وثيقة البيت الأبيض للسلام.. طريقٌ شائكٌ معبّدٌ بالأمنيات

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – دينا الحمد:

وثيقةُ البيت الأبيض التي أعلنها مسؤولو المكتب البيضاوي الأمريكي، والتي عنونوها باسم “إعلان ترامب للسلام الدائم والازدهار”، ووقّعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال القمة الأخيرة في مصر، تفترض سؤالاً بالغاً في الأهمية: هل حقاً سيحلّ السلام في المنطقة هذه المرة؟ وهل ترامب وفريقه قادرون على فرضه على (إسرائيل)؟

في الواقع، تؤكّد أحداثُ التاريخ القريب والبعيد، بما فيها اتفاقات السلام العربية-(الإسرائيلية) من كامب ديفيد إلى وادي عربة مروراً بأوسلو، أنّ السلام لم يرخِ بظلاله على منطقتنا، وأنّ الحروب والقتل واحتلال الأراضي استمرّت طيلة عقودٍ رغم توقيع تلك الاتفاقات، ورغم أن من وقّعوها تفاءلوا أكثر من ترامب وصرّحوا بعباراتِ سلامٍ كانت أبعدَ مما قاله كلّ من حضر القمة الأخيرة في الشقيقة مصر، وذلك كلّه بسبب سياسات العدوان والاحتلال التي تنتهجها (إسرائيل)، وتهرّبها من كلّ استحقاقات السلام العادل والشامل في المنطقة، وفي مقدّمتها الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وإعادة الحقوق إلى أهلها، وأوّلها حقّ العودة الذي كفلته الأمم المتحدة.

من هنا، فإنّ وثيقة البيت الأبيض إياها تنتظر الأفعال لا الأقوال، وتنتظر التزام (إسرائيل) بها قبل التزام الآخرين. وقبل الخوض في تفاصيلها، علينا إلقاء نظرةٍ سريعةٍ على أهمّ بنودها لنحلّل إمكانية تنفيذها وتطبيقها في قادم الأيام.

فإعلان ترامب، أو وثيقة البيت الأبيض، أو اتفاق غزة، والتي تدور كلّها حول السلام، تؤكّد جميعها على التزام الأطراف الموقّعة عليها بتحقيق السلام، وإنهاء أكثر من عامين من المعاناة والخسائر في غزة تحديداً، وفتح فصلٍ جديدٍ يسوده الأمل والأمن والتعاون الإقليمي، بما يضمن السلام والاستقرار والفرص المتكافئة لجميع شعوب المنطقة، مع التأكيد على أنّ السلام الحقيقي هو الذي يضمن الحقوق الإنسانية الأساسية، ويصون الكرامة، ويوفّر الأمن والازدهار لكلّ الأطراف. كما ركّز الجميع على أنّ الحوار المستمر والتعاون بين الدول والشعوب وتعزيز الروابط الإقليمية والدولية يُعدّ ركيزةً لتحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل. وهنا نسأل: متى آمنت (إسرائيل) بالحوار والتعاون؟ ومتى التزمت بحقوق الإنسان وصانت كرامته على مدى سبعة عقودٍ ونيف، حتى يصدّق المجتمعون أنها ستلتزم بكلّ هذا هذه المرة؟

أيضاً، وفي سياق مكافحة التطرف، تتحدث وثيقة البيت الأبيض عن أنّ المجتمعين تعهّدوا بمواجهة جميع أشكال التشدد والتطرف، مؤكّدين أنّ المجتمعات لا يمكن أن تزدهر في ظلّ العنف والعنصرية، ودعوا إلى معالجة الأسباب التي تؤدي إلى التطرف من خلال تعزيز التعليم، وتوفير الفرص، وترسيخ ثقافة الاحترام المتبادل. وهنا يقفز السؤال الأهم: متى واجه العالمُ التطرفَ (الإسرائيلي)، ووضع له الحدّ الأدنى المطلوب؟ ومتى رأينا المحاكم الدولية وهي تحاسب متطرفاً (إسرائيلياً) واحداً على مدى عقود؟

خلاصة القول: يُبنى السلامُ بالأفعال والإرادة على تنفيذها، وليس بعقد الاتفاقات على الورق أو التصريحات والبيانات والوثائق. فمبادئ الاحترام المتبادل والمصير المشترك، وبناء مستقبلٍ آمنٍ ومزدهرٍ للمنطقة، والإعلان عن الرؤى المشتركة للسلام والازدهار، وتأسيس مرحلةٍ جديدةٍ من التعاون الإقليمي والدولي، وإنهاء الصراعات وتحقيق الاستقرار في واحدةٍ من أكثر مناطق العالم تعقيداً وحساسية، جميعها تحتاج إلى تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وانسحاب (إسرائيل) من الأراضي التي تحتلّها، وتفكيك مستوطناتها من هناك، وإجبار الأخيرة على تنفيذ ذلك، وليس بالتمني وعقد الاتفاقات التي سرعان ما تذهب إلى أدراج النسيان. وخاصة أنّ رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو يعارض حتى اليوم استقلال فلسطين وقيام دولة فلسطينية مستقلة، كما أنّ الرئيس ترامب لم يشر لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ أثناء القمة إلى هذا الأمر أو إلى مصطلح “حلّ الدولتين” البتة.

Leave a Comment
آخر الأخبار