الحرية – أمين سليم الدريوسي:
تشهد مدينة شرم الشيخ المصرية مفاوضات سياسية حساسة تهدف إلى إنهاء الحرب على غزة، التي دخلت عامها الثالث وسط دمار هائل ومعاناة إنسانية غير مسبوقة. هذه الجولة من المفاوضات، التي تُعقد برعاية مصرية وقطرية وبمشاركة الولايات المتحدة، تمثل نقطة تحول محتملة في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وخاصة بعد أن طرحت الإدارة الأمريكية خطة شاملة لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار القطاع.
منذ اندلاع الحرب على غزة في تشرين الأول/اكتوبر 2023، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار والقصف المستمر، حيث تجاوز عدد الشهداء 67 ألفاً، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين، الحرب، التي بدأت كرد على عملية «طوفان الأقصى»، تحولت إلى معركة استنزاف طويلة، دمرت البنية التحتية بشكل شبه كامل، وأدت إلى نزوح جماعي داخل القطاع وخارجه، وفي ظل هذا الواقع المأساوي، تبرز مفاوضات شرم الشيخ كفرصة أخيرة لإنهاء الحرب، أو على الأقل التوصل إلى هدنة طويلة الأمد.
خطة ترامب طموح سياسي أم حل واقعي؟
الوفد الأمريكي، الذي يترأسه غاريد كوشنر وستيف ويتكوف، وصل إلى شرم الشيخ حاملاً خطة ترامب، التي تتضمن وقفاً فورياً لإطلاق النار، إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة، الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، انسحاباً تدريجياً لقوات الاحتلال من غزة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وغير مشروط، هذه الخطة، التي توصف بأنها «الأكثر طموحاً منذ اتفاق أوسلو»، تواجه تحديات كبيرة على الأرض، أبرزها غياب الثقة بين الأطراف، وتضارب المصالح السياسية.
من جهة «إسرائيل»، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية من خلال المفاوضات، وخاصة بعد الانتقادات الواسعة التي تعرض لها بسبب فشل حكومته في منع هجمات 7 أكتوبر 2023، إذ يصر نتنياهو على أن أي اتفاق يجب أن يضمن «تفكيك البنية العسكرية لحماس»، وهو شرط ترفضه المقاومة الفلسطينية بشكل قاطع، في المقابل، يقود خليل الحية وفد حركة حماس، ويواجه ضغوطاً داخلية من الجناح العسكري للحركة، الذي يرفض أي تنازل دون ضمانات دولية حقيقية تضمن وقف العدوان ورفع الحصار.
العقدة الأخطر في المفاوضات
الوساطة المصرية تلعب دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر، حيث أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن المفاوضات تناقش آلية أمنية لضمان انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة القطاع، في إطار رؤية شاملة لتوحيد الضفة الغربية وغزة تحت مظلة دولة فلسطينية مستقلة، أما قطر، فتؤكد التزامها بدعم الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب، لكنها تحذر من «تفاصيل حساسة لا تزال بحاجة إلى توافق»، في إشارة إلى الملفات الأمنية والضمانات الدولية.
النقطة الأكثر حساسية في مفاوضات شرم الشيخ هي ملف الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس، حيث تطالب «إسرائيل» بإطلاقهم فوراً، بينما تربط الحركة ذلك بالإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال ومعتقلون إداريون، هذا الملف، الذي يحمل طابعاً إنسانياً وسياسياً، قد يكون مفتاحاً للتقدم في المفاوضات، أو سبباً في انهيارها إذا لم يتم التوصل إلى صيغة توافقية.
هل تصنع واشنطن السلام أم تعيد إنتاج الأزمة؟
الولايات المتحدة، التي تسعى إلى تحقيق اختراق دبلوماسي في الملف الفلسطيني، ترى في هذه المفاوضات فرصة لإعادة ترميم صورتها في الشرق الأوسط، وخاصة بعد الانتقادات التي طالتها بسبب دعمها غير المشروط لـ«إسرائيل» خلال الحرب، والرئيس ترامب، الذي يطمح إلى نيل جائزة نوبل للسلام، يضغط بقوة على الطرفين للتوصل إلى اتفاق، لكن السؤال يبقى: هل يمكن للضغط الأمريكي أن يفرض سلاماً حقيقياً؟ وهل تملك واشنطن القدرة على ضمان تنفيذ الاتفاق في ظل تعقيدات الواقع الميداني؟
في ظل هذه المعطيات، تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لمصير المفاوضات:
- الأول هو التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب ويطلق عملية إعادة إعمار غزة، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً لكنه يتطلب تنازلات مؤلمة من الطرفين وضمانات دولية صارمة.
- الثاني هو التوصل إلى اتفاق جزئي يشمل وقف إطلاق النار وتبادل محدود للأسرى، دون حسم الملفات الكبرى، ما يعني أن الحرب قد تعود في أي لحظة.
- أما السيناريو الثالث، فهو فشل المفاوضات وتصعيد جديد، قد يكون أكثر دموية واتساعاً، وخاصة إذا امتد إلى الضفة الغربية أو جنوب لبنان.
في نهاية المطاف فإن مفاوضات شرم الشيخ ليست مجرد جلسات دبلوماسية، بل هي اختبار حقيقي لإرادة الأطراف في إنهاء حرب دمرت شعباً بأكمله، وبين طموحات ترامب، وحسابات نتنياهو، وصمود غزة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل نشهد نهاية الحرب؟ أم إن غزة ستظل رهينة لمعادلات القوة والانتقام؟
الجواب قد يأتي خلال أيام، أو يضيع في زحمة التصريحات والوعود، لكن الأكيد أن غزة تستحق أكثر من مجرد مفاوضات… تستحق حياة.