الحرية – آلاء هشام عقدة
أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة قراراً يُلزم جميع المنتجين والمستوردين بتدوين سعر البيع النهائي للمستهلك على كل منتج بشكل واضح وباللغة العربية، في خطوة تهدف إلى ضبط الأسواق، والحد من الغش والمضاربة، وتعزيز الشفافية في التعاملات التجارية.
القرار، الذي يمنح مهلة حتى نهاية العام لتصريف المنتجات غير المسعّرة، يسمح للتجار ببيع السلع بسعر أقل من السعر المدوّن، دون تجاوزه، ما يفتح المجال أمام المنافسة ويعزز حماية المستهلك من الاستغلال.
لكن هل ينجح القرار في كبح الأسعار فعلاً؟
رغم أهمية القرار من حيث المبدأ، تبرز تساؤلات مشروعة حول مدى قدرته على إحداث أثر ملموس في ظل تعقيدات السوق، وتفاوت التكاليف، وضعف الرقابة في بعض المناطق.
وفي هذا السياق، قال الدكتور عبد الهادي الرفاعي، عميد كلية الاقتصاد في جامعة اللاذقية، في تصريح خاص للحرية:
القرار خطوة تنظيمية مهمة، لكنه لن يحقق أهدافه ما لم يُرافق بمنظومة رقابة فعالة، وعقوبات رادعة، وأهم من ذلك تحديد أسعار منطقية تضمن للتاجر هامش ربح مقبول.
واضاف الرفاعي إن الهدف من هذا القرار هو
1.حماية المستهلك: الحد من ظاهرة الغلاء غير المبرر والاحتكار، ومحاولة جعل السلع الأساسية في متناول أكبر عدد ممكن من المواطنين.
2. مكافحة التضخم الجامح: في محاولة كسر حلقة التضخم المفرغة حيث يؤدي ارتفاع الأسعار إلى طلب رواتب أعلى، ما يدفع التكاليف والأسعار للارتفاع مرة أخرى.
3. استقرار السوق: الحد من الفوضى التسعيرية الشديدة، حيث يبيع مختلف التجار السلعة نفسها بأسعار متفاوتة بشكل كبير وغير عادل.
4. الحد من المضاربة: منع بعض التجار من تخزين السلع الأساسية وابتزاز المستهلكين برفع أسعارها بشكل مبالغ فيه.
أهمية القرار بالنسبة للتاجر والمستهلك إيجابيات وسلبيات
وبينّ د. الرفاعي أن إيجابيات القرار بالنسبة للمستهلك تتمثل في توفيره درجة من الحماية من الاستغلال، ويضمن له سعراً معلوماً للسلع، ما يساعده في تخطيط ميزانيته المحدودة ويشعره بوجود رقابة تحاول الدفاع عن حقه.
أما بالنسبة للسلبيات: إذا لم يكن السعر المفروض واقعياً، فقد يؤدي إلى اختفاء السلعة من السوق الرسمية وانتقالها إلى السوق السوداء بأسعار أعلى، أو انخفاض جودتها إذا اضطر التاجر لبيعها بخسارة.
أما الإيجابيات بالنسبة للتاجر فهي (محدودة) قد يوفر له غطاء قانونياً في مواجهة ضغوط الموردين لشراء بضائع بأسعار عالية، كما يحدد له هامش ربح واضحاً.
وتعتبر سلبيات القرار للتاجر هي الأكبر إذا كان سعر التكلفة (بما فيه الشحن والضرائب والتخزين) أعلى من السعر المفروض، فإن التاجر سيخسر وهذا قد يدفعه إلى عدم استيراد أو بيع تلك السلعة، او بيعها في السوق السوداء أو اللجوء إلى وسائل أخرى مثل الغش في المواصفات أو الوزن، وبالتالي تفضيل تحويل أمواله إلى عملات صعبة أو استثمارات أخرى بدلاً من التجارة المحفوفة بالمخاطر.
تبعات مثل هذا القرار وهل سيتم ضبط التلاعب والغش؟
يشير الرفاعي إلى أن التحدي الأكبر حالياً هو تبعات القرار التي تعتبر متعددة ومتشعبة فالتبعات الإيجابية المحتملة، استقرار مؤقت في أسعار السلع المستهدفة، وتراجع نسبي في وتيرة التضخم على المدى القصير بالإضافة لإرسال رسالة تهديد للاحتكارين والمضاربين.
أما التبعات السلبية المحتملة (وتحديات الضبط) فيعتبر أكبر تهديد لهذا القرار اختفاء السلع من السوق هو أن يؤدي إلى نقص في المعروض من السلع إذا شعر التجار أن هامش الربح غير مجدٍ. وعندها سيشتريها الناس من السوق الموازية (السوداء) بأسعار أعلى، وتحايل التجار بطرق مختلفة يصعب ضبطها جميعاً، مثل:
– البيع “تحت الطاولة”: للزبائن المفضلين أو في أماكن غير مرئية، تخفيض الجودة: بيع سلع رديئة أو مغشوشة بنفس السعر المحدد.
– ربط البيع: اشتراط شراء سلعة أخرى غير مرغوبة للحصول على السلعة المسعرة.
– وتعطيل حافز الإنتاج والتوريد: قد يتوقف المصنعون والمستوردون عن العمل إذا أصبح غير مربح، ما يفاقم أزمة النقص على المدى المتوسط.
– تحول العبء إلى قطاعات أخرى: إذا تم تسعير الخبز مثلاً، قد يتحول التجار إلى رفع أسعار المواد البديلة غير المسعرة (مثل المعكرونة).
فضبط التلاعب والغش يعتمد كلياً على فعالية جهاز الرقابة ويحتاج لجهاز رقابي ضخم ومؤهل وعدد كبير من المفتشين ذوي خبرة، مع القدرة على دخول المستودعات وفحص الحسابات.
وفرض عقوبات رادعة، تكون قاسية بما يكفي (كغرامات باهظة أو سجن أو إغلاق للمحل) لثني التاجر عن المخالفة، وشفافية ومحاسبة تمنع الفساد داخل الجهاز الرقابي نفسه.
وأضاف الرفاعي في ظل الظروف الحالية، يبقى ضبط كل أشكال التلاعب تحديًا هائلاً.
الإجراءات الضامنة لتنفيذ هذا القرارلضمان تنفيذ القرار، تحتاج الحكومة إلى حزمة إجراءات متكاملة، منها:
1. تحديد الأسعار بشكل واقعي: يجب أن يأخذ السعر المحدد في الاعتبار تكاليف الإستيراد أو التصنيف الحقيقية، وهامش ربح معقول للتاجر ، إذا كان غير واقعي، فمصيره الفشل.
2. تعزيز الجهاز الرقابي: زيادة عدد فرق التفتيش التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وتزويدها بصلاحيات أوسع.
3. تفعيل نظام البلاغات: تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن المخالفات عبر خطوط ساخنة أو تطبيقات إلكترونية، مع ضمان سرية المبلغ.
4. تطبيق عقوبات صارمة: جعل تكلفة المخالفة (الغرامة أو الإغلاق) أعلى من منفعة التحايل على القانون.
5. توفير السلع عبر قنوات رسمية: أن تقوم الجهات الحكومية (مثل “المؤسسة العامة للتجارة الداخلية”) باستيراد وتوزيع السلع الأساسية بأسعار مخفضة، مما يشكل ضغطاً تنافسياً على القطاع الخاص.
6. الشفافية والإعلام: نشر قائمة الأسعار المفروضة بشكل واسع، وتوضيح آلية احتسابها للمواطن والتاجر على حد سواء.
وختم الرفاعي بأن قرار التسعير الإلزامي هو سلاح ذو حدين، في أفضل حالاته، يوفر حماية فورية للمستهلك من جشع بعض التجار في أوقات الأزمات. لكنه في أسوأ حالاته، قد يؤدي إلى شلل في السوق، ونقص في السلع، وانتشار السوق السوداء، وهو ما يفاقم المشكلة بدلاً من حلها.
إن نجاح القرار يعتمد بشكل حاسم على مدى واقعية الأسعار المحددة، وكفاءة وفعالية الجهاز الرقابي، ووجود إرادة سياسية لمحاربة الفساد في دوائر التطبيق، و بدون هذه العناصر، قد يبقى القرار حبراً على ورق أو يؤدي إلى نتائج عكسية.