسسي من خلال: تعزيز ثقة الموظفين بمؤسستهم وإدارتها، وتحفيز التميز والبحث عن التفوق لدى الموظفين، وزيادة وضوح المهام المطلوبة منهم، ما يؤدي لنجاحهم في عملهم بشكل أكبر، منوهاً بأن تقديم الملاحظات الموضوعية تساعد في تطوير الأداء، وتحسين جودة الخدمات الحكومية، وتحقيق كفاءة أعلى في ترشيد الإنفاق الحكومي وتحقيق الاستدامة المالية، وتعزيز المساءلة والمحاسبة، إضافة لاستقطاب الكفاءات والاحتفاظ بها.

متطلبات

كما نوه اسمندر بأن التطبيق الناجح لهذه النظم يحتاج العديد من المتطلبات، ومنها: وضع معايير أداء واضحة وقابلة للقياس، كذلك تدريب المسؤولين عن التقييم على أساليب التقييم الموضوعي، وإشراك الموظفين في عملية تطوير نظام التقييم، بالإضافة لربط نتائج التقييم بخطط التطوير الوظيفي والمكافآت، والتأكد من قابلية النظام للمراجعة..
لذا يعدّ تطبيق أنظمة التقييم بطريقة عادلة وشاملة في المؤسسات الحكومية السورية، ليس مجرد عملية روتينية، بل هو استثمار في رأس المال البشري الذي يمثل المحرك الأساس لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وبناء مؤسسات حكومية فاعلة حسبما هو مرغوب في سوريا..

العمل عن بعد

ومن الإستراتيجيات التي طرحت هو العمل عن بعد وربط الرواتب بالإنتاجية، وهنا بين اسمندر أنه يمكن أن تسهم هذه الخطوة في تحسين بيئة العمل الحكومية وجذب الكفاءات الوطنية، عبر زيادة المرونة وفسح مجال أكبر للعاملين للموازنة بين العمل والحياة، لافتاً إلى أنّ الرضا الوظيفي يكون بتقليل الضغط، والتركيز على الإبداع لدى العامل، ويكون ذلك بتقييمه على أساس الإنجاز لا حضوره للعمل، أيضاً يسهم العمل عن بعد في تخفيض التكاليف التشغيلية على المؤسسة، بسبب عدم تواجد العاملين وبالتالي توفير (وسائل النقل، كهرباء، مياه، قرطاسية..)، كذلك الأمر بتبسيط الإجراءات البيروقراطية في ظل استخدام الوسائل التكنولوجية، وبجذب الكفاءات عبر زيادة جاذبية الوظيفة الحكومية، واستقطاب فئات جديدة من المواهب، الذين يفضلون العمل عن بعد على العمل التقليدي، أيضاً بتطوير الصورة النمطية عن العمل الحكومي وإسباغ صورة جديدة أكثر حداثة عنه..

خطوات

لكن.. لتطبيق هذه الإستراتيجيات بجب أن تكون هناك خطوات: منها تطوير أنظمة قياس الإنتاجية، وتوفير درجة عالية من التطور التكنولوجي والأمن المرتبط به، وتغيير الثقافة الإدارية، المرتبطة بضرورة حضور العاملين إلى الاكتفاء بمتابعة إنجاز المهام الموكلة إليهم، كذلك الحفاظ على روح الفريق بين العاملين حتى لو كانوا يعملون عن بعد، و ضمان أنظمة مكافأة عادلة وشفافة.
وعليه؛ فإن العمل عن بُعد وربط الرواتب بالإنتاجية سيحدثان نقلة نوعية ولافتة في بيئة العمل الحكومية السورية وجعلها أكثر مرونة وفق رأي اسمندر.

ترجمة إيجابية

ورغم أنّ المؤشرات إيجابية، يبقى التحدي في ترجمة هذه الوعود إلى واقع ملموس، يراعي مصلحة الموظف والمؤسسة، ويحدد حقوقهما بشكل شامل، ولاسيما أنّ الأمل معقود على أن يكون هذا القانون نقطة تحول تعيد للموظف السوري شعوره بالأمان والتقدير، وتزيل عنه عبء القلق والخوف من الخذلان، لمستقبل وظيفي مستقر وعادل حسب رأي بعلبكي.
وفي السياق ذاته ختم اسمندر قائلاً: إن تطبيق هذا القانون يعد خطوة مهمة نحو الإصلاح المؤسسي في سوربا، ولاسيما إذا تمكنت الحكومة من تنفيذه بالشكل الصحيح.

Leave a Comment
آخر الأخبار