الحرية_ رشا عيسى:
يُعدّ الإعلان عن بدء حفر بئر استكشافية للغاز الطبيعي في ريف دمشق تطوراً في سياق الجهود الرامية إلى إعادة تفعيل قطاع الطاقة تدريجياً، وفي ظل ظروف اقتصادية وتشغيلية معقّدة، غير أن مقاربة هذا الحدث، وفق خبراء، تتطلب قراءة متوازنة تضعه في إطاره المهني والتقني، بعيداً عن أي دلالات تتجاوز طبيعته الفعلية.
بين التقنية والدلالة المؤسسية
يرى الدكتور ياسين العلي_ الباحث والخبير الاقتصادي _ خلال حديث لـ«الحرية»، أن هذا الإعلان لا يمكن فصله عن سياقه الواقعي، مشدداً على ضرورة التمييز بين كونه خطوة استكشافية أولية في مسار طويل، وبين ما يحمله من إشارات تتعلق بمحاولة استعادة جزء من القدرة المؤسسية والتشغيلية في قطاع حيوي تعرّض لاستنزاف كبير خلال السنوات الماضية.
ويؤكد الدكتور العلي أن التعامل مع الحدث يجب أن يتم ضمن حدود مهنية دقيقة، دون تحميله دلالات تتجاوز طبيعته الفنية، أو اعتباره مؤشراً مباشراً على تحوّل فوري في واقع الطاقة.
اختبار لا إنتاج
من الناحية التقنية، فإن توصيف البئر على أنها استكشافية يضع المشروع في مساره الطبيعي، بوصفه مرحلة تهدف إلى اختبار المكامن الجيولوجية، وجمع بيانات تتعلق بالضغط والنوعية وحجم الاحتياطي المحتمل، ويشير العلي إلى أن الانتقال من هذه المرحلة إلى الإنتاج التجاري يبقى مشروطاً بسلسلة من التقييمات اللاحقة، قد تؤكد الجدوى الاقتصادية أو تستدعي مراجعة المسار، وهو أمر شائع في صناعة الطاقة عالمياً.
وعليه، فإن الإعلان بحد ذاته لا يشكّل تحوّلاً في ميزان الطاقة، بقدر ما يمثل بداية اختبار تقني تتحدد نتائجه مع الزمن.
استعادة أدوات العمل الأساسية
اللافت في الإعلان، بحسب العلي، هو التأكيد على تنفيذ أعمال الحفر عبر كوادر وطنية وباستخدام حفارة أُعيد تأهيلها محلياً بعد توقف طويل. ووفق تصريحات وزير الطاقة المهندس محمد البشير، فإن هذا التوجّه يعكس محاولة لإعادة تفعيل أدوات العمل الأساسية في قطاع تعرّض لتآكل كبير على مستوى المعدات والخبرات البشرية.
ويرى العلي أن إعادة تشغيل حفارة محلية لا تعني تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولا تلغي الحاجة المستقبلية إلى شراكات تقنية متقدمة، لكنها تشكّل خطوة ضرورية للحفاظ على المعرفة المتراكمة، وتقليص الكلفة التشغيلية في المراحل الأولى من العمل.
الإطار الزمني للإنتاج
أما التوقعات المتداولة حول إمكانية بدء الإنتاج خلال نحو خمسة أشهر، فيرى العلي أنها يجب أن تُقرأ مهنياً بوصفها تقديراً مشروطاً، لا وعداً نهائياً، فالانتقال من الاستكشاف إلى الإنتاج يتطلب عادة استكمال مراحل تقييم إضافية، وقد يستلزم حفر آبار تطويرية وتجهيز مرافق معالجة وربطها بالشبكة، وهي عناصر لم يتطرق إليها الإعلان.
وبناءً على ذلك، فإن أي مساهمة محتملة في تحسين واقع الإمدادات، في حال تحققت، ستكون تدريجية ومحدودة الأثر على المدى القصير.
إمكانات محدودة ذات جدوى
ويزداد هذا التوصيف واقعية عند النظر إلى الموقع الجغرافي للمشروع، إذ لا يُعدّ ريف دمشق تاريخياً من الأحواض الغازية الكبرى مقارنة بمناطق أخرى، إلا أن ذلك لا ينفي إمكانية وجود مكامن صغيرة أو متوسطة يمكن استثمارها لتغطية احتياجات محلية، أو لتخفيف الضغط عن الشبكة في نطاق جغرافي محدد.
ما وراء أرقام الإنتاج
يشدد الدكتور العلي على أن تقييم مثل هذه المبادرات لا ينبغي أن يقتصر على حجم الإنتاج المتوقع فقط، بل يجب أن يشمل آثارها غير المباشرة، كتحسين انتظام التغذية، وتقليل بعض تكاليف النقل، ودعم قطاعات إنتاجية تتأثر مباشرة بتوافر الطاقة.
وفي اقتصاد يعاني من اختناقات مزمنة، قد يكون للأثر الجزئي والمتدرّج قيمة عملية ملموسة، حتى وإن لم ينعكس مباشرةً على المؤشرات الاقتصادية الكلية.