ملف «الحرية».. بعد المتغيرات السياسية.. ملفّ مشاريع الربط السككي ينتظر نفض الغبار.. جدوى اقتصادية جاذبة ومحفّزة

مدة القراءة 11 دقيقة/دقائق

الحرية- بادية الونوس:
مجدداً، بعد المستجدات السياسية التي حدثت في البلاد تعود إلى الواجهة فكرة إحياء مشاريع الربط السككي بين سوريا والدول المجاورة، مع الأردن، العراق، تركيا، هذه المشاريع الاستراتيجية التي تعد عاملاً مهماً في تعزيز العلاقات الاقتصادية لدورها الرئيسي في تسهيل حركة التجارة والنقل.
إذ يؤكد مدير مؤسسة الخط الحجازي المهندس محمد سعد  العجمي، أن مشاريع الربط السككي تحظى باهتمام كبير، وحالياً تعمل المؤسسة على تقييم الواقع الحالي لدراسات مشروع الخط الحديدي مع الأردن والعمل على تذليل العقبات التي تعرقل سير العمل، ولاسيما إذا ما علمنا أن نسبة الأضرار ٤٠% للمشروع.

العجمي: تعمل مؤسسة (الخط الحديدي الحجازي) على تقييم الواقع الحالي ووضع دراسات جديدة بموازاة ترميم وصيانة ما يمكن صيانته

بموازاة ذلك، يؤكد أهل الخبرة أهمية هذه المشاريع الاستراتيجية في حال أبصرت النور وما ستعود به من فائدة كبيرة وعائد اقتصادي مهم لخزينة الدولة، لكن التحديات كبيرة والتركة ثقيلة، أي (الواقع الحالي لهذه المشاريع).
في هذا الموضوع نحاول تسليط الضوء على خطة العمل لمشاريع الربط السككي، عن أهميتها والجدوى الاقتصادية منها.. إلخ فيما لو كتب لها أن تبصر النور.

أضرار كبيرة

تسعى الإدارة الجديدة في الخط الحديدي الحجازي إلى إحياء فكرة الربط السككي مع الدول المجاورة، وخاصة مشروع الربط مع الأردن، إضافة إلى أن هناك توجهاً للربط الإقليمي من حلب إلى الحدود التركية. ووفق مدير عام مؤسسة الخط الحجازي المهندس محمد العجمي، هناك اهتمام كبير توليه الحكومة لمشروع الربط السككي مع الدول المجاورة حتى يبصر النور.
ولم يخفِ العجمي أن شبكة الخطوط الحديدية تعرضت للتخريب وسرقة العربات والقطارات، مؤكداً أن نسبة الأضرار تصل إلى 40 %.
وأضاف: تعمل المؤسسة حالياً على إعادة تقييم الواقع الحالي ووضع دراسات جديدة بموازاة ترميم وصيانة ما يمكن صيانته.

تحقق عائداً اقتصادياً وجذباً للاستثمارات

معاون المدير العام لمؤسسة الخط الحجازي المهندس رامي بشور يؤكد أهمية مشاريع الربط السككي مع الدول المجاورة، مبيناً أن أغلب هذه المشاريع تقع ضمن مهام الخطوط الحديدية باستثناء مشروع دمشق- عمان الذي تنفذه مؤسسة الخط الحديدي الحجازي.
ولفت إلى أن هذا الخط كان حتى الفترة القريبة لما قبل الحرب عام 2010 قيد التشغيل في نقل البضائع من وإلى الأردن، وبسبب الظروف التي مرت بها البلاد والتعدّيات على الشبكة وأعمال النهب والتخريب التي طالت كل شيء توقف العمل كلياً.
وتحدث المهندس بشور عن أهمية هذه المشاريع والعائد الاقتصادي الذي يمكن أن تحققه للبلاد في حال تم تشغيل النقل السككي وجذب للاستثمارات وللشركات الكبيرة.

بشور: أهمية هذه المشاريع والعائد الاقتصادي الذي يمكن أن تحققه للبلاد في حال تم تشغيله وجذب للاستثمارات وللشركات الكبيرة

وعن التمويل الذي يعد أول تحديات العمل، أكد بشور أن إحياء فكرة مشاريع الربط السككي مهمة جداً، ولا بدّ من العمل وتضافر الجهود لتذليل العقبات من نقص الأيدي العاملة والمعدات وغيرها. مشيراً إلى أهمية الترويج لفكرة إحياء المشروع وإشراك شركات كبيرة في هذه المشاريع تسهم في تنفيذه، وحتماً سيحقق عائداً اقتصادياً جيداً نتيجة نقل البضائع والتبادل التجاري وجذب الاستثمارات.

فرع مؤسسة الخطوط الحديدية لا يجيب!

لمعرفة واقع مشاريع مؤسسة السكك الحديدية، تواصلت صحيفة “الحرية” مع مدير فرع المؤسسة في دمشق بإرسال عدة استفسارات عبر (الواتساب) إلا أنه إلى هذا التاريخ لم يجب.!
لمحة تاريخية
مرت الخطوط الحديدية السورية بمراحل تطور مختلفة، حيث تم ربط معظم محافظات القطر بشبكة من الخطوط الحديدية بتكنولوجيا ستينيات القرن الماضي أو ما قبلها وبسرعة أعظمية ١٢٠ كم/ سا للركاب و١٠٠كم في الساعة للبضائع ووزن محوري ٢٠ طناً.
الدكتور محمد هاجم الوادي الأستاذ في كلية الهندسة المدنية استعرض لمحة تاريخية عن مشاريع الربط السككي، مبيناً أن تأسيس الخطوط الحديدية السورية يعود إلى الحكم العثماني في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
وكانت آنذاك تخدم بقاطرات ديزل كهربائية حديثة وعربات ركاب حديثة مكيفة وشاحنات لنقل البضائع من مختلف الفئات، وتتم صيانة الشبكة بوسائل ومعدات حديثة.
في عهد الانتداب الفرنسي تم استثمار شبكة الخطوط الحديدية الجنوبية ضمن الأراضي السورية وفق المحاور التالية: (حلب، حماة، حمص، العكاري)، (حمص- القصير )، (سرغايا- دمشق- درعا).
أحدثت سكك حديد الدولة السورية بعد الاستقلال ١٩٤٦ لتضم محوري (ميدان- اكبس- حلب) والقامشلي- العربية- الحدود العراقية.
وفي عهد الوحدة بين سوريا ومصر بدأ العمل لإنشاء الخط الحديدي على محوري (حلب- الرقة- دير الزور– الحسكة)، وتم في عام ١٩٦٤ تأسيس المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية ومقرها مدينة حلب، وكذلك في العام ذاته تم تأسيس المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي ومقرها في دمشق. وتم وصل مرفأ طرطوس بمحطة عكاري ١٩٦٧ وأحدثت الشركة العامة لإنشاء الخطوط الحديدية السورية ١٩٧٧ وفي عام ١٩٨٤ تأسس الاتحاد العربي للسكك الحديدية ومقره حلب، كما تم استثمار الخط الحديدي بين اللاذقية- حلب- القامشلي في ١٩٨٠ وبلغ طوله ٧٤٠ كم.

الخطوط تتوافق مع المواصفات الدولية

يبين د. الوادي أنه توجد إدارتان للسكك الحديدية السورية، الأولى المؤسسة العامة الحديدية السورية، تتولى إدارة شبكة ٢٤٥٤ كم، تتصل شمالاً بالسكك الأوروبية عبر تركيا وغرباً الموانئ السورية- اللبنانية، وشرقاً بالعراق في نقطة واحدة تقع في الشمال الشرقي، والربط جار لتحقيق ربط آخر بالعراق في منطقة القائم- البوكمال، وتتميز خطوط هذه الشبكة بأن مواصفاتها تتفق مع المواصفات الدولية وتشكل الشبكة الرئيسية في سوريا، لأنها تغطي جميع محافظات القطر تقريباً.

الوادي: لتحقيق الربط السككي يجب على إدارات السكك الحديدية أن تتبنى برنامجاً للإصلاح الإداري والاقتصادي لمهامها وأنشطتها في التطوير

الثانية: المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي التي تم إحداثها ١٩٦٤ وتتولى إدارة خطوط يصل طولها إلى ٣٣٨ كم، منها ١٢٠كم تقع على محور الخط الحديدي الحجازي الذي يصل دمشق بالمدينة المنورة، وهذا متوقف عن التشغيل منذ أمد، بسبب ما لحق به من أضرار في مواقع مختلفة منه، باستثناء القسم الذي يربط دمشق بعمان والذي لا يزال يستثمر، لكن بحجم نقل متواضع، مشيراً إلى أن الخط الحديدي الحجازي متري ضيق ١٠٥٠ مم، الأمر الذي حال دون ارتباطه بشبكة الإدارة الأولى، أما الجزء الآخر من خطوط هذه الإدارة فهو الخط الضيق الذي يربط دمشق ببيروت وهو ربط آخر بين سوريا ولبنان.

اقتراحات

لتحقيق الربط السككي، يؤكد الدكتور الوادي أنه يجب على إدارات السكك الحديدية أن تتبنى برنامجاً للإصلاح الإداري والاقتصادي لمهامها وأنشطتها في التطوير لإمكاناتها البشرية والمادية وشبكتها وتجهيزاتها، بغية زيادة الطاقة النقلية وتحسين أسطول النقل وإجراء صيانة وإصلاح وتحديث الخطوط بالمواصفات المعتمدة في الاتحاد الدولي، تمكنها من تحقيق سرعة النقل وتحسين نوعية الخدمات لنقل الركاب والبضائع واستكمال وصل شبكات الخطوط الحديدية لتحقيق الربط الدولي السككي عبر محورين للنقل، الأول: من دول أوروبا إلى المرافئ السورية وعبر سوريا والعراق وصولاً إلى الخليج العربي. والثاني: محور عبر تركيا إلى الأردن والدول العربية، أي محور شمال- جنوب ومحور شرق- غرب يشمل قناة نقل جافة، وهذا يتطلب بشكل موازٍ توسعة ميناء بحري على البحر المتوسط لاستقبال الحاويات.

لتسهيل حركة التجارة

للباحث الاقتصادي فاخر القربي وجهة نظر في هذا الموضوع، إذ يؤكد أهمية هذه المشاريع التي تعتبر عنصراً أساسياً في تعزيز العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية بين الدول، حيث تلعبُ دوراً محورياً في تسهيل حركة التجارة والنقل، ما ينعكس إيجاباً على النمو الاقتصادي والاستقرار الإقليمي، وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث تتشابك التحديات السياسية والأمنية مع الطموحات التنموية، لتصبح المشاريع الكبرى التي تربط الدول ببعضها أداة استراتيجية للتكامل الإقليمي وتعزيز النفوذ.
وأشار القربي إلى أهمية الربط السككي، على سبيل المثال مشروع ربط تركيا بسوريا عبر السكك الحديدية كخطوة مهمة لتوسيع الشبكة وتعزيز للعلاقات الاقتصادية بهدف تسهيل الحركة التجارية والنقل بين البلدين.

القربي: للربط السككي أهمية في تعزيز العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية بين الدول وفي تسهيل حركة التجارة والنقل

وبين أن هذا يعزّز الاستراتيجية التركية لتأهيل قطاع النقل في سوريا، حيث تولي تركيا اهتماماً متزايداً بإعادة تأهيل البنية التحتية في سوريا، ولاسيَّما في قطاع النقل الذي يُعدّ شرياناً حيوياً لدفعِ عجلةِ الاستقرار وتعزيز الترابط الاقتصادي داخل البلاد ومع محيطها الإقليمي، ويأتي هذا الاهتمامُ في إطارِ مقاربةٍ تركيةٍ أشمل تسعى من خلالها أنقرة إلى لَعبِ دورٍ محوري في جهود إعادة إعمار سوريا، عبر توظيف أدواتٍ تركّزُ على الخدماتِ والتنميةِ الاقتصاديةِ، بما يعكسُ تحولاً في استراتيجيتها نحو حضور إقليمي فاعل.
وأضاف: أيضاً يُعد مشروع الربط السككي بين سوريا ودول الجوار العراق والأردن من أهم المشاريع الاستراتيجية التي تم الحديث عنها في السنوات الماضية، إلى جانب إعادة إحياء مشروع أنابيب نفط “كركوك- بانياس” وهو مشروع قديم وتوقف العمل فيه في زمن الحرب السورية، ويهدف إلى الربط بين السواحل السورية والعراقية.

حلقة ربط مهمة

وختم الباحث الاقتصادي القربي حديثه بأن سوريا تدرك أهمّية الانخراط في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية في المنطقة، ويساعدها في ذلك موقعها الجغرافي الاستراتيجي كونها حلقة ربط مهمة إلى المتوسط، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها حالياً نتيجة حالة عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، فهي لم تبتعد عن مشاركة كلٍّ من العراق وتركيا والأردن في إطار النقاشات والتفاهمات التي جرت في آلية إعادة تنفيذ مشروع “الربط السككي” طيلة السنوات الماضية، لكن إعلان مشروع “طريق التنمية” ربما سيدفع الحكومة إلى بذل جهود أخرى أكبر لضمان أن تكون شريكاً استراتيجياً فيه.

تكامل استراتيجي

ولفت إلى أن هذه المشاريع المطروحة يمكن أن يكون بعضها مكملاً لبعض بهدف تحقيق تكامل استراتيجي بين دول الإقليم، وخاصة أن هناك مبادرات لبناء منظومة تعاون وأمن إقليمي متكامل، ويمكن أن تكون سوريا لاحقاً هي جزء من هذا المشروع بعد تذليل العقبات التي يمكن أن تعرقل عمل هذه المشاريع.

اقرأ ايضاً:

ملف «الحرية».. السكك الحديدية السورية على قاعدة انطلاق جديدة.. رؤيا إنعاش تدريجية والبوصلة احتياجات التنمية

Leave a Comment
آخر الأخبار