الحرية – بشرى سمير:
تحولت شوارع دمشق العريقة في السنوات الأخيرة من فضاءات تحكي تاريخ الحضارات إلى ما يشبه مرآباً ضخماً للسيارات، حيث انتشرت ظاهرة الوقوف العشوائي بشكل غير مسبوق، لم تعد الأرصفة ممرات للمشاة، ولا الشوارع ساحات للحركة، بل أصبحت فوضى مرورية تعكس أحد وجوه الأزمة الحضرية التي تعيشها المدينة.
غزو السيارات للمدينة
يقول حسام الدين الحسامي، عضو مجلس محافظة سابق، في تصريح لـ«الحرية»: لم تعد السيارات في دمشق مجرد وسائل نقل، بل تحولت إلى مصدر إزعاج بعد أن احتلت كل شبر متاح، الأرصفة التي كانت مخصصة للمشاة أصبحت مواقف دائمة، والشوارع الجانبية تحولت إلى ممرات ضيقة بين صفين من السيارات المتوقفة، حتى إن بعض السائقين يركنون سياراتهم في منتصف الطرقات معتمدين على فكرة «لحظة وبطلع» التي غالباً ما تمتد لساعات.
تداعيات الظاهرة
يشير الحسامي إلى أن هذا التحول له تداعيات خطيرة على الحياة اليومية في المدينة، إذ أصبح التنقل في دمشق كابوساً يومياً، حيث تتحول المسافات القصيرة إلى رحلات تستغرق ساعات بسبب الاختناق المروري، كما أدى ذلك إلى انتهاك حقوق المشاة، حيث فقد كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة والأطفال حقهم في التنقل الآمن واضطروا إلى السير في الطرقات معرضين أنفسهم للخطر.
ولا يقف الأمر عند ذلك، بل ينعكس أيضاً على الناحية الجمالية للمدينة، إذ تحولت المناطق التاريخية والأحياء الراقية إلى فوضى بصرية تطغى فيها السيارات على المعالم المعمارية والمساحات الحضرية. كما أن الوقوف العشوائي قد يعيق حركة سيارات الإطفاء والإسعاف، ما يهدد حياة السكان في حالات الطوارئ.
أسباب الأزمة
عزا الحسامي هذه الظاهرة إلى نقص المواقف المنظمة وفشل التخطيط الحضري في مواكبة الزيادة الهائلة في أعداد السيارات، إذ يبلغ عدد المرائب النظامية المأجورة في دمشق 12 مرآباً تديرها المحافظة، إضافة إلى نحو 1000 موقف مأجور على جوانب الطرق في المناطق التجارية، كما يلجأ بعض أصحاب العقارات إلى تأجير أماكن لركن السيارات بشكل غير مرخص، خاصة في الأحياء السكنية المزدحمة.
ويضاف إلى ذلك الاكتظاظ السكاني الناتج عن الهجرة من الريف إلى المدينة، وغياب البدائل النقلية، وضعف خدمات النقل العام، وعدم وجود أنظمة نقل جماعي فعالة، فضلاً عن ضعف تطبيق القوانين وتراجع الرقابة على المخالفات.
نحو حلول مستدامة
ويقترح الحسامي لمعالجة هذه الأزمة وضع خطة متكاملة في دمشق تقوم على تطوير نظام نقل عام فعّال يقدم بدائل جذابة تقلل الاعتماد على السيارات الخاصة، وإنشاء مواقف متعددة الطوابق في المناطق المركزية والتجارية، إلى جانب تفعيل أنظمة الذكاء الاصطناعي لإدارة حركة المرور وفرض المخالفات على الوقوف العشوائي، كما يشدد على ضرورة تخصيص مسارات للمشاة والدراجات واستعادة الأرصفة لدورها الأساسي، وزيادة المساحات الخضراء التي يمكن أن تمتص جزءاً من الازدحام وتوفر بيئة حضرية أكثر إنسانية.
استعادة الهوية
وختم الحسامي بالقول: «تحتاج دمشق إلى استعادة هويتها كمدينة للبشر لا للسيارات. فالسيارات وسائل لخدمة الإنسان، وليس العكس، إن معالجة أزمة الوقوف العشوائي ليست مجرد قضية مرورية، بل هي مسألة تتعلق بجودة الحياة وحقوق السكان واستدامة المدينة ككائن حي يستحق أن يتنفس بحرية».