الحرية – سامي عيسى – مركزان الخليل:
ما يثير الاستغراب وبعض الحيرة، أنه طوال السنوات السابقة كان التهميش الكبير لدور رجال الأعمال ومجالسهم المتخصصة على نطاق واسع، في قيادة دفة الاقتصاد السوري، أو حتى المشاركة بفاعلية أكبر لتطويره، ورفع معدلات التنمية فيه، خلال العقود الماضية سواء على مستوى النشاط الاقتصادي الوطني، أو المساهمة بأعمال التنمية المختلفة، سواءً كان هذه التهميش مقصوداً أم لا..!
وبالتالي إذا كان مقصوداً، فهو يؤكد حالة السيطرة عليه من قبل أصحاب النفوذ والمصالح الخاصة، التي رافقت تلك المراحل، وإذا كان خلاف ذلك فهو يؤكد مسؤولية رجال الأعمال في تقاعسهم وابتعادهم عن تحمل المسؤولية الوطنية، وفي كلتا الحالتين من يتحمل المسؤولية التاريخية أمام ما حصل بالأمس، وما يحصل اليوم، وما سيحصل في المستقبل “هم” على اعتبارهم حالة إنتاجية واقتصادية مستمرة من جهة، ومكوناً قيادياً من جهة أخرى، وذلك من خلال المشاركة الواسعة في عمليات الإنتاج والتنمية، ورؤوس الأموال المستثمرة، والقاعدة العمالية الواسعة التي تستوعبها سنوياً.
صور شكلية
لكن للأسف الشديد نحن في سورية، نلاحظ تراجعاً واضحاً في دور رجال الأعمال والتي تجمعهم صور شكلية بهيئة مجالس رجال أعمال لم تأخذ دورها الحقيقي في قيادة دفة الاقتصاد الوطني، ولا حتى المشاركة فيها كما ينبغي لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق برجال الأعمال، ومنها ما يتعلق بسلطة الحكومة وسياساتها في التعاطي مع أصحاب رأس المال، ورجال الأعمال ومصالحهم الشخصية..
حالة اقتصادية متنوعة ومكون قيادي يستوعب رؤوس أموال وفرص عمل ولادة حال التنفيذ الفعلي..!
وبالتالي هذا الأمر يقودنا للدخول في الموضوع، والحديث عن دور مجالس رجال الأعمال التي سمعنا عنها الكثير، وإصدار عشرات قرارات التشكيل للمجالس خلال العقود الماضية، لكن للأسف الشديد الترجمة كانت سيئة، والنتائج أسوأ، لعلنا ندرك بعض أسبابها المتعلقة بفساد الإجراءات والإدارات، والتي تختبئ خلفها مصالحها الشخصية، وهذه أدت بالضرورة إلى هروب رؤوس الأموال الوطنية، ومعها رجال الأعمال، وخاصة أصحاب الفكر الاقتصادي والأهم الإنتاجي منها..!
صلة وصل
وبالتالي هذا رأي يحمل بعض الدلالات عن خبرة ومعرفة في هذا المجال، لكن رأي أهل الكار لا يبتعد عنه كثيراً، حيث يرى ياسر كريم عضو غرفة تجارة دمشق، أن ظاهرة تشكيل مجالس رجال الأعمال منتشرة في معظم بلدان العالم، إلى جانب غرف التجارة، باعتبارها صلة وصل، بين رجال الأعمال في بلدان تجمعهم مصالح مشتركة، في كلا الدولتين في مجالات مختلفة، منها الصناعي والزراعي، والتجاري والخدمي وغير ذلك، ومهمة المجالس توحيد الرؤى والمشروعات والمشاركة في تنفيذها خدمة لكافة الأطراف، وتحقيق نتائج يستفيد منها الجميع، وهنا يمكن القول إنها حلقة وصل مكملة للعلاقات، والاتفاقيات التي تبرم بين دولتي الطرفين.
كريّم: مجالس رجال الأعمال حالة اقتصادية لم نحسن استثمارها.. بل شكلت خلاصة فساد إداري واقتصادي وسياسي مربوط بمواقع النفوذ
وأضاف كريم: إن هذه الصورة للمجالس الحقيقية لم تثمر سابقاً بالشكل المطلوب نتيجة التداخلات الكثيرة، وما نجم عنها من فساد إداري وسياسي واقتصادي، وهذا بدوره شكل طبقة من رجال الأعمال، همها المنفعة الخاصة، وربطت مصالحها من خلال الرؤية الخاصة بها للمشاريع التي تنفذها، ناهيك بتدخل أهل السياسة والإدارة بها، ما أدى لوجود مجالس رجال أعمال مشوهة يقودها فكر اقتصادي نفعي، مرتبط بأهل السياسة الخاطئة في ظل العهد السابق، الأمر الذي أفقدها المصداقية لدى البلدان الأخرى، مما أدى لتراجع دورها بصورة واضحة، وأصبحت مجالس مهمشة، غير قادرة على إنضاج أي فكرة اقتصادية، وحتى نحقق هذا النضوج في المجالس، لابد من الاعتماد على رجال الأعمال الأكفاء في السياسة والمال والاقتصاد، وخاصة أن هذه المجالس تشكل ضرورة وطنية لما تشكله من حالة اقتصادية، ورباط قوي مع العالم الخارجي والذي من شأنه تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الخارجية.
والذي يعزز هذه القوة الحظوة من الدعم الذي تلقاه من الحكومات لتنفيذ القرارات والاتفاقيات التي تتم عن طريقها، لكن للأسف الشديد خلال الفترة الماضية شاهدنا تشكيل مجالس رجال أعمال، وسمعنا عنها كثيراً عرفنا رجال أعمال من سوريا، لكن الأطراف الأخرى لم نرها أبداً “منها على سبيل المثال الصيني الإماراتي والعماني وغيرها كثير..”
لذلك نسعى اليوم لإيجاد مجالس رجال أعمال بنيتها صحيحة، منطقية قائمة على المصداقية والخبرة، تضم خيرة رجال الأعمال الوطنيين، وبعيد كل البعد عن أهل “النفوذ والسلطة..!” والأهم من ذلك أصحاب علاقات واسعة ونافذة مع الدول الأخرى ذات الصلة، قادرة على بناء علاقات ذات منفعة متبادلة تحقق المصلحة المشتركة لكل الأطراف.
عفيف: مجالس لا لون لها ولا طعم.. واجهة لفساد ممنهج يرضي أصحاب السلطة والنفوذ.!
مجالس مشوهة
وضمن المجال ذاته يقودنا الخبير التنموي أكرم عفيف بالحديث نحو حقيقة لابد من ذكرها تتعلق بالعهد البائد وكيفية تشكيل المجالس، نجد أنها تقوم على أساس العلاقات الشخصية في أغلبها، وأنها مجالس رجال أعمال لا “لها طعم ولا لون” باعتبارهم واجهة للفساد الحكومي يعملون بطرق مختلفة ومخجلة كثيراً، إرضاءً لأصحاب السلطة، فكانت خطواتهم الإجرائية والتنفيذية مدروسة بدقة خدمة للمصالح الشخصية، وإدارة أعمالهم بطريقة تخدم الصالح الخاص، لكن بصورة تشرعنها بقوالب عامة، تحت مسميات مختلفة، تظهر فاعلية هذه المجالس لخدمة الدولة والمجتمع على السواء، وإن ظهر الخاص منها فهي مغلفة تحت راية المصلحة العامة، بحيث ينفذون أجندة اقتصادية اجتماعية، هدفها خدمة التنمية المستدامة في البلد من جهة، وتحسين مستويات الدخل من جهة أخرى، هذه الصورة “لبوس” معظم مجالس رجال الأعمال، دون أن ننكر أن هناك رجال أعمال يسعون بالفعل لخدمة الصالح العام مع الحفاظ على مصالهم، من خلال تنفيذ مشاريع تنموية مرتبطة بالمشروعات الأسروية، التي ظهرت خلال الفترة الماضية ومازالت مستمرة، وتقديم الدعم اللازم من قبل رجال الأعمال وفق ظروف قانونية وإجرائية تكفل نجاح المشروع التنموي الأسري لكن “للأسف الشديد” هؤلاء “قلة قليلة” من وسط كم هائل من رجال الأعمال، لهذا السبب غالباً ما تظهر هذه المجالس بصورة مشوهة اقتصادياً، واجتماعياً وغير ذلك كثير من صور التشوه..!
بوابة عبور
وأضاف عفيف لو أخذت هذه المجالس دورها الفعّال والصحيح، وفق منهجية اقتصادية واجتماعية بحتة، لشكلت قوة اقتصادية هائلة، يمكن من خلالها العبور لأوسع الأسواق العالمية، وتقديم المنتج الوطني بصورة تحقق له الانتشار الواسع متسلحاً بضوابط السوق” الجودة – والسعر والنوعية” نذكر على سبيل المثال التجربة الحلبية في هذا المجال حيث قدمت صورة جيدة للتعاون في هذا المجال، وخاصة تعاون رجال الأعمال، للمساهمة في تنمية المشروعات الأسرية، التي حققت انتشاراً واسعاً ليس في السوق المحلية فحسب، بل وصلت إلى أسواق مهمة جداً.
واليوم هذا الدور تراجع كثيراً لأسباب مختلفة منها، حالة عدم الاستقرار، وعدم وضوح بيئة الاستثمار بالصورة التي تهيئ لولادة مجالس أعمال وطنية، قادرة على ممارسة دورها التنموي والاقتصادي والاجتماعي، وفق رؤى مشتركة تقودها الدولة، فهم يملكون عقلية متنورة، وأفكاراً محفّزة، يمكن البناء عليها لتعاون مثمر يخدم الصالح العام بالدرجة الأولى والذي يشغل اهتمام الجميع، حكومة وفعاليات اقتصادية واجتماعية، وصولاً إلى المواطن والذي هو الغاية والهدف من الإجراءات وأعمال التنمية.
شعيب: غياب شبه كامل لمجالس رجال الأعمال في حل الأزمات.. وإن وجدت فهي مغلفة بمصالح شخصية ومنفعة مشكوك بها..!
دور مشكوك فيه
ويشاطره الرأي المهندس “جمال شعيب” الخبير الاقتصادي، وخاصة تجاه الدور الذي يلعبه مجالس رجال الأعمال في مجال أعمال التنمية، والمساعدة في تأمين بيئة الاستثمار المشجعة، وتحمل الأعباء ومسؤوليات المرحلة، في ظل ظروف صعبة مرت بها سورية سابقاً، ومازالت تمر بظروف أصعب تحتاج لجهود الجميع، فكيف هي الحال لرجال الأعمال “ومجالسهم الكثيرة”، الذين تخلوا عن أهم مقومات وجودها والتي تكمن في الدخول إلى عالم تشاركية الغير، والتفاعل معها، لتأمين المطلوب لتحسين وتقوية ظروف الاقتصاد ومساعدة الدولة في أداء الواجب الاقتصادي والاجتماعي، في ظل ظروف أقل ما نسميها صعبة، وهنا تتجسد الحالة الأخلاقية والوطنية لأعضاء هذه المجالس، ونحن لا نشك مطلقاً بذلك، لأن الجميع يهمهم الوطن وقوة اقتصاده، لكن زوايا ذلك تختلف من شخص لآخر, ومن رجل أعمال لغيره، وهنا المشكلة التي لم نستطع فيها توحيد الرؤى تجاه الواجب الوطني من جهة، وبين المصالح والمنفعة الشخصية من جهة أخرى، بدليل غياب شبه كامل لدور مجالس رجال الأعمال حالياً، إلا ما ندر ووفق خطوات ورؤى تندرج تحت بند ما يؤمن لهم ديمومة دوران عجلة رأس مالهم، وتحقيق عوائد تخدم مصالحهم, وإن كانت مغلفة ببعض المصالح الوطنية، “وهنا لا أعمم” فهناك من مجالس الأعمال من قدم الكثير من المبادرات والمساعدات، لكنها خجولة في معظم الأحيان، لأن حالة الكل والجمع ليست على الأرض السورية، بل في أراضٍ أخرى تبني اقتصادات بلدان وتقوي إنتاجيتها ووجودها في الأسواق الخارجية..!
وأضاف شعيب: لدينا العديد من المجالس، نسمع بها ونطرب لأدائها الخلبيّ، وفي حقيقة الأمر كل ذلك لا يحرك الحالة الاقتصادية، ولا حتى الحالة الاجتماعية في ظل أزمة نحتاج فيها لجهود الجميع، فكيف الحال بأهل المال والاستثمارات السورية المهاجرة بفعل الأزمات المتلاحقة، والتي تعود بمجملها إلى أهل المجالس وما ينضوي تحت عباءتهم من رجال اقتصاد وتجار وصناعيين، الذين يتقاسمون لغة المصالح والمنفعة ولغة التقصير المتعمدة أيضاً..
رأي
وهنا لا نريد أن نغفل الدور الحكومي في تقديم الكثير من الإجراءات، واتخاذ القرارات التي تدعم وجود دور هذه المجالس، من أجل المساهمة والمساعدة في تعزيز قوة الإنتاج، وتنشيط الحياة الاقتصادية التي تعكس فائدتها على الجميع، لكن للأسف الشديد الغالب دائماً هو الصالح الخاص على العام، وتفضيل المنفعة الشخصية على العامة، على الرغم من تعدد الأوجه وأقنعتها التي تحمل الكثير من خطوات التشجيع، لنمو هذه القوة الاقتصادية بشكلها الواقعي، والمطلوب من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
وبالتالي هذا لن يتم إلا بوجود إدارة نزيهة وخبيرة، في الإدارة والاقتصاد تستطيع قيادة المرحلة الحالية والقادمة، وتنتقي الخبرات والكفاءات المطلوبة، لتشكيل هذه المجالس وفق رؤية مشتركة، تقوم على المنفعة العامة والتي تهدف في نهاية المطاف لخدمة الدولة والمجتمع.