الحرية – لوريس عمران:
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو ملامح المرحلة القادمة للاقتصاد السوري، تبرز ملفات الطاقة كحجر زاوية لا يقبل القسمة على اثنين في معادلة الاستقرار والتنمية.
وفي قراءة تحليلية للمشهد، أكد الخبير الاقتصادي في جامعة اللاذقية الدكتور علي ميا أن قطاعي النفط والغاز يمثلان العمود الفقري للدولة السورية، معتبراً إياهما المورد الاستراتيجي الأول الذي يلامس جوهر السيادة الوطنية ويرسم خارطة الطريق للتعافي الشامل.
رافعة الخزينة وبوابة العملة الصعبة
يرى الدكتور ميا أن الأهمية المالية لهذا القطاع تتجاوز كونه مصدراً للطاقة، فهو المحرك الأساسي لرفد الميزانية العامة للدولة بالإيرادات السيادية، مبيناً أن التاريخ الاقتصادي السوري يثبت أن الاعتماد على تصدير النفط الخام كان الضمانة الأكبر لتأمين القطع الأجنبي اللازم لاستيراد السلع الاستراتيجية، وهو اليوم يمثل الأمل الأكبر لتمويل مشروعات إعادة الإعمار وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين الذي تضرر بفعل سنوات الحرب والحصار.
من عجز التقنين إلى كفاية الإنتاج..
وفي سياق متصل بالواقع الخدمي أشار ميا لـ”الحرية” إلى أن قطاع الكهرباء في سوريا يرتبط وجودياً بالغاز الطبيعي والفيول، حيث تعتمد 14 محطة توليد موزعة على الجغرافيا السورية بشكل شبه كامل على هذه الموارد، لافتاً إلى أن تأمين الغاز محلياً يشمل ضرورة قصوى لإنهاء أزمة “التقنين” التي أثقلت كاهل المواطن، بالتوازي مع دوره الحيوي في دوران عجلة الصناعة في الحواضر الكبرى كحلب وحمص، إذ يسهم توفر المشتقات النفطية في خفض تكاليف التشغيل وضمان استدامة الإنتاج الوطني.
حق سيادي وإدارة حكومية حتمية..
تتقاطع رؤية الخبراء مع التوجهات الرسمية التي صاغتها وزارة النفط مؤخراً، حيث استعرض الدكتور ميا دلالات تصريح معاون وزير الطاقة لشؤون النفط المهندس غياث دياب، الذي شدد على أن الثروة النفطية هي ملكية عامة وحق سيادي للشعب السوري. مضيفاً إن هذا التصريح يؤكد حتمية عودة جميع الحقول والمنشآت إلى إدارة الدولة المباشرة، كشرط أساسي لضمان التوزيع العادل للثروة، بالإضافة إلى استقرار المنظومة الكهربائية، وتوفير الوقود للقطاعات الخدمية بكفاءة وشفافية.
احتياطيات واعدة
وأشار الدكتور ميا إلى أن سوريا تمثل عقدة ربط طبيعية وممراً استراتيجياً لأنابيب الطاقة من الخليج والعراق نحو الأسواق العالمية، مبيناً أن ظهور المؤشرات حول وجود احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية (غاز شرق المتوسط)، يبين أن سورية تقف على أعتاب تحول جذري قد يجعلها لاعباً إقليمياً مؤثراً في سوق الطاقة العالمي، ما يعزز من مكانتها السياسية والاقتصادية على حد سواء.
رغيف الخبز ودفء الشتاء..
وفي ختام حديثه شدد الخبير الاقتصادي على أن إشراف الدولة المباشر على مواردها يشكل الضمانة الأساسية لتأمين الاحتياجات اليومية للمواطن، ولا سيما مازوت التدفئة، وبنزين النقل، وغاز الطهي.
ولفت إلى أن هذه الملفات تمس جوهر الاستقرار المعيشي، ما يجعل استعادة زمام المبادرة في قطاع الطاقة معركة سيادة وطنية بامتياز، هدفها النهائي تحقيق الرفاه للمواطن السوري، وصون مقدرات الوطن، وحماية حقوق الأجيال القادمة.