الحرية- أمين سليم الدريوسي:
لا يعد مضيق «هرمز» مجرد ممر مائي ضيق بعرض 33 كيلومتراً، بل هو شريان الطاقة الحيوي للعالم، تمر عبره 30% من تجارة النفط العالمية و25% من الغاز الطبيعي المسال، وذلك وفقاً لهيئة الطاقة الدولية، أي أن إغلاق هذا الممر – جراء ما يجري بين إيران وإسرائيل سيكون بمثابة زلزال اقتصادي تُقاس آثاره بالأسابيع لا بالسنوات.
ما هي الدول التي ستكون في قلب العاصفة؟
أولاً، المملكة العربية السعودية، إذ يعتبر إغلاق الممر ليس مجرد أزمة اقتصادية للسعودية، بل تهديد وجودي لنموذجها التنموي 2030، والمشهد سيكون أقرب إلى «معجزة اقتصادية تُدفن تحت أنقاض المضيق»، كل هذا بينما سيسمع صوت العالم وهو يصرخ، أين النفط السعودي؟ بعد أن تكون قد اهتزت أركان الاقتصاد السعودي في ضربة ثلاثية الأبعاد تتمثل بشلل الصادرات النفطية، حيث أن 80% من إيرادات النفط «٧.٥ ملايين برميل يومياً» ستتجمد فوراً، مما يجعل المملكة تلجأ لتصدير النفط عبر موانئ البحر الأحمر وهذا سيرفع التكاليف ٣٠% ويُضعف التنافسية.
لكن السيناريو الأسوأ بالنسبة لها هو خسارة 200 مليار دولار سنوياً، أي نصف إجمالي إيرادات المملكة، كما ان توقف مشاريع رؤية 2030 ستتحول إلى حبر على ورق، وسيتم تعليق مشاريع «نيوم» و«ذا لاين» لسنوات، ويصبح تحوُّل المملكة إلى «مركز استثماري عالمي» مجرد سراباً، وسيصبح الريال السعودي أول ضحايا الأزمة إذ سيكون هناك «ضغوط غير مسبوقة لفك الارتباط بالدولار»، كما سيؤدي لارتفاع حاد في البطالة مع توقف المشاريع الكبرى.
شريان لا يُعوض للإمارات
ثانياً، الإمارات العربية، تعتبر الإمارات من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في حال إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران، وذلك للأسباب التالية:
• اعتمادها على الصادرات من النفط، إذ تعتبر الإمارات من أكبر منتجي ومصدري النفط والغاز في العالم، ويمر جزء كبير من صادراتها النفطية والغازية عبر هذا المضيق، والإغلاق سيمنع أو يعيق هذه الصادرات، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة.
• كما تعتمد الإمارات بشكل كبير على إيرادات النفط والغاز في ميزانيتها، وانخفاض الصادرات يعني انخفاض الإيرادات، مما يؤثر على خطط التنمية والمشاريع الحكومية.
• كما سيؤدي الإغلاق إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، مما قد يضر بالاقتصاد الإماراتي على المدى الطويل.
والمفارقه هنا انه رغم تطوير الإمارات لميناء الفجيرة إلى خارج المضيق، لكن لا تزال هناك90% من صادراتها النفطية تعبر «هرمز»، أما الثغرة الثانية في ضعف ميناء الفجيرة تكمن في أن خط أنابيب «حبشان-الفجيرة» الذي ينقل «1.5 مليون برميل يومياً» متوقف منذ 2022 بسبب هجمات الحوثيين.
كابوس العراق الاقتصادي
ثالثاً: العراق، حيث يواجه مخاطر جمة في حال إغلاق مضيق هرمز، خاصة وهو الشريان الحيوي لتجارة النفط العالمية، ويعتمد العراق على تصدير النفط، المصدر الرئيسي لإيراداته، عبر هذا المضيق وإغلاقه يعني:
• تأثير على الإيرادات، إذ ستنخفض إيرادات النفط بشكل حاد، مما يؤثر على الميزانية، ويعيق جهود إعادة الإعمار.
• سيكون هناك صعوبة في تصدير النفط، إذ أن 85 % من صادراته أي «3.3 ملايين برميل يومياً» تمر عبر ميناء البصرة، مما قد يؤدي إلى تخزين النفط، أو إيجاد طرق بديلة مكلفة، وانقطاعها يعني انهيار موازنة الدولة.
• ارتفاع أسعار النفط العالمية، فقد يؤثر على الاقتصاد العراقي، ويزيد من التضخم.
• أما من جانب التأثيرات الأمنية، فقد يتأثر الأمن العراقي بسبب التوترات الإقليمية، والحاجة إلى حماية المنشآت النفطية، مما سيضطر العراق للاعتماد على دعم من الحلفاء للحفاظ على أمنه الاقتصادي والنفطي.
باختصار، فإن إغلاق «هرمز» يمثل تهديداً خطيراً للاقتصاد العراقي، ويهدد استقراره، ويتطلب استعداداً وجهوداً مضاعفة للتخفيف من آثاره.
قطر على خط المواجهة
رابعاً، قطر، تحتل هذه الدولة المرتبة الثالثة عالماً كأكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم ثالث مصدر «77 مليون طن سنوياً»، وبهذا تكون قطر هدفاً حيوياً في حال إغلاق المضيق، ويمر عبر هذا الممر المائي الحيوي الجزء الأكبر من صادرات الغاز القطرية، والتي تمثل عصب الاقتصاد، والإغلاق يعني:
• شلّ الصادرات، أي تعطيل شبه كامل لصادرات الغاز، وهو المصدر الرئيسي للدخل القومي.
• انخفاض حاد في الإيرادات، مما يؤثر على الخطط التنموية والمشاريع الكبرى.
• زيادة أسعار الغاز، وتأثيرات سلبية على الاقتصاد العالمي.
• زيادة تكاليف التأمين والشحن، والبحث عن طرق بديلة أكثر تكلفة.
• زيادة التوتر في المنطقة، وتأثيره على الاستثمارات الأجنبية.
بإيجاز، يضع إغلاق «هرمز» قطر في وضع بالغ الحرج، مما يستدعي اتخاذ تدابير احترازية لحماية أمن الطاقة واقتصادها.
الكويت في دائرة الخطر
خامساً، الكويت، تواجه الكويت، الدولة النفطية، مخاطر كبيرة في حال إغلاق مضيق «هرمز»، الشريان الحيوي لتصدير النفط. يعتمد الاقتصاد الكويتي بشكل كبير على صادرات النفط الخام التي تعبر هذا المضيق، وهذا الإغلاق سيؤدي إلى:
• صعوبة كبيرة في تصدير النفط الخام، المصدر الرئيسي للدخل القومي، حيث تعتبر 100% من صادراتها النفطية معرّضة للتجميد، وهذا يؤدي لانخفاض حاد في الإيرادات النفطية، مما يؤثر على الميزانية العامة للدولة.
• ارتفاع أسعار النفط العالمية، قد يؤثر على الاقتصاد العالمي، وحتى وإن كان في البداية مكسباً للكويت، فإنه يضر على المدى الطويل.
• تعطيل التجارة البحرية، مما يزيد من تكاليف الاستيراد والتصدير.
• زيادة التوتر في المنطقة، واحتمال تعرض المنشآت النفطية الكويتية للخطر.
باختصار، يمثل إغلاق «هرمز» تهديداً كبيراً للكويت، ويستدعي اتخاذ إجراءات لحماية الاقتصاد الوطني.
آسيا في مرمى نيران الإغلاق
يمثل إغلاق مضيق «هرمز» كارثة اقتصادية قادمة لقارة آسيا، التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط والغاز من منطقة الخليج، ويمر عبر هذا الممر المائي الحيوي جزء كبير من إمدادات الطاقة اللازمة للاقتصادات الآسيوية الكبرى ما يعني أن كابوس انهيار اقتصادات العملاقين الصين والهند بات يلاحقهما
خطرٌ على أمن الصين الطاقوي
سادساً، الصين، فالصين وهي أكبر مستورد للنفط في العالم «40%، 11 مليون برميل يوماً»، تواجه مخاطر كبيرة حيث يمر عبر هذا الممر المائي الحيوي جزء كبير من واردات النفط والغاز التي تعتمد عليها الصين لدعم اقتصادها الضخم. هذا الإغلاق سيؤدي إلى:
• ارتفاع التضخم إلى 15%.
• نقص حاد في إمدادات النفط والغاز، مما قد يؤدي إلى تعطيل الصناعة والنمو الاقتصادي.
• ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً سيؤدي إلى تباطؤ النمو، وتدهور التجارة الخارجية.
• الحاجة إلى البحث عن طرق بديلة ومكلفة لتأمين إمدادات الطاقة.
• زيادة التوتر في المنطقة، وتأثيره على العلاقات مع الدول المستوردة للنفط.
• زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الصين.
باختصار، يمثل إغلاق «هرمز» تهديداً خطيراً للأمن الطاقوي الصيني، ويضعف من قدرتها على الحفاظ على النمو الاقتصادي.
الهند على المحك
سابعاً، الهند، تواجه الهند، القوة الاقتصادية الصاعدة، تحديات جمة في حال إغلاق مضيق هرمز تعتمد الهند بشكل كبير على واردات النفط والغاز من منطقة الخليج «65%، 4.5 ملايين برميل يوماً»، والتي تمر عبر هذا الممر المائي الاستراتيجي وهذا الإغلاق سيؤدي إلى:
• نقص كبير في إمدادات الطاقة، مما يؤثر على الصناعة والنمو الاقتصادي.
• ارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية سيؤدي إلى التضخم، ويثقل كاهل المستهلكين.
• تباطؤ النمو الاقتصادي، وتأثير سلبي على التجارة الخارجية والاستثمار.
• ضغوط على الروبية الهندية، وتراجع قيمتها مقابل الدولار.
كذلك زيادة التوتر في المنطقة، والحاجة إلى حماية المصالح الهندية.
باختصار، يمثل إغلاق «هرمز» تهديداً كبيراً لأمن الطاقة الهندي، ويُعيق طموحاتها التنموية.
تسونامي اقتصادي يهدد اليابان وكوريا الجنوبية
ثامناً، اليابان وكوريا الجنوبية، تواجه كل من اليابان وكوريا الجنوبية، أكبر اقتصادين في شرق آسيا، أزمة طاقة حادة في حال إغلاق مضيق هرمز، إذ تعتمد هاتان الدولتان بشكل كبير على واردات النفط والغاز من منطقة الخليج، والتي تمر عبر هذا الممر المائي الحيوي، وفي حال أإغلاق هذا الشريان الحيوي لنفط الشرق الأوسط، ستتلقى اليابان وكوريا الجنوبية ضربات اقتصادية قاسية
• كارثة إمدادات الطاقة، حيث تعتمد بنسبة 90% على نفط الشرق الأوسط، معظمه عبر «هرمز»، والإغلاق يعني شحاً فورياً وخطر شلل صناعي.
• بينما تستورد كوريا الجنوبية 70% من نفطها عبر المضيق، وتوقف التدفق يهدد أمنها واستقرار قطاعاتها الحيوية.
• انقطاع الإمدادات سيُسبب قفزة تاريخية في أسعار النفط والغاز عالمياً، مما يرفع تكاليف الإنتاج والاستيراد بشكل حاد.
• الصناعات العملاقة للدولتين «مثل السيارات والإلكترونيات والصلب» ستعاني نقصاً في الوقود ومواد أولية بتروكيماوية، مما قد يُوقف خطوط الإنتاج.
• ارتفاع كلفة الطاقة والنقل سيدفع التضخم لأعلى، بينما يُخنق النمو الاقتصادي ويُرهق المستهلكين والشركات.
• اضطراب سلاسل التوريد العالمية: اعتماد اقتصادات البلدين الكثيف على التصدير والاستيراد يجعل أي خلل في شحنات النفط والمنتجات البترولية عبر «هرمز» كفيلاً بتعطيل شبكات التوريد العالمية برمتها.
• كما سيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة لزيادة التوتر الاجتماعي المحتمل.
باختصار: إغلاق «هرمز» ليس مجرد أزمة إمدادات طاقة، بل هو قنبلة موقوتة تُهدد بانهيار سلاسل الصناعة والتوريد في قوتين اقتصاديتين آسيويتين، وتُسبب صدمة تضخمية تمس حياة المواطنين وتُزعزع استقرارهما الاقتصادي والأمني، وتداعياته ستكون عالمية، ولكن اليابان وكوريا الجنوبية ستكونان في قلب العاصفة.
عاصفة اقتصادية تهدد أوروبا
تاسعاً، أوروبا، تواجه القارة الأوروبية، التي تعتمد على استيراد كميات كبيرة من النفط والغاز، تحديات كبيرة في حال إغلاق «هرمز»، الذي يمر عبره جزء كبير من إمدادات الطاقة التي تعتمد عليها أوروبا، ولو أُغلق مضيق «هرمز» وهو الممر الحيوي لـ30% من النفط المنقول بحراً ستواجه أوروبا تداعيات خطيرة رغم اعتمادها الأقل على نفط الخليج مقارنة بآسيا ومنها:
• ارتفاع فوري لأسعار النفط والغاز العالمية بنسبة قد تتجاوز 50%، مما يرفع فواتير الطاقة للأسر والصناعات الأوروبية ويعمق أزمة تكاليف المعيشة.
• قطاعات حيوية مثل الكيمياويات في ألمانيا ومصافي النفط في إيطاليا وإسبانيا ستُضرب بشدة بسبب نقص الإمدادات البديلة، ما يهدد بتعطيل الإنتاج وزيادة البطالة.
• ارتفاع كلفة النقل والطاقة سيُضاعف تضخم السلع الأساسية، خاصة مع اعتماد سلاسل التوريد الأوروبية على المنتجات البترولية الواردة عبر «هرمز».
• محاولة استبدال النفط الخليجي «20% من واردات أوروبا» بطرق أطول، مثل رأس الرجاء الصالح، وهذا سيُكلف مليارات الدولارات وتُربك الأسواق.
• تصاعد المنافسة على إمدادات النفط المحدودة قد يُعمق الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي ويُضعف موقفه التفاوضي أمام موردي الطاقة.
والخلاصة، فإنه رغم تنويع أوروبا لمصادر طاقتها مؤخراً، يبقى إغلاق «هرمز» كابوساً اقتصادياً سيدفع القارة إلى ركود تضخمي، ويُفاقم أزماتها الاجتماعية، ويُعيدها إلى شفير أزمة طاقة جديدة.
متى يصبح الإغلاق واقعاً؟
يقول الخبراء أن الإغلاق وإن حصل فلن يدوم أكثر من 6 أسابيع بسبب الضغط الدولي، لكن الأسابيع الستة هذه كفيلة بتدمير النظام الاقتصادي العالمي، ولكن الخطر الأكبر يكمن في أن تتحول الأزمة المؤقتة إلى انهيار دائم لثقة الأسواق في نظام الطاقة العالمي، مما يدفع العالم نحو حروب باردة جديدة على الطاقة، هذا هو الثمن الذي لا يدركه متحمسو التصعيد في طهران وتل أبيب.. والعالم كله سيدفعه.
شرارة تُشعل فوضى الطاقة العالمية
قصارى القول، إغلاق مضيق هرمز ليس شأناً إقليميّاً عابراً وحسب، بل هو زلزالٌ يهدد أسس الاقتصاد العالمي، وتداعياته ستُحوِّل أسواق الطاقة إلى ساحات صراع، وتجرّ العالم إلى هاوية تضخمٍ لا تُبقي ولا تذر، وهنا يُختبر التضامن الدولي، إما تعاونٌ استثنائي لتفادي الكارثة، أو انزلاقٌ نحو عصرٍ جديد من الفوضى والتنافس الدموي على الموارد، الساعة تدقّ، وشريان الحياة العالمي على حافة الانفجار.