من موسكو إلى نيويورك.. زيارتان تاريخيتان للرئيس الشرع تستقطبان الدعم والاهتمام الدولي

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية– مها سلطان:

ما بين موسكو ونيويورك تتوزع وتتركز أنظار السوريين (والإقليم) حيث يحتضن هذا الشهر حدثين مهمين سيكون لهما وقع وموقع على خريطة التحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة، وفي لحظة سياسية مفصلية تتقاطع فيها الحسابات الإقليمية والدولية، وحيث سوريا في القلب منها.

الحدث الأول يتعلق بالزيارة المرتقبة للرئيس أحمد الشرع إلى موسكو للمشاركة في أعمال القمة الروسية- العربية الأولى المقررة الاثنين المقبل (15 أيلول الجاري) ويبدو أن الزيارة ستكون حافلة بجدول أعمال بارز من اللقاءات والنشاطات على رأسها لقاء محتمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

سوريا إذ تتوجه نحو هذه الدولة أو تلك فهي تنطلق من إدراكها لحجم ومكانة وتأثير كل دولة على خريطة الصراع الدولي الحالي على الزعامة العالمية ومناطق النفوذ خصوصاً في منطقتنا.

الحدث الثاني يتعلق بزيارة الرئيس الشرع إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن ما يسمى «الأسبوع رفيع المستوى» والمقررة بين 23 و30 أيلول الجاري. هذه الزيارة بدورها ستكون بجدول أعمال بارز من اللقاءات والنشاطات على رأسها لقاء محتمل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وكلا الزيارتين مهدت لهما أحداث ولقاءات وتطورات داخلية، وبينية، وإقليمية، تُبقي سوريا في صدارة الاهتمامات والتحركات الدولية.

– زيارة موسكو

تأكيد الزيارة جاء خلال زيارة وفد روسي رفيع المستوى أمس الأول الثلاثاء إلى دمشق، برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، الذي أكد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية أسعد الشيباني أن بلاده تولي اهتماماً خاصاً لزيارة الشرع، مشيراً إلى أن الهدف من الزيارة هو فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين. وكان الرئيس الشرع استقبل نوفاك والوفد المرافق، فيما تخلل الزيارة عقد مباحثات اقتصادية مهمة.

وعلى قاعدة «الاهتمام الخاص» تواصل روسيا جهوداً كبيرة في سبيل تعميق العلاقات مع سوريا، ولا تتردد في التصريح مراراً وتكراراً بهذه الجهود، وباستعدادها لتقديم «تعاون عملي» في كل المجالات.

وحسب نوفاك «سوف تسهم هذه الزيارة بلا شكّ في تعزيز التعاون الثنائي» وقال: نحن هنا مع وفد كبير جئنا من أجل فتح صفحات جديدة في علاقاتنا مع سوريا.

وحملت زيارة الوفد الروسي طابعاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً في آن واحد، حيث تناولت المحادثات ملفات عدة في سياق التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والأمن والاقتصاد، وفق التصريحات المشتركة.

أطراف إقليمية ودولية عدة توفقت عند هذه الزيارة، وعند كل تحرك روسي باتجاه سوريا، بشكل عام. ورغم أن دوافع روسيا واضحة جداً سواء من مثل هذه الزيارات، أو من دعوة الرئيس الشرع لحضور القمة الروسية- العربية… إلا أن الأسئلة نفسها تبقى تدور حول المنافع المحتملة أو المأمولة، لكل من سوريا وروسيا، وهل تنجح روسيا- بوتين في التحول من حليف سابق لنظام الطاغية المخلوع إلى شريك مقبول في مستقبل سوريا الجديدة؟

وتأتي زيارة الشرع لموسكو لتعمق هذه الأسئلة التي ينقسم المحللون في الإجابة عليها بين من يرى أن روسيا تحاول تحقيق موازنة في علاقاتها الدولية بين شرق وغرب، وبين من يرى إن سوريا تحاول تحقيق منافع ومكاسب من كل الأطراف في سبيل ضمان مستقبل مستقر، متجاوزة في ذلك إرث الدول التي كانت داعمة للنظام السابق، خصوصاً روسيا. وسبق للرئيس الشرع أن أعلن غير مرة أنه يسعى لكل ما يخدم سوريا ويحقق أمنها واستقرارها سواء على مستوى الدول أو على مستوى توقيع الاتفاقات التي تخدم هذه الهدف.

من هنا فإن زيارة الشرع لموسكو ومشاركته في القمة الروسية- العربية، تندرج في هذا الإطار وعلى القاعدة الأساسية المعلنة من الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح والمنافع المشتركة، وسوريا إذ تتوجه نحو هذه الدولة أو تلك فهي تنطلق من إدراكها لحجم ومكانة وتأثير كل دولة على خريطة الصراع الدولي الحالي على الزعامة العالمية ومناطق النفوذ، خصوصاً في منطقتنا.

زيارة الرئيس الشرع لنيويورك تؤخذ بجانبها الأميركي بالدرجة الأولى حيث تعد استكمالاً لمسار الانفتاح الأميركي ومساعي الوصول به إلى رفع كامل العقوبات عن سوريا

من هنا تم النظر لزيارة الوفد الروسي برئاسة نوفاك على أنها تأتي في إطار الاهتمام الروسي الخاص بزيارة الرئيس الشرع والمشاركة في أعمال القمة، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية التمهيد لزيارة ناجحة ولتكون علامة فارقة في مسيرة التحول نحو علاقات جديد تطوي صفحة النظام السابق وما قامت عليه من تبعية تعطي الألوية لروسيا على حساب سوريا ومستقبلها.

– زيارة نيويورك

تأكيد زيارة الشرع لموسكو تزامن تقريباً مع تأكيد زيارته لنيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لتكون الأولى لرئيس سوري منذ نحو ستة عقود (وثاني كلمة لرئيس سوري بعد كلمة نور الدين الأتاسي 1967 بعد هزيمة حزيران) ومن المتوقع أن يلقي خطاباً رسمياً في 24 أيلول الجاري. ووفق مصادر دبلوماسية هناك تحضيرات جارية لعقد لقاء بين الرئيس الشرع والرئيس ترامب على هامش الاجتماعات.

وتستقطب مشاركة الرئيس الشرع في اجتماعات الجمعية العامة دعماً واهتماماً دولياُ، باعتبارها فرصة دولية بارزة لتقديم سوريا بوجه مختلف وتمتين علاقاتها الدولية. لكن بالعموم فإن هذه الزيارة تؤخذ بجانبها الأميركي بالدرجة الأولى، حيث تعد استكمالاً لمسار الانفتاح الأميركي على سوريا، وحيث زيارات الوفود الأميركيين لا تتوقف إلى دمشق في سبيل الوصول بهذا المسار إلى نهاياته المأمولة، وهي رفع كامل العقوبات عن سوريا، ولا شك أن هذا الملف سيكون على رأس جدول لقاءات ومباحثات الرئيس الشرع.

بالنسبة للسوريين فإن كلا الزيارتين، خصوصاً الثانية، تمثل تطوراً كبيراً جداً للدبلوماسية السورية في استعادة مكانتها وحضورها الدولي، وهما دلالة قوية على نجاح جهود القيادة السورية وصوابية سياساتها، ومن المتوقع أن تكون الأيام المقبلة كاشفة للكثير من الجوانب، ولتحولات جذرية على مستوى علاقات سوريا الدولية وبما ينعكس خطوات متسارعة على الداخل السوري، على مستويي الامن والاستقرار، والاقتصاد وإعادة الإعمار.

Leave a Comment
آخر الأخبار