الحرية- سامر اللمع:
ما بين مدفأة المكتب البيضاوي في البيت الأبيض, وبين مدفأة «10 داونينغ ستريت», قد تشهد أوروبا عموماً وحلف شمال الأطلسي «ناتو» خصوصاً تطورات واسعة, من شأنها تغيير صيغة التحالفات الأمنية التي ترسخت ما بعد الحرب العالمية الثانية.
فأمام الأولى عُقد لقاء بارد ومتشنج بين الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي و نظيره الأمريكي دونالد ترامب, أما الثانية فقد شهدت لقاءً حاراً بين زيلينسكي ورئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر.
اللقاء الأول تمخض عن مغادرة زيلينسكي البيت الأبيض من دون التوقيع على صفقة المعادن والضمانات الأمنية مع الإدارة الأمريكية والتي كان من المفترض أن تكون محفزاً لانطلاق محادثات لإنهاء الحرب الأوكرانية – الروسية, بينما نتج عن اللقاء الثاني دعمٌ بريطانيٌ واسعٌ للرئيس الأوكراني لمواصلة القتال في تلك الحرب، كما تم الاتفاق لرسم خطوط قمة لندن للأمن والذي تم عقدها يوم الأحد الماضي.
مجريات القمة عكست تناقضاً في الموقف الأوروبي، حيث تحاول القارة العجوز إيجاد توازن بين دعم أوكرانيا وعدم الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع روسيا.
وفي حين تسعى بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال القمة عن نية بلاده تقديم خطة سلام للولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة إنهاء الحرب، لكنه في الوقت ذاته أكد التزام لندن بتقديم مزيد من الدعم العسكري لكييف، بل وطرح إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا تحت ذريعة «حفظ السلام».
تطورات وتداعيات التعاطي الأمريكي والأوروبي, كل على حدة, مع الحرب الروسية – الأوكرانية وخاصة ما توضح من الموقف الأمريكي المتذبذب حيال الالتزام تجاه التحالف عبر الأطلسي, قد يفتح الباب لظهور منظمة جديدة يُطلق عليها اسم «منظمة المعاهدة الأوروبية –إيتو»، بدلاً من «منظمة معاهدة شمال الأطلسي –ناتو» وفقاً لما ورد على لسان القائد الأسبق للحلف, الأدميرال الأمريكي جيمس ستافريديس الذي شغل منصب قائد «ناتو» في أوروبا ما بين عامي 2009 و 2013.
وقال ستافريديس لشبكة سي إن إن: «قد نشهد الأيام الأخيرة لحلف ناتو، هذه قضية مثيرة للخلاف والجدل وترتبط بمن يدعم ديمقراطية تتعرض للهجوم، أو ديكتاتوراً في موسكو».
وأضاف «هذا الخلاف والجدل يدقان إسفيناً عميقاً في قلب الحلف، الذي سينزف إلى ما وراء أوكرانيا، ويرتبط بما إذا كان يمكن الوثوق بالولايات المتحدة كشريك».
ورأى ستافريديس أنّ أوروبا في هذه المرحلة بحاجة إلى إنفاق دفاعي أكبر، وشركات دفاعية أوروبية وبناء قوات مسلحة وهيكل قيادة خارج «ناتو».
وبالعودة لقمة لندن فقد ناقش المشاركون ضرورة أن تؤدي أوروبا دورها في مجال الدفاع والخطوات التالية للتخطيط لضمانات أمنية قوية في القارة، في مواجهة خطر انسحاب المظلة العسكرية والنووية الأميركية.
إذ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون, استعداده لفتح النقاش حول ردع أوروبي نووي في المستقبل بعد طلب بهذا الخصوص من المستشار الألماني المقبل فريدريش ميرتس الذي رأى من الضروري أن تستعد أوروبا لأسوأ سيناريو المتمثل بتخلي واشنطن عن حلف شمال الأطلسي.
إنّ الحديث عن استقلال دفاعي أوروبي ليس جديداً، لكنه اليوم يواجه اختبارات عملية في ظل تصاعد الحرب في أوكرانيا والتغيرات المحتملة في السياسة الأميركية.
فبينما تحاول أوروبا تعزيز مكانتها الإستراتيجية، فإنها تواجه واقعاً معقداً من التحديات العسكرية والاقتصادية والسياسية.
في ظل ذلك, يبقى «ناتو» في قلب هذه المعادلة، فإما أن يعيد تشكيل دوره ليتلاءم مع هذه التحولات، أو أن يواجه خطر التآكل التدريجي، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة رسم ملامح الأمن على ضفتي الأطلسي لعقود قادمة.