من حبات العنب إلى فرص حياة… مبادرة نسائية تنعش الريف السوري

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – نهلة أبو تك:
تحوّلت حبات العنب إلى مصدر رزقٍ واستمرارية لامرأة ريفية قررت أن تصنع الفرق بيديها، مستثمرة محصول كرمها الصغير لتؤسس مشروعاً منزلياً بسيطاً أتاح لها مورد دخلٍ ثابتاً، وأعاد الحياة لموروث قروي كاد يندثر.

في منزلها المتواضع، بقرية شريفا تبدأ سعاد خليل (47 عاماً) يومها مع بزوغ الشمس، تقطف العناقيد بعناية من كرمها الممتد خلف الدار، ثم تنقلها إلى ركنٍ مخصص للفرز والغسيل، حيث تبدأ رحلة التحويل من ثمرةٍ إلى منتجٍ غذائي تقليدي.
تقول سعاد: كنت أبيع العنب طازجاً كل موسم بسعرٍ لا يغطي تكاليف الخدمة، فقررت أن أجرّب تصنيع دبس العنب، وبعد نجاحه بدأت أنتج الزبيب والمربى والعصير وحتى خل العنب، ومع الوقت صار المشروع مصدر رزقٍ حقيقي لعائلتي.

صناعة من العنب.. بإتقان يدوي ونكهة تراثية

تبدأ صناعة دبس العنب، كما تشرح سعاد، باختيار العناقيد الناضجة وعصرها جيداً، ثم يُصفّى العصير الناتج ويُغلى على نارٍ هادئة حتى يتكاثف ويتحوّل إلى قوام لزج ذي لون غامق وطعمٍ حلوٍ مركز، ليصبح جاهزاً للتعبئة والاستخدام في المائدة الريفية التقليدية.
إلى جانب الدبس، تصنع سعاد الزبيب بطريقة تقليدية تُجفف فيها حبات العنب على أسطح القش تحت أشعة الشمس، كما تعبئ عصير العنب الطبيعي يدوياً بقطعة قماش ، وتُعدّ مربى العنب بنكهات موسمية محلية، فيما لقي خل العنب رواجاً في الأسواق القريبة بفضل نقاوته وطعمه.

مشروع صغير… بروح كبيرة

لم يتوقف نشاط سعاد عند ذلك، إذ تستفيد أيضاً من بيع أوراق العرائش (الدوالي) التي تلقى إقبالاً واسعاً في موسمها. وتعمل على إشراك بناتها الثلاث في جميع مراحل العمل، ليصبح المشروع عائلياً بامتياز، يجمع بين المهنة والإرث، ويغرس في الجيل الجديد قيمة الاعتماد على الأرض بدل انتظار الوظيفة أو المساعدة. وتضيف سعاد بابتسامة رضا: تعلمنا من نساء الريف القديمات ألّا نهدر أي جزء من المحصول. الفائض من العنب جعلني أفكر بالمستقبل، فكل حبة يمكن أن تتحول إلى منتج له زبائنه.

نموذج للتمكين الريفي

رغم بساطة الإمكانات، نجحت سعاد في تحويل مشروعها المنزلي إلى مورد مستدام ساعد في تحسين وضع أسرتها المعيشي، وأسهم في تشغيل نساء أخريات من القرية خلال مواسم الإنتاج، ما جعلها مثالاً حيّاً على قدرة المرأة الريفية على خلق فرص عمل من مواردها البسيطة.
تؤكد سعاد أن مثل هذه المبادرات تستحق الدعم الفني والتمويلي من الجهات المعنية، ولاسيما الجمعيات المهتمة بتمكين النساء وتنمية الريف، لأن النجاح لا يحتاج رأسَمال كبيراً… بل فكرة صادقة وإرادة قوية.
بهذه التجربة، تبرهن سعاد خليل أن العنب ليس مجرد محصول موسمي، بل فرصة حياة يمكن أن تنعش القرى السورية وتعيد للريف دوره الإنتاجي الأصيل

Leave a Comment
آخر الأخبار