مدنيون يروون معاناتهم وطرق مقاومتهم لنظام أجرم أربعة عشر عاماً بحق البشر والحجر

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية- علاء الدين إسماعيل:

“أنعي اليكم قرة عيني، وروح فؤادي، ومن هي سبيلي إلى الجنة بإذن الله”،
بهذه الكلمات بدأ الأستاذ محمد ياسر شريط من مدينة إدلب، رثاء ابنته الوحيدة جود، خلال حديثه لصحيفة الحرية.
وقال: نعيت ابنتي جود عبر حسابي الشخصي على منصة فيس بوك، عقب استشهادها بقصف غادر من قبل قوات نظام الأسد البائد، الذي استهدف منزلنا في حي الضبيط أحد أحياء مدينة إدلب، في ليلة السابع من شهر أيلول من العام 2021.
مضيفاً: استشهدت جود عن عمر 21 سنة، خلال دراستها للمرحلة الجامعية في جامعة إدلب، حيث قضى نظام الأسد البائد على أحلام جود وأحلامنا أيضاً.
وأشار شريط: لقد سقطت قذيفة مدفعية غادرة، مصدرها معسكرات قوات نظام الأسد البائد في مدينة سراقب، خلال تواجدها على سطح المنزل، وبيدها كتابها حيث كانت تدرس هناك مساء ذلك اليوم، إذ وثقت بعدسة هاتفها آخر الصور لمدينة إدلب، وكتبت عبر حسابها الشخصي على منصة فيس بوك، آخر بصمة لها عبر كلماتها، بثتها لكلّ من يعرفها قبل استشهادها بـ10 دقائق، كما هو مثبت على صفحتها: اللهم خيراً في كل اختيار، ونوراً في كل عتمة، وتيسيراً لكل عسير، وواقعاً لكل ما نتمنى، اللهم بحجم جمال جنتك، أرني جمال القادم في حياتي، وحقق لي ما أتمنى، وأشرح لي صدري، اللهم الرضا الذي يجعل قلوبنا هادئة، وهمومنا عابرة، ومصائبنا هينة.

نظام الأسد حوّل صوامع الحبوب من مصدر للعيش إلى معسكرات للموت

وقبل خمسة أعوام نعى الأستاذ ياسر شريط ابنه أنس البالغ من العمر 19 عاماً، الذي استشهد تحت التعذيب في سجون النظام البائد، بعد اعتقاله تعسفياً لسنوات عديدة.

سياسة حقيقية
“الأسد أو نحرق البلد”.. لم يكن تعبيراً مجازياً أطلقه جنود بشار الأسد وموالوه حماسةً وانتهى، بل كان سياسةً حقيقيةً اتبعوها ضد أي منطقة عارض أهلها الأسد، ليستخدموا معها مختلف أنواع الأسلحة ويذيقوها ويلات الحرب، ويصبح الانتماء لها تهمةً تستوجب الاعتقال والإخفاء القسري أو الإعدام ميدانياً.

في مدينة سرمين شرقي إدلب والملاصقة لمدينة سراقب بمسافة لا تتجاوز ثلاثة كيلو مترات، أوضح معاوية حسن آغا (متزوج ولديه سبعة أولاد)، بأنه دائماً يعيش حالة الخوف من القصف، وخاصةً على أطفاله الصغار في المدارس، إذ كان في بعض الأوقات يطلب منهم التغيب عن المدرسة، بسبب القصف المدفعي والصاروخي الذي كان يشنّه معسكر قوات نظام الأسد البائد، في صوامع الحبوب في مدينة سراقب المجاورة.
ويضيف في كثيرٍ من الأوقات كنت أترك عملي وأذهب من أجل تأمين أولادي أثناء خروجهم من المدرسة، بسبب الخوف عليهم من القصف والاستهداف، شعور الخوف دائماً يلاحقني أثناء خروجي من مدينة سرمين إلى عملي خوفاً على عائلتي، يومياً لدينا شهداء وجرحى بسبب القصف.
مشيراً إلى أنّ هذا الشعور السيئ يقضي على الأمل في الحياة والاستمرار بها، والتخلص من شعور الخوف من القصف أصبح معجزة في تلك الأيام.
مؤكداً بعد تحرير سوريا وسقوط النظام البائد، عاد لنا الأمان بعد التخلص من معسكرات النظام البائد، وخاصةً معسكر صوامع الحبوب في مدينة سراقب، التي كانت مصدراً للحبوب والطحين وغذاء الأهالي، إذ إن نظام الأسد البائد حوّلها إلى معسكرات ومصدراً لموت الأبرياء.

“المرصد”
بدوره أفاد المرصد أبو عمر المعروف لدى كافة المدنيين في محافظة إدلب، بمرصد المحافظة: بالنسبة للقصف على مدينة إدلب، كانت قوات نظام الأسد البائد، تتحدث فيما بينها عبر أجهزة الاتصال اللاسلكية، عبر ترددات خاصة قبل أن يتم التجهيز للقصف، لبعض أحياء مدينة إدلب والمناطق المجاورة كمدينة سرمين ومدينة أريحا.
منوهاً بأنه عند قيام غرفة عمليات ردع العدوان بتحرير مدينة سراقب، اكتشف وجود غرفة عمليات عسكرية في أحد بيوت المدنيين في المدينة، ووجدوا فيها سجلات عسكرية موثقاً فيها أسماء ضباط وعناصر من قوات نظام الأسد البائد، الذين كانوا يستهدفون المدنيين الأبرياء في المناطق السكنية، براجمات الصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة، مؤكداً توثيق تلك الأسماء وإيداعها بغرفة عمليات ردع العدوان.
وأردف المرصد بأنه كان يتنصت على ترددات المقرات والمعسكرات التابعة لنظام الأسد البائد، ويعمم عبر القبضات اللاسلكية إلى جميع المدن والبلدات والقرى، بأخذ الحيطة والحذر وفض التجمعات في الأسواق، حفاظاً على المدنيين وللتخفيف من الخسائر البشرية أثناء حدوث قصف.
سياسة الأرض المحروقة لم تكن هدف قوات نظام الأسد البائد في مواجهة فصائل الثورة فحسب، بل إلحاق أوسع دمار ممكن وقتل أكبر عدد ممكن وتشريد أعظم عدد ممكن في كلّ منطقة خرجت عن سيطرة النظام.
ودليل ذلك اتباعها سياسة الأرض المحروقة مراراً وتكراراً، عبر قصف المدن والبلدات بأسلحة ذات تأثير عشوائي غير دقيق، من قذائف وصواريخ وقنابل عنقودية وبراميل متفجرة.
مديرة روضة آفاق كراميل براءة باطوس من مدينة إدلب شرحت للحرية قائلة: خلال لحظات قصف قوات نظام الأسد البائد للمدينة، واستهداف أحيائها السكنية براجمات الصواريخ وقذائف المدفعية، كانت إدارة الروضة تتبع عدة خطوات وإجراءات، بهدف حماية أطفال الروضة، لكون أعمارهم صغيرة ما بين ثلاث وخمس سنوات، وفي الحالة العادية هؤلاء الأطفال عندما يسمعون صوتاً عالياً لإحدى السيارات وبشكل فجائي، خلال عبورها من الشارع المجاور، فإنهم يشعرون بالخوف تلقائياً، فكيف إذا سمعوا أصوات القصف بالقذائف والصواريخ؟… .
كنا نعاني كثيراً من تلك اللحظات، وحالات خوف لدى الأطفال الصغار تشعرنا بالعجز.
ونتيجة لذلك وضعنا خططاً وبرامج لمساعدة الأطفال بالمحافظة عليهم، وعلى حياتهم وهدوئهم وثباتهم وصحتهم النفسية، بالتوازي مع محافظتنا على عدم انفعالنا النفسي أمامهم، حتى لا نشعرهم أننا خائفون من القصف، وبطبيعة الإنسان البشرية الشعور بالخوف، لكن كان دورنا كإدارة روضة مغاير لذلك- حسب وصفها.
وأكدت باطوس أنّ المشكلة الكبيرة كانت نقل الأطفال إلى الروضة، أو إعادتهم إلى منازلهم بعد انتهاء الدوام، ففي مرات عديدة حصل قصف واستهداف لأحياء مدينة إدلب، أثناء قدوم الأطفال إلى الروضة، أو أثناء عودتهم إلى منازلهم، الأمر الذي كان يسبب قلقاً كبيراً، خوفاً من إصابتهم، وكان الجميع يعيشون على أعصابهم حتى يصل الأطفال بخير وسلامة.

في سياق متصل أفاد الطالب الجامعي مهدي النداف المهجر من مدينة مورك بريف حماة الشمالي، إلى مدينة إدلب: لدي مع مجموعة من زملائي مركز لرعاية الأيتام لمتابعة تعليمهم، وخصوصاً في مواد الرياضيات واللغة العربية، حيث نقدم لهم ما نستطيع من علم، بهدف تخفيف الأعباء المادية عليهم بالدورات الخصوصية المأجورة، مضيفاً خلال جميع حملات القصف التي كانت تستهدف مدينة إدلب، من معسكرات النظام البائد في مدينة سراقب، لم نترك المركز بل كنا أنا وزملائي نعمل على تقسيم المجموعة إلى فريقين:
الأول يبقى داخل المركز ويعمل على سلامة الطلاب الأيتام، وتهدئتهم حتى لا يصابوا بحالات خوف شديدة، مع اتخاذ جميع إجراءات الأمن والسلامة لطلاب المركز بهدف حمايتهم.
الثاني يخرج للمساعدة في حال كانت هناك إصابات نتيجة الاستهداف والقصف، ومعظمنا خضع لدورات وتدريبات على الإسعافات الأولية.

14 عاماً قضاها السوريون بحربٍ دمرت كل شيء، حتى المشاعر والأحاسيس، ويحتاجون زمناً طويلاً لإعادة بناء الإنسان نفسياً من جديد.

Leave a Comment
آخر الأخبار