الحرية- إلهام عثمان:
كثيراً ما يلفتنا بدافع الفضول، ومن خلال ما يُتداول على صفحات التواصل الاجتماعي، فيديوهات لأشخاص من مختلف الثقافات، وهم يتناولون كميات كبيرة من الأطعمة بشراهة وسرعة مثيرة للجدل، بغية جذب المشاهدات، واللافت في ذلك أن هناك آلاف المتابعين لهم وهم يتناولون أطعمةً مختلفةً، مثل “الفلفل الحار، والخضروات، واللحوم النيئة، إضافةً إلى الحلويات والسكاكر والمثلجات التي تصدر أصواتاً.
وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح ما تأثير تلك الممارسات على المتابعين، سواء النفسية أو الجسدية، وكيف تؤثر على أوزان من يقومون بتلك الممارسات، وهل هي مجرد مظهر خارجي يبحث عن لفت الأنظار، أم إنها تحمل في طياتها أضراراً صحية ونفسية حقيقية تتجاوز التسلية؟
بين الإدمان والاشمئزاز
وهنا تبين أم هادي ذات الـ ٥٢ عاماً، أنها تحب مشاهدة تلك المقاطع وتعتبرها كنوع من التسلية، بينما يبين نبيل أنه يشعر بالاشمئزاز من تلك الممارسات والأصوات التي تصدر عن مضغ الطعام، أما ريم ذات الـ٣٧ تقول: أدمنت متابعة هذه المقاطع إلا أنني أشعر الجوع بعد مشاهدتها، وأبدأ بتناول الطعام ولو في وقت متأخر من اليوم.
الأمعاء في خطر
وفي حديث مع اختصاصية التغذية داليا حسامو أوضحت لـ”الحرية”، أن هذا السلوك المفرط، خاصة عند تناول الأطعمة بسرعة وبدون وعي، يُعطل الحاجز المعوي، ويزيد من نفوذية الأمعاء، ما يؤدي إلى خلل في ميكروبات الأمعاء، وقد يسبب اضطرابات في المناعة.
وأشارت إلى أن تناول الأطعمة النيئة، مثل الخضروات غير المعالجة والحلويات المليئة بالسكريات، تأتي معه مخاطر صحية جسيمة، لافتة إلى أن الباحثون من جامعة هارفارد بينوا أن الأطعمة النيئة تقتل البكتيريا النافعة، والتي تؤثر على وظيفة الأمعاء، وبالتالي توجد توازناً غير صحي بين البكتيريا النافعة والضارة، ما يؤدي إلى اضطرابات هضمية.
حسامو: تناول السكريات يرفع مستويات الجلوكوز بسرعة ويسبب اضطرابات في المناعة
شعور زائف
وتتابع حسامو: الدراسات توصلت أيضاً إلى أن تناول هؤلاء الأشخاص للحلويات المفرطة والتي تحتوي على نسبة عالية من السكريات، ترفع مستويات الجلوكوز بسرعة، وهو ما يمنح شعوراً مؤقتاً بالطاقة، يليه الخمول، بالإضافة إلى محفزاتها لإفراز مادة الدوبامين في الدماغ، ما يزيد الرغبة في تناول المزيد من السكريات، كما أنها تؤثر على الحالة المزاجية، مسببة أرقاً وضعف المناعة، فضلاً عن اضطرابات هضمية، وهو ما يُحتم علينا الانتباه أكثر إلى نوعية وكمية الطعام المستهلك.
وعن كيفية تخلص الأشخاص من الطعام الذي تم تناوله أثناء تصوير فيديوهات تناول الطعام، تشير حسامو إلى أن الإجابة تكمن في اعتمادهم على نظام غذائي متوازن، غني بالألياف والفواكه والخضروات، مع شرب كميات كافية من الماء لتعزيز إخراج السموم عبر جهاز الطرح، وهنا تضيف حسامو: ممارسة الرياضة بانتظام والحد من التوتر والنوم الكافي، كل ذلك ضروري لتحقيق نتائج إيجابية ويكون ذلك خلال شهر تقريباً.
وعن سؤالنا أن معظم من يعرضون تلك المقاطع هن فتيات نحيفات، وهو ما يثير التساؤل أكثر عن مدى صحة مظهرهن، لتجيبنا حسامو: أن ذلك المظهر قد لا يعكس الحالة الصحية الحقيقية، خاصة مع تراكم الدهون الحشوية على القلب والكبد، والتي لا تظهر بشكل واضح على الجسم الظاهر.
فخ البوليميا
ومن المفارقات التي تثير القلق أيضاً ووفق رأي حسامو أن بعض الفتيات اللاتي يأكلن كميات كبيرة أثناء تصوير الفيديو، قد يصبن بما يُعرف بمتلازمة البوليميا التي تتسم بنوبات الأكل الشره، تليها محاولات للتنظيف الذاتي من خلال التقيؤ أو استخدام المسهلات أو الأدوية المدرة للبول والحقن الشرجية، خوفًا من زيادة الوزن، وهو سلوك ضار جداً يتطلب ملاحظة وعلاج متخصص.
الشراهة لها بصمتها
وعن تأثير مشاهدة مقاطع الأكل الصاخبة والشراهة وتأثيرها النفسي على بعض الأشخاص المتابعين.. يوضح الأخصائي النفسي الاجتماعي علي جمعة، أنه من سلبياتها أنها قد تسبب زيادة التعلق بالمحتوى وتكرار المشاهدة، ما يعزز الرغبة في الأكل المفرط أو يثير مشاعر القلق والضيق في بعض الحالات، كما تؤدي لاضطرابات في الشهية وعدم السيطرة والتحكم بالطعام، خاصة عند الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل أو ضعف التحكم بالوعي.
مشدداً على أنه يجب أن يتم استهلاك مثل هذه المحتويات بشكل معتدل، مع وعي بالتأثيرات النفسية والجسدية المحتملة، خاصة في حال لاحظ الشخص أي أعراض سلبية نتيجة المشاهدة، وينصح جمعة أنه في تلك الحالة، يجب مراجعة مختص نفسي.
جمعة: زيادة التعلق بالمحتوى وتكرار المشاهدة يعزز الرغبة في الأكل المفرط
الحل؟
وفيما يخص الحلول: تبين حسامو أن اعتماد نظام غذائي متوازن من حيث نسب البروتينات، والكربوهيدرات، والدهون الصحية، هو أمر ضروري للأشخاص الذين يمارسون تلك العادات وللحفاظ على الصحة من الالتزام بتناول 6-7 حصص من الخضروات، و3-5 حصص من الفواكه يومياً، بالإضافة لشرب كميات وافرة من الماء، بما يعادل 2 إلى 2.5 لتر، حسب الوزن.
كما تنصح بتناول 6 وجبات موزعة على اليوم، 3 رئيسية و2 سناك، مع الحصول على نوم كافٍ، وتقليل التوتر، وممارسة الرياضة بشكل منتظم، لافتة إلى أن اتباع هذا النظام يساهم في حماية صحتنا الجسدية والنفسية من مخاطر الظاهرة وتأثيراتها السلبية.