سوريا بعد عام من التحرير… انتقال من العزلة إلى خارطة التأثير الدولي وعقدة اتصالات إقليمية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – آلاء هشام عقدة :

بعد عام واحد فقط على التحولات السياسية التي أعادت رسم موقع سوريا الإقليمي، تبدو البلاد وكأنها تعيش بداية مرحلة جديدة تتقاطع فيها عودة العلاقات الدولية مع انطلاق أوسع خطة لإعادة الإعمار منذ سنوات، في مشهد يعكس انتقالاً واضحاً من اقتصاد الأزمة إلى اقتصاد التعافي.
الدكتور عبد الله أوبان دكتوراه في الاقتصاد والمحاسبة أوضح لـ ” الحرية ” أن ما جرى خلال عام لا يمكن اعتباره خطوات متفرقة، بل تحولات إستراتيجية غيّرت شكل المشهد المالي والسياسي والخدمي في سوريا.

رسالة مالية غيّرت المعادلة

واحدة من أبرز محطات العام، وفق أوبان، هي عودة سوريا رسمياً إلى شبكة “سويفت” العالمية بعد إرسال مصرف سوريا المركزي أول رسالة إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك منذ أكثر من 14 عاماً ، في خطوة وصفها حاكم المصرف المركزي بأنها إعلان عملي لعودة سوريا إلى التعاملات المصرفية الدولية، ما يمهّد لاستقطاب رؤوس الأموال، وتسهيل الحوالات الخارجية، وفتح الباب أمام تحريك الأموال المجمدة.

انفتاح دبلوماسي وعودة سوريا إلى المشهد الدولي

وأضاف أوبان شهد العام نفسه نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً، تمثل بمشاركات واسعة في الفعاليات الدولية، وزيارات سياسية غير مسبوقة ، والحدث الأبرز تمثّل في استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ عقود، ما يعكس تحوّلاً جوهرياً في موقع سوريا السياسي.

العقوبات صفحة تُغلق

شهد ملف العقوبات الدولية تطوراً نوعياً تمثل بتصويت مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح إلغاء قانون قيصر، بما يعني رفع أبرز العوائق التي كبّلت الاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب
وبحسب تقرير البنك الدولي، تُقدّر تكلفة إعادة الإعمار بـ 216 مليار دولار، ورغم ضخامة الرقم، تمكنت الحكومة السورية – بموارد محدودة – من إعادة تأهيل الطرق الرئيسية والمتهالكة، وصيانة شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات، وإطلاق مشاريع تنموية تتجاوز مجرد الإسعاف إلى البناء المنهجي، ويشير أوبان إلى أن حجم العمل المنجز خلال عام واحد يعكس انتقال الدولة من إدارة الأزمة إلى إدارة التنمية.

سيلك لينك وبرق… سوريا عقدة اتصالات إقليمية

ومن ناحية تطوير واقع الاتصالات تعمل الوزارة حالياً على مشروعين يعدّان من أضخم الاستثمارات التكنولوجية في المنطقة: الأول مشروع سيلك لينك الذي يربط الخليج بأوروبا عبر ألياف ضوئية بسعة 100 تيرابت/ثانية وبتكلفة تقديرية: 400–500 مليون دولار.
والثاني: مشروع برق إيصال الفايبر إلى كل مكان في سوريا وتقدر الكلفة التقديرية بـ ملياري دولار، حيث تقدمت شركات إنترنت عالمية للمشاركة في التنفيذ، ما يُعيد لسوريا موقعها الطبيعي كممر دولي للبيانات والاتصالات.
وشهد قطاع التعليم أكبر عملية ترميم منذ عقود، فالتوزيع الجغرافي جاء شاملاً ومنظماً، إذ شملت عمليات الترميم المدارس مختلف أنحاء سوريا ، ويحظي القطاع التعليمي بمكانة خاصة واهتمام مباشر من القيادة منذ الأيام الأولى للتحرير لما له من أهمية في تطوير المجتمع .

• قطاع الصحة… شراكات ومشاريع تتخطى حدود الطوارئ

شهد القطاع الصحي قفزة نوعية عبر؛ اتفاقية بين وزارة الصحة وصندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، وتشغيل منشآت صحية ومحارق نفايات طبية ورفد القطاع الطبي بسيارات إسعاف حديثة ، وشراكة بقيمة 30 مليون دولار مع منظمة الأمين للدعم الإنساني، هذا بالإضافة لافتتاح مراكز أورام في دير الزور وحماة، والتحضير لافتتاح مركز مماثل في حلب، وتأسيس مستشفيات تخصصية جديدة في محافظات عدة ما يجعل هذا العام الأكثر توسعاً في البنية الصحية منذ سنوات.

قطاع الطاقة… فرص ذهبية وشبكات إقليمية

يشير الدكتور عبد الله أوبان إلى فرص إستراتيجية يجري العمل عليها من أهمها:
1- الطاقة المتجددة: فسوريا مرشحة لتكون مركزاً إقليمياً للطاقة الشمسية بفضل موقعها الجغرافي.
2- الربط الكهربائي السوري–التركي: مشروع قادر على تغيير قواعد اللعبة عبر نقل الطاقة المتجددة إلى أسواق المنطقة.

تحولات جيوسياسية… سوريا من ساحة صراع إلى محور توازن

يحمل عام التحرير أبعاداً جيوسياسية عميقة تتمثل بتحوّل سوريا إلى عقدة ربط إستراتيجية في الطاقة والنقل البحري والبري والجوي، وتعزيز استقرار المنطقة عبر مشاريع مشتركة للطاقة المتجددة ، وعودة سوريا إلى الحضن العربي والدولي وإعادة تموضعها داخل التحالفات الإقليمية، ومشاركتها الفاعلة في مؤتمرات اقتصادية ومعارض دولية

خلاصة عام… وبداية عقد جديد

تُظهر التجربة السورية خلال عام واحد قدرة البلاد على استثمار التحولات السياسية لبناء مرحلة تعافٍ فعلية، منفتحة على الاقتصاد العالمي، ومسنودة بإرادة شعبية ورؤية حكومية واضحة.

 

Leave a Comment
آخر الأخبار