وفقاً لتجارب عالمية سابقة.. الخصخصة خيار مثير للجدل بين الإصلاح والمخاطر المحتملة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – هناء غانم:
مع تصاعد الحديث عن مستقبل سوريا بعد التحرير، يبرز موضوع خصخصة القطاع العام كخيار مثير للجدل، فبينما يرى البعض أنها قد تعيد بناء الاقتصاد، يحذر آخرون من أنها قد تؤدي إلى الاحتكار وتغوّل أزلام النظام السابق، مما قد يؤثر على مستقبل الدولة سياسياً واقتصادياً.
الحرية تحاورت مع الدكتور والخبير الاقتصادي حيان البرازي لمعرفة هل الخصخصة حل أم مشكلة؟ حيث أكد أن القطاع العام عانى لعقود من الفساد والبيروقراطية وضعف الإنتاجية ومع تدمير البنية التحتية خلال الحرب، أصبح إصلاحه ضرورة ملحّة لكن إذا لم تُنفّذ الخصخصة بحذر، فقد تتحول إلى أداة لتمكين رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السابق، مما يعيد إنتاج هيمنة السلطة بواجهة اقتصادية جديدة، وفي كثير من الدول، أدى استحواذ النخب الفاسدة على مؤسسات الدولة إلى استمرار النفوذ القديم، ولكن بأدوات اقتصادية بدلاً من أدوات السلطة التقليدية.
في سوريا، يسيطر عدد من رجال الأعمال الموالين للنظام على مفاصل الاقتصاد، من المصارف والتجارة إلى الصناعات الثقيلة، هؤلاء قد يكونون المستفيدين الأوائل من أي خصخصة غير منظمة، مما يضمن استمرار نفوذهم الاقتصادي، وبالتالي تأثيرهم السياسي مستقبلاً، لهذا فإن الخصخصة دون رقابة صارمة قد تعني إعادة إنتاج النظام القديم بآليات اقتصادية جديدة، بدلاً من تحقيق التنمية الحقيقية.

تجارب سابقة
الخبير الاقتصادي أشار إلى أن هناك تجارب دولية منها أخفقت وأخرى حققت نجاجات، وعلينا اليوم الآستفادة منها
بريطانيا مثلاً: في عهد “مارجريت تاتشر”، تم تنفيذ خصخصة مدروسة طالت شركات كبرى مثل الاتصالات والطاقة، مما أدى إلى تحسين الخدمات وزيادة الإنتاجية، لكن نجاح التجربة كان بسبب وجود رقابة حكومية قوية لضمان عدم تحول الشركات إلى كيانات احتكارية.
وفي ألمانيا وبعد سقوط جدار برلين، واجهت ألمانيا تحدياً اقتصادياً كبيراً في دمج اقتصاد ألمانيا الشرقية مع الغربية. وقد تم بيع الشركات الحكومية بشكل تدريجي، مع فرض شروط تضمن التنافسية، مما ساعد في تحسين الأداء الاقتصادي مع تفادي الاضطرابات الكبرى.

البرازي: الخصخصة دون رقابة صارمة تعني إعادة النظام البائد بآليات اقتصادية جديدة!

وفي تشيلي: نفذت حكومة تشيلي خصخصة تحت إشراف الدولة، حيث تم بيع الشركات العامة بموجب قوانين صارمة تمنع الاحتكار، مما ساهم في تحقيق نمو اقتصادي قوي دون الإضرار بالطبقات الفقيرة.
ومن الدول التي فشلت في تطبيق الخصخصة روسيا، فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تم بيع الشركات العامة بسرعة ودون رقابة، مما أدى إلى استحواذ قلة من رجال الأعمال الموالين للسلطة على الاقتصاد، ليظهر ما يعرف بـ”الأوليغارشية”، التي هيمنت على الثروات وأبقت على النفوذ السياسي عبر الاقتصاد.
وهناك العراق، بعد الغزو الأمريكي، إذ تم حل وإلغاء العديد من الشركات العامة دون وجود قطاع خاص قادر على تعويضها، مما أدى إلى ارتفاع البطالة، انهيار القطاعات الإنتاجية، والاعتماد على الاستيراد بدلًا من الإنتاج المحلي.

الخصخصة فرصة للنمو إذا طُبّقت بحكمة… وقد تتحول إلى كارثة اقتصادية وسياسية إن تُركت دون رقابة !

كذلك الأرجنتين، في التسعينيات، تم بيع معظم المؤسسات العامة للقطاع الخاص بأسعار زهيدة، مما أدى إلى تفاقم الفقر وزيادة الديون دون تحسين حقيقي في الاقتصاد، مما تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات المالية في تاريخ البلاد.

لا للخصخصة العشوائية
وتساءل الخبير، كيف يمكن لسوريا أن تتجنب الفشل موضحا أن هنا “بيت القصيد”، لذلك لا للخصخصة العشوائية أي يجب أن تتم وفق رؤية اقتصادية واضحة، وليس كرد فعل سريع للأزمة.
والأهم منع تغوّل أزلام النظام السابق ووضع قوانين صارمة تمنع الشخصيات الاقتصادية المرتبطة بالنظام من الاستحواذ على الاقتصاد بواجهات جديدة. كما يرى أن هناك ضرورة لإصلاح القطاع العام قبل بيعه أي إعادة هيكلة الشركات الحكومية لتكون أكثر كفاءة بدلاً من بيعها وهي ضعيفة، مما يسمح ببيعها بأسعار عادلة. إضافة لذلك لا بد من البدء بخصخصة القطاعات غير الحيوية مثل السياحة والتجارة، مع إبقاء القطاعات الإستراتيجية تحت رقابة الدولة وتحت إشراف حكومي صارم بحيث يتم وضع قوانين تمنع الاحتكار وتضمن عدالة السوق، مثلما حدث في ألمانيا وتشيلي.
لذلك الخصخصة قد تكون فرصة للنمو إذا طُبّقت بحكمة، لكنها قد تتحول إلى كارثة اقتصادية وسياسية إن تُركت دون رقابة. الأخطر من ذلك، أن تكون وسيلة لإعادة إنتاج السلطة الاقتصادية للنظام السابق، مما قد يؤثر على مستقبل سوريا السياسي والاقتصادي.

Leave a Comment
آخر الأخبار