الحرية – دينا الحمد:
كل المؤشرات والزيارات المتبادلة بين مسؤولين سوريين وأمريكيين لعاصمتي البلدين تؤكد أن مساراً جديداً بينهما بدأت ترتسم خطوطه العامة وبما يحقق مصالح كل منهما.
وهنا لابدّ من القول إن جملة من المعطيات تؤكد أن هذا المسار بات يترسخ عبر بوابات متعددة، وأولى مؤشراتها هو ذاك التزامن بين زيارة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى واشنطن وقيام الأخيرة بإنهاء مهام دبلوماسيين أمريكيين معنيين بمتابعة الملف السوري، لدورهم السلبي في التعاون مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، ولاسيما فيما يتعلق بموضوع “قسد”، ما اعتبره محللون عديدون أن الولايات المتحدة تريد الإسراع في طي ملفات عديدة كانت تسهم في توتير الأجواء والفوضى وترغب في تحقيق الاستقرار بالمنطقة بالتزامن مع تلك الزيارة لوزير خارجية سوري هي الأولى من نوعها منذ عقود.
وقبل الإبحار عميقاً في تحليل طبيعة المسار الجديد بين دمشق وواشنطن لابدّ من الإشارة إلى أن إنهاء مهام دبلوماسيين أمريكيين معنيين بمتابعة الملف السوري، وارتباط ذلك تحديداً بملف “قسد” يحمل في أبعاده تفسيراً مهماً يدل على أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترغب بالتعاطي بإيجابية مع الملف السوري، وبما يحقق وحدة وسيادة سوريا أرضاً وشعباً ورفض دعوات الانفصال وتفتيت الأرض السورية.
ارتباطاً بهذا فإن إنهاء مهام أولئك الدبلوماسيين كان توطئة لنقل العلاقات الأمريكية السورية لمرحلة جديدة ولإنجاح مهمة الشيباني في واشنطن والتمهيد لبلورة مسار مختلف لابدّ من خطوات تسبقه ومنها تعيين دبلوماسيين جدد يدعمون المسار المفترض.
مراقبون للمسار الجديد رأوا أن زيارة الشيباني إلى واشنطن، وهي الأولى منذ خمسة وعشرين عاماً لوزير خارجية سوري، ستسهم في رسم أولى خطوات التعافي في العلاقات بين البلدين، وخاصة أن دمشق عدّتها انعكاساً لانفتاحها على الحوار المباشر مع الولايات المتحدة سعياً لفتح صفحة جديدة من العلاقات، حيث تتم خلالها مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، وبما يخدم مصالح الشعب السوري، كما أنها ستضع اللبنات الأولى المفترضة قبل مشاركة الرئيس أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يمنحها وزناً إضافياً ويؤكد جدية دمشق في إعادة بناء العلاقات الدولية على أسس جديدة قائمة على الاحترام المتبادل.
قصارى القول إنّ إنهاء مهمة الدبلوماسيين الأمريكيين إياهم وزيارة الشيباني لواشنطن ومشاركة الرئيس الشرع باجتماعات الأمم المتحدة ولقاءه المقرر لترامب والمسؤولين الأمريكيين يؤكد في اتجاه آخر رغبة واشنطن بدعم استقرار سوريا جديدة، واحدة وموحدة ومستقرة، لإدراك البيت الأبيض بأن هذا الاستقرار سيؤدي إلى استقرار المنطقة برمتها وبما ينعكس إيجاباً على مصالح أمريكا ذاتها في الشرق الأوسط.
وأما في تفاصيل قرار إبعاد الدبلوماسيين الأمريكيين الذين كان لهم دور سلبي في موضوع “قسد”، يرى مراقبون أن القرار جاء لأن واشنطن تريد دمج ” المكون الكردي” في الفسيفساء السورية في سياق التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، والتي تفرض على واشنطن إعادة ترتيب أوراقها على أساس مصالحها الإستراتيجية التي لا تتحقق من دون الاستقرار، ومن هنا رأينا دعوة المبعوث الأمريكي باراك “قسد” إلى التحرك بشكل أسرع للتصديق على اتفاق آذار مع الحكومة السورية لوضع المناطق التي تديرها تحت سلطة الدولة، ودمج “قوات سوريا الديمقراطية “في الجيش السوري، فهل سنشهد في الأسابيع القادمة مزيداً من الخطوات التي ستنقل العلاقات السورية الأمريكية إلى مرحلة أكثر تقدماً؟.