الحرية – نهلة أبو تك:
تبرز سوريا كلاعب محتمل على خارطة السياحة العلاجية في المنطقة، مستندةً إلى مهارات طبية عالية، وبيئة استشفائية طبيعية غنية، ومقومات سياحية متجددة، في وقت تتسابق فيه دول عديدة لحجز مكان لها ضمن سوق عالمي يتنامى سنويًا، ويجذب ملايين الزوار الباحثين عن جودة علاجية بتكاليف معقولة.
كفاءات وطنية وتكاليف منافسة
يمزج كثير من المرضى حول العالم بين العلاج والاستجمام، في ما يُعرف بالسياحة العلاجية، وهو المجال الذي تملك فيه سوريا نقطة قوة واضحة: من كادر طبي مشهود له بالكفاءة، خصوصاً في اختصاصات دقيقة كجراحة التجميل، زراعة الأسنان، علاج العيون، وأطفال الأنابيب، وكل ذلك بتكاليف تقل كثيرًا عن مثيلاتها في دول الجوار.
ويؤكد مختصون أن هذه الميزة التنافسية، إلى جانب الجودة المهنية، تؤهّل سوريا لتكون وجهة واعدة، شريطة توفير بيئة تشريعية وخدمية ملائمة تدعم هذا التوجّه.
طبيعة استشفائية لا تُنافس
تتعدى مقومات السياحة العلاجية في سوريا الجانب الطبي لتشمل الطبيعة المتنوعة، التي توفر فرصاً فريدة للعلاج الطبيعي. ففي رأس البسيط، تُستخدم التربة البازلتية لمعالجة أمراض المفاصل، وتُعد غابات صلنفة وهواؤها الجبلي النقي ملاذاً لمرضى الربو، فيما تجتذب الحمامات الكبريتية من يعانون أمراضًا جلدية وروماتيزمية.
ويشكّل مشفى الحفة وسط أحراج صلنفة نموذجاً للاستثمار الواعد، حيث أوضح مديره الدكتور عصام غميرة استعداد المشفى لاستقبال الحالات الاستشفائية بفضل موقعه الجغرافي وكوادره الطبية المؤهلة.
أما في وادي قنديل، فتبدو الصورة أكثر طموحاً، حيث كشف أحد مديري المنتجعات عن توفّر معظم العناصر اللازمة لتحويل المنطقة إلى مركز علاج وترفيه متكامل، بفضل الرمال البركانية، نقاء الهواء، وتوافر الخدمات السياحية.
بين الرؤية والتحديات
رغم هذه المقومات، يرى خبراء أن دخول السوق العالمية للسياحة العلاجية يتطلب أكثر من موارد طبيعية أو مهارات بشرية، ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد الحكيم قداح أن إعداد دراسات جدوى متكاملة، وتحديث التشريعات، وتقديم التسهيلات الاستثمارية، هي خطوات أساسية للانطلاق.
وأشار قداح إلى أهمية إطلاق خطوط طيران مخصصة للرحلات العلاجية، وتشييد مراكز استشفائية متخصصة، وتوثيق الحالات الناجحة واستخدامها في التسويق الذكي، داعياً إلى استثمار انفتاح بعض الأسواق الخليجية لتنشيط الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
دعم حكومي متزايد
تكشف وزارة السياحة عن خطوات عملية لدعم هذا التوجه، حيث صرّح المهندس غياث فراح، معاون وزير السياحة، لصحيفتنا الحرية عن إطلاق مركز خدمات المستثمرين بتاريخ 27 نيسان 2025، بهدف تبسيط إجراءات الترخيص والتوظيف والاستشارات، تمهيدًا لخلق بيئة استثمارية مرنة.
وأوضح فراح أن الوزارة تركز على تنويع المنتج السياحي، بما يشمل السياحة الصحية والعلاجية والبيئية وسياحة المؤتمرات، مع العمل على تحسين البنية التحتية والخدمات الموجهة للزوار، كما أشار إلى التحضير لحملة إعلامية موجهة نحو دول الخليج ودول الجوار، تروّج لتكاليف العلاج المنخفضة وكفاءة الكوادر السورية.
وتتضمن الخطة أيضاً توقيع اتفاقيات مع شركات طيران ومكاتب سياحية لتفعيل برامج الرحلات العلاجية وربطها بمراكز استشفاء متخصصة، إلى جانب توسيع عمل المركز في مختلف المحافظات.
فرصة اقتصادية على مفترق الطرق
تمتلك سوريا فرصة استراتيجية للنهوض بهذا القطاع، الذي يتقاطع مع قطاعي الصحة والسياحة، عبر استثمار مزيج فريد من الموارد البشرية والطبيعية والدعم الحكومي.
ورغم أن الطريق لا يزال في بداياته، إلا أنه واعد.. وسوريا التي لطالما عُرفت بمكانتها العلمية والحضارية، تمتلك اليوم مقومات العودة بقوة إلى الساحة من بوابة السياحة العلاجية.