هل يفعلها ترامب ويزور دمشق؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:
بعد الزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي سبقتها سلسلة من اللقاءات بدأت في الرياض وتواصلت عبر اجتماعات جانبية على هامش مؤتمرات دولية، بدا المشهد وكأن سوريا قد كسرت طوق العزلة الطويلة، ووضعت قدميها بثبات على طريق الانفتاح مع العالم، لتبدأ رحلة إعادة إعمار الوطن وبناء الإنسان والاقتصاد معاً.
من هنا تبرز أمام سوريا فرصة نادرة لتحول تاريخي آخر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، بعد معلومات إعلامية، تفيد بجهود سورية لترتيب زيارة محتملة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دمشق. إذا تحققت هذه الزيارة، فستكون بمنزلة شرارة لمرحلة جديدة أوسع وأعمق من الانفتاح الدبلوماسي والاقتصادي، وقد تضع البلاد على مسار معاودة البناء واستعادة دورها الإقليمي.
هذا التسارع الدبلوماسي بين البلدين يعطي انطباعاً واضحاً بأن الانفتاح وتطبيع العلاقات بين سوريا وأميركا ليس مجرد كلام بل عملية متسلسلة، اللقاءات المتعددة بين الطرفين – من الرياض إلى نيويورك ثم إلى البيت الأبيض – تعبّر عن توافق سياسي وإرادة للتواصل، ولعل العبارة التي أوردتها مراسلة «العربية/الحدث» عن قول ترامب: «سيتم الإعلان عن المزيد من الاتفاقيات، وإذا تم توقيع هذه الاتفاقيات فسيذهب ليعلن عنها من دمشق»، تعكس رغبة أمريكية في إضفاء طابع عملي وعلني على أي تفاهمات، ما يمنح دمشق فرصة للاصطفاف في مسارات إيجابية تستطيع من خلالها استقطاب التمويل والخبرات التقنية.
وإن صحّت الأنباء حول إمكانية عقد لقاء رئاسي سوري–أمريكي على أرض دمشق، فإن ذلك سيُشكّل محطة فارقة في مسار الانفتاح الجديد، ويعكس جدية الجهود السورية في إعادة وصل ما انقطع مع العالم. مثل هذه الخطوة، إذا ما تحققت، ستفتح الباب أمام اتفاقيات عملية تُعلن من قلب العاصمة، لتكون دمشق شاهدة على بداية مرحلة جديدة من التعاون الدولي وإعادة الإعمار.
إن هذه الأخبار تحمل في طيّاتها فرصاً عملية ومباشرة لإعادة سوريا إلى سكة التعافي الاقتصادي والدبلوماسي بعد سنوات من العزلة، هذا السيناريو الإيجابي لا يقتصر على بعد رمزي فحسب، بل يوفر آليات ملموسة لتسريع إعادة البناء، جذب الاستثمارات، وفتح قنوات تعاون تخدم الاستقرار الداخلي والإقليمي.
على المستوى الاقتصادي، زيارة رسمية بهذا الحجم ستعمل كإشارة ثقة للأسواق والمستثمرين، وسيبدأ التدفق المتوقع للاستثمارات الأجنبية المباشرة والذي سيساعد فوراً في توفير المواد الأولية اللازمة لصناعات البناء والطاقة والنقل، ما يسرّع جدولة مشاريع إعادة الإعمار الحيوية، ودخول تقنيات حديثة وبرمجيات ستسهم في تحديث البنية الإدارية للمشروعات العامة، بينما إعادة فتح قنوات ائتمانية مع بنوك إقليمية قد يخفض كلفة التمويل ويعيد تفعيل سلاسل التوريد المتوقفة، والنتيجة المباشرة ستكون خلق آلاف فرص العمل في قطاعات البناء والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية، مع انعكاسات اجتماعية ملموسة في تحسين مستويات المعيشة.
أما على الصعيد السياسي للزيارة – إذا تمت – فلن يقتصر على البعد الداخلي فحسب، بل سيكون له تأثير إقليمي، فتقارب دمشق وواشنطن يمكن أن يمهّد لآليات تهدئة على الحدود، ولإعادة ضبط ملفات أمنية حساسة عبر ممرات تفاوضية تُفضي إلى تقليل احتمالات التصعيد، كما أن مشاركة دول عربية وإقليمية في تمويل مشاريع إعادة الإعمار قد تفتح قنوات تعاون اقتصادي متبادلة تعزز التكامل الإقليمي وتعيد سيولة للتجارة البينية.
ولكن كي تتحول هذه الفرصة إلى مكسب دائم، لا بد من ضبط عدة عناصر من البدايات:
أولها، إطار شفاف لاستهداف مشاريع الإعمار يضمن توزيعاً عادلاً للعائدات ويمنع احتكاراً يمنح نفوذاً اقتصادياً ضيقاً لفئات محددة.
ثانياً، آليات رقابة محايدة واحترافية على تنفيذ الاتفاقيات ستطوّق مخاطر الفساد وتبني ثقة المستثمرين.
أما ثالثاً، فإن برامج التدريب المحلية التي تهدف لرفع كفاءة اليد العاملة ستضمن أن الفوائد المحلية تبقى مستدامة وتدعم إنشاء قطاع خاص منافس.
رابعاً وأخيراً، فإن تم التنسيق مع بنوك إقليمية وتسهيلات ائتمانية فإن ذلك سيضمن أن التمويل لا يبقى معلقاً بفترات بيروقراطية مطوّلة.
التوقيت السياسي لهذه المبادرة مهم أيضاً، أي إعلان مشترك أو زيارة يجب أن يصاحبها تدرج واضح في الخطوات التنفيذية: اتفاقات أولية قابلة للتنفيذ، جداول زمنية لمشروعات محددة، ومراحل تقييم دورية، هذا المنهج سيحوّل الصورة الرمزية للزيارة إلى سلسلة نتائج ملموسة تُقاس على الأرض، ما يزيد من مصداقية دمشق في نظر شركاء دوليين وسياسياً يقلل من مخاوف الداخل بشأن توزيع المنافع.

في المحصلة، حتى مجرد الإشارة الإعلامية إلى أن هناك جهوداً لترتيب زيارة للرئيس الأميركي إلى دمشق تحمل قيمة عملية: هي إشارة لصنّاع القرار والمستثمرين والأسواق بأن نافذة تغير جيوسياسي قد انفتحت، فما كان يبدو سابقاً مستحيلاً قد يصبح مجالاً لبداية جديدة لإعادة دمج سوريا في الفضاء الاقتصادي الإقليمي والدولي، إذا أحسن المعنيون استثمار هذه اللحظة عبر برامج شفافة ومخططات قابلة للتنفيذ، فستتبدى أمام السوريين فرصة حقيقية للانتقال من مرحلة التعافي الهش إلى مسار تعافٍ قائم على مشاريع وإنتاج وفرص عمل تعيد شرايين الحياة للاقتصاد والمجتمع.

Leave a Comment
آخر الأخبار