الحرية – بشرى سمير:
في قلب المأساة السورية كان هناك إنسان استثنائي يحمل في قلبه شعلة الحرية، وفي روحه قوة لا تُقهر. إنه الثائر السوري الذي أصبح رمزاً للتحدي والصبر في وجه آلة قمع شاملة حاولت كسر إرادته، لكنها فشلت في اختراق عزيمته.
مواجهة آلة الظلم
يقول الدكتور عماد سعيد أستاذ في قسم التاريخ جامعة دمشق لـ”الحرية”: وقف الثائر السوري في البداية مطالباً بالكرامة والحرية في وجه نظام استبدادي لم يتورع عن استخدام كل أدوات القمع لإسكات الأصوات المطالبة بالتغيير.. واجهت هذه الإرادة الشعبية السلمية في البداية رصاصاً حياً وتعذيباً ممنهجاً في السجون.
وأضاف: تحولت زنزانات النظام إلى مسالخ بشرية. لكن الغريب في الأمر أن كل جلدة سوط وكل صدمة كهرباء وكل ألم تعذيب لم تزد الثائر السوري إلا إصراراً على مواصلة مسيرته.

تحمل التعذيب
وأشار سعيد إلى أن الثائر اختبر أقسى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، حيث أصبحت مقاربة الموت أهون من الوقوع في الأسر.
وبين سعيد أن قصص الناجين من سجون النظام البائد تحكي عن مراحل من العذاب تتجاوز طاقة التحمل البشرية، لكنها تظهر أيضاً كيف يمكن للإرادة الإنسانية أن تتحول إلى حصن منيع، إذ تحمل هؤلاء ما لا يتحمله البشر من أجل الحفاظ على كرامتهم ومواقفهم.
التهجير القسري
امتحان الوجود عندما فشل التعذيب في كسر الإرادة، ولفت سعيد إلى أن التهجير القسري جاء كسلاح آخر لاقتلاع الشعب من جذوره، حيث نزح ملايين السوريين داخل وخارج وطنهم، حاملين معهم جراح الغربة ولوعة الفراق، لكن حتى في مخيمات النزوح، ظل حلم العودة والتحرير يشتعل في قلوبهم. وأصبح الشتات السوري مدرسة للصبر والإصرار، حيث حمل المنفيون معهم حلم الحرية كأثمن ما يملكون.
هدم المنازل
لم يكتف النظام بتعذيب الأجساد وتهجير البشر، بل لجأ إلى هدم المنازل والأحياء السكنية بأكملها، في محاولة لمحو الذاكرة الجغرافية وتفكيك النسيج الاجتماعي، وتحولت المدن والبلدات إلى ركام، لكن الغريب أن بيوت الذكريات تهدمت، بينما بيوت الكرامة في القلوب بقيت صامدة. لقد فهم الثائر السوري أن الوطن ليس مجرد حجارة وأسقف، بل هو قيم وكرامة وحرية.
صبر أسطوري
لنيل الحرية، ربما تكون أبرز سمات الثائر السوري هي صبره الأسطوري الذي تحول إلى ظاهرة تستحق الدراسة، من صبر على القمع، صبر على الخسارة، صبر على الغربة، وصبر على انتظار الحرية.
هذا الصبر لم يكن سلبياً أو مستسلماً، بل كان صبراً نضالياً يحمل في طياته الاستمرار في المقاومة بكل أشكالها المتاحة.
قوة لا تُقهَر
تكمن قوة الثائر السوري في قدرته على تحويل المعاناة إلى منبع للإرادة، والألم إلى وقود للمقاومة. لقد أظهر أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح أو القمع، بل في القدرة على الصمود والحفاظ على الإنسانية في أحلك الظروف. لقد أثبت أن الشعوب عندما تؤمن بحقها في الحرية والكرامة، لا يمكن لأي قوة في العالم أن تسلبها إرادتها
إيمان وتجذر بالأرض
ترى الباحثة الاجتماعية، مروة الخراساني أن قدرة الثائر السوري الجبارة وصموده ينبعان من قدرة التحمل الاستثنائية التي يمتلكها وسببها الترابط المجتمعي والتكافل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام البائد، إضافة إلى التجذر التاريخي في الأرض والهوية المحلية· القدرة على التكيف مع الظروف القاسية وتطوير حلول بديلة للخدمات الأساسية وإيمانه المطلق بعدالة ثورته وشرعيتها، إضافة إلى العوامل التنظيمية بناء هياكل حكم محلية (المجالس المحلية، الإدارة المدنية)، ووضع حكومة إنقاذ في المحرر، وتطور منظمات المجتمع المدني رغم الظروف الصعبة. وكان هناك إبداع في التنظيم تحت الظروف الأمنية والاقتصادية الصعبة مع الحفاظ على الكرامة الإنسانية.
وختمت الخراساني: الثائر السوري يمثل أنموذجاً للصمود الإنساني في ظروف بالغة القسوة، وخاصة أنه نال الحرية بعد صمود دام ١٤ عاماً، واليوم وبعد التحرير وسقوط النظام لاتزال الثورة مستمرة ضد الفساد.
ورغم التحولات الدراماتيكية التي شهدتها سوريا، يبقى جوهر الثورة – المتمثل في المطالبة بكرامة الإنسان وحياة خالية من الفساد والاستبداد – حاضراً في التحديات الراهنةو نجاح إعادة الإعمار مرهون بقدرة السوريين على تحويل دروس الصراع إلى فرصة لبناء دولة المؤسسات والقانون، حيث يكون الفساد والخراب مجرد ذكرى من ماض لن يتكرر. الطريق طويل وشاق، لكنه السبيل الوحيد لسوريا جديدة تستحقها الأجيال القادمة.
.إن نضال الشعب السوري سيبقى في ضمير الإنسانية شاهداً على أن إرادة الشعوب أقوى من كل أدوات القمع، وأن شعلة الحرية لا يمكن لإرهاب الدولة أن يخمدها.