الحرية- إلهام عثمان:
ما بعد جائحة كوفيد-19، برزت ظاهرة فقدان بعض الحواس عند البعض، وخاصة حاستي الشم والتذوق كأحد الأعراض الأكثر انتشاراً، والتي استمرت في بعض الحالات ما بعد الشفاء، و التي تعد من علامات «كورونا طويلة الأمد»، فهل هو السبب رئيسي، أم إن هناك أسباب أخرى، وما دور الطب الكيميائي و البديل في استعادة الحواس؟ أسئلة يطرحها الكثيرون، ويجيب عنها خبراء الطب والعلاج بالأعشاب.
إحدى الحالات ع.ه بينت أنها بقيت تعاني من الرشح لمدة أسابيع، وبعد مراجعة الطبيب المختص تبين الإصابة بكورونا، وتقول: فقدت حاستي الشم والذوق، ولم أستعدهما حتى الآن، وتضيف: إنها عند التذوق تشعر بالمر والحلو والحامض والمالح، إلا أنها لا تميز النكهات الأخرى، مثل البهارات، أما الشم فهي لا تميز بين الروائح إلا لقوية والكريهة منها.
فيما أضاف عمر أنه بعد عدة تمارين للشم والتذوق، والتي قام بها تحت إشراف طبيب مختص، شعر بتحسن بسيط، إلا أنه لم يستعد حاستي الشم والذوق بشكل كامل.
أسباب متعددة وأعراض متباينة
يوضح لنا الدكتور الدكتور رامي نذير الموحد، اختصاصي أمراض الأنف والأذن والحنجرة، وجراحة الرأس و العنق، أن فقدان حاستي الشم والتذوق يعد من الأعراض الشائعة عند الإصابة بكوفيد-19، إذ يعاني منها نسبة 7- 20% من المصابين، وتستمر عند بعضهم شهوراً حتى بعد الشفاء، وأنه في الوقت الذي يستعيد فيه غالبية المرضى حواسهم وخلال أسابيع، إلا أن بعض الحالات قد تعاني لأسابيع أو أشهر، و بالتالي قد يستدعي ذلك المتابعة والعلاج.
فيروسات أخرى
وفي السياق نفسه، يوضح من خلال حديثه لـ”الحرية”، أن سبب فقدان الحواس ليس حصراً على كوفيد-19 وحده؛ ففيروسات أخرى مثل نزلات البرد والأنفلونزا، والتهابات الجيوب الأنفية، والحساسية، وأمراض الأعصاب، والأدوية مثل مضادات الميكروبات أو خافضات ضغط الدم، جميعها يمكن أن تؤدي إلى ذلك، حتى العمليات الجراحية مثل استئصال اللوزتين أو جراحات الأذن، قد تكون سبباً.
وتشمل الأسباب المحتملة الأخرى لفقدان التذوق، الزوائد الأنفية أو الأورام، وفقاً لجامعة “ييل” الطبية، ويمكن أن تؤثر حالات مختلفة على السمع، مثل الالتهابات، وتراكم شمع الأذن، أو التعرض للضوضاء العالية، وهنا من الضروري استشارة اختصاصي رعاية صحية للحصول على التشخيص والعلاج المناسبين.
كما أشار الموحد إلى أنه يمكن أن يحفز فقدان حاسة الشم أيضاً حالات عصبية، أو صدمات في الرأس، أو سلائل أنفية، أو التهاب الجيوب الأنفية، أو الحساسية، لذا يجب استبعاد هذه العوامل قبل اعتبارها أعراضاً لكوفيد-19.
بدوره أضاف خبير الأعشاب عبد العزيز العلي، والذي ربط بين الحالة وضعف المناعة، أن التهابات الحساسية مثل نزلات البرد، احتقان الأنف أو الجيوب الأنفية، وأمراض العصبية ( النادرة مثل الباركنسون)، والحساسية، والإصابات بالرأس، نقص الزنك أو فيتامينات معينة هي من أسباب فقدان حاستي الشم والتذوق.. وهنا يبرز دور الأعشاب والمكملات الطبيعية، والتي تساعد في تقوية المناعة وتحفيز استعادة الحواس.
استعادة الحواس
وعن إمكانية استعادة الحواس، و حسب رأي الموحد، عادةً ما تستمر أعراض فقدان الشم والتذوق لمدة حوالي 8 أيام، إلا أنها قد تطول عند بعض الأشخاص، وقد يحتاج البعض إلى علاج ومتابعة، خاصة إذا استمرت لأكثر من أسابيع أو أشهر، ويضيف” إن 70% من المصابين يستعيدون حاستي الشم والتذوق خلال أول 30 يوماً، لكن البعض الآخر يحتاج للعلاج الطبيعي أو الدوائي.
هناك بعض الأدلة، وإن كانت ضعيفة، على فعالية أدويةٍ مثل الثيوفيلين (دواءٌ للربو) وسترات الصوديوم وفق رأيه.
وقد يختلف تعافي حاستي الشم والتذوق بعد كوفيد-19؛ ففي بعض الحالات، قد تعود الحواس إلى طبيعتها من دون أي تدخل. ومع ذلك، تشمل بعض الخطوات للمساعدة في استعادة حاستي الشم والتذوق التدريب على الشم، والحفاظ على نظافة الفم الجيدة، وترطيب الجسم، والتحلي بالصبر، حيث قد يستغرق الأمر عدة أسابيع.
ويشير إلى أن العلاج المبكر يتضمن تدريب المرضى على الشم وهو ليس بالأمر الجديد، لأن فيروسات أخرى قد تُفقد حاسة الشم أيضاً، ونصح باستخدام الستيرويدات، والمكملات التي تدعم الصحة العامة، وفي بعض الحالات، قد يستخدم العلاج بالمضادات الفيروسية أو الأدوية الأخرى التي يحددها الطبيب المختص.
اختبار الروائح
وعن اختبارات تقييم وظائف الحواس؟ يوضح الموحد أن تقييم وظيفة حاسة الشم يتم عبر اختبار الروائح، حيث يُطلب من المريض التعرف على مواد مختلفة والتفرقة بينها، ما يقيس مدى قوة الذاكرة الشمية لديه. أما اختبار التذوق، فإعداده يتطلب تحضير مواد ذات مذاقات مختلفة (حلو، حامض، مالح، مُر) في مياه نظيفة، ويتم تقديم قطرات منه على اللسان، ويُطلب من المريض تحديد الطعم.
وفيما يخص السمع، ووفقاً لرأيه، يجرى قياس النغمات باستخدام اختبارات محددة لقياس مدى استجابة السمع الصحي، خاصة في حالات نقص السمع المصاحبة لكورونا.
وهنا يشدد د. الموحد على أن معظم حالات فقدان الحواس تتعافى (تلقائياً)، وأن العلاج الموجه يعتمد على نوع الحالة وسببها، ويشير إلى أن استخدام التمرينات الشمية، والتي تعتمد على استنشاق روائح قوية ومعروفة، يعتبر من أفضل الطرق لتحفيز استعادة الحاسة، موضحاً أن العلاج بالكورتيزون يُستخدم فقط عند الضرورة، خاصة في حالات الفيروسات الشديدة أو المضاعفات.
من جهته بين العلي، أن العلاج بالأعشاب يشمل استخدام العكبر ودواء (البروبوليس)، لأنه يعزز المناعة ويحفز استعادة الوظائف الحسية، كما ينصح باستخدام الزيوت العطرية مثل إكليل والتبخر بها واستنشاقها.
ومن الأعشاب التي تعيد حاسه الشم، القرنفل- القرفة- الليمون- القهوة- الورد- البصل، مع التأكيد على أهمية إعداد الأطباق اليومية باستخدام زيت الزيتون.
كما حذر العلي من الإفراط في استنشاق العطور والروائح القوية بكثرة، وذلك لتجنب تهيج الأنف والجهاز التنفسي.
وهنا لفت الموحد إلى أنه لا يُتنبأ بشدة الأعراض بفقدان الشم. ومع ذلك، من الشائع أن يكون فقدان الشم هو العرض الأول والوحيد لكوفيد19.
وأنه بالرغم من الدراسة التي أجريت عام 2021 على الزنك وفيتامين ج وفيتامين د، لم تظهر أي فائدة للأشخاص المصابين بكوفيد-19 وفقاً لحديث الموحد.
حاسة الرؤية
كما بين الموحد أن التهاب الملتحمة أو ما يطلق عليها بـ(العين الوردية)، من أكثر أمراض العيون بسبب كوفيد-19 لدى الأطفال والبالغين، وقد أظهرت بعض الدراسات أن 9 من كل 10 مرضى يعانون من أعراض العين عانوا من هذه الحالة.
حاسة السمع
وأضاف الموحد أن فقدان السمع الحسي العصبي (SNHL) والطنين أحد المضاعفات، يعد خارج الرئة لكوفيد-19، و قد يُصاب مرضى كوفيد-19 بضعف السمع بغض النظر عن شدة العدوى، وهنا يُوصى بتقييم وظائف السمع لدى المرضى للكشف المبكر والإدارة السليمة.
وختم الموحد: أنه في معظم الحالات، يتعافى ضعف حاسة الشم بسرعة. ومع ذلك، قد يستغرق الأمر شهوراً. وفي حالات قليلة، وقد لا يكتمل الشفاء مع ضعف دائم، ورغم عدم وجود علاج مُثبت، يُنصح بتدريب حاسة الشم، وهنا يمكن استخدام بخاخات الكورتيكوستيرويد الموضعية غالباً في العلاج قصير المدى، ولكن من غير المرجح أن تُجدي نفعاً، إلا بعد فترة المرض الحادة، لذا خير الأمور الوقاية وممارسة التباعد الاجتماعي.