الحرية- نورما الشيباني:
تتمتّع طرطوس بطبيعة خلّابة فقد حباها الله بحراً رائعاً، وسهلاً معطاءً، وجبلاً تزيّنه الغابات الجميلة إضافة إلى تميّز هذه المحافظة بعدد من المغاور، والينابيع الطّبيعية الّتي تشّكل معلماً سياحيّاً طبيعيّاً، ومصدراً للمياه العذبة .
لا توجد إحصائية
الباحث في قضايا البيئة والاقتصاد البيئي وعضو اتحاد الكتّاب العرب محمد سلمان إبراهيم بيّن لصحيفتنا “الحرية” أنه لا توجد إحصائيّات دقيقة عن عدد المغاور والينابيع التي تنتشر على طول حوض السّاحل وعرضه، حيث لا يخلو شكل تضريسي رئيسي من وجود كهوف، ومغاور، وينابيع لكن الذي منح بعضها شهرة ومعرفة هو حجمها، وطبيعة تكوينها، وما تملكه من ميزات جيولوجيّة، وتاريخية، وبيئية، وبشرية .
أهمية علمية تاريخية اقتصادية
ونوه إبراهيم بأن محافظة طرطوس تزخر بعدد من المغاور والينابيع، وقد تشّكلت بفعل عوامل طبيعيّة من تعرية سطحيّة، وباطنية منذ عشرات ملايين السٌنين. ولها أهميّة جيولوجيّة، واقتصاديّة إضافة إلى الأهميّة التّاريخيّة، والثّقافيّة حيث استخدم الإنسان تلك المغاور كملجأ آمن منذ القديم، وتنتشر فيها نقوش تشير إلى عهود عربيّة فينيقيّة منذ آلاف السّنين، وللمغاور والكهوف أهمية بيئية حيث تعد موائل مهمة لكائنات حيّة نباتيّة، وحيوانيّة محليّة، ومهاجرة تحتاج مزيد من الدّراسات، والتّوثيق.
ولا ننسى أهميّتها العلمية حيث إنّ دراسة هكذا ظواهر طبيعيّة تقدّم أدلّة علميّة، وقرائن جيولوجيّة عن طبيعة تشّكل تضاريس المنطقة الغربية من سوريا ما يظهر الأهميّة العلميّة للجيولوجيا السّورية كمتحف علمي منقطع النّظير في الحوض الشّرقي للبحر المتوسط خاصة أنها ترتبط بفوالق زلزاليّة عديدة.
المغاور الأكثر شهرة
وتحدث إبراهيم عن أهم المغاور في محافظة طرطوس وهي:
مغارة الشّيخ التي تقع في قرية بيت الخدام في الدّريكيش، وقد كانت مدرسة للعلوم الرّوحية، والإنسانية، وللوصول إليها لابدّ من تجاوز مجرى مائي، وهي تقع ضمن غابة من الدّلب، والصّفصاف، والصّنوبر، والسّنديان يجاورها نبع عذب يسمى نبع صالح، وعلى مدخلها شلال مياه غزير شتاءً.
ومغارة بيت الوادي توجد في دوير رسلان على بعد ١٨ كم عن مدينة الدريكيش، وقد تشكّلت في جدار جبلي صخري بفعل الحت المائي السّطحي، والكارستي، وربما تعرضت للحت الجليدي الظّاهر في قاع المغارة، وجدرانها، وهي تقع في وادي غني بالينابيع النّاجمة عن تكوينات كلسيّة جيريّة سطحيّة وجوفيّة كارستيّة، تمتد لمسافة بين ٦٠٠- ٧٠٠ متر، وتحتوي في بعض أجزائها على فخاريّات مكسّرة، وعلى جدرانها كتابات غير مقروءة، ويجري في قعرها نبع ماء غزير، حرارتها معتدلة صيّفاً، وشتاءً، كما يوجد فيها تجاويف عديدة، وكهوف، ومغاور كاف الجاع القدموس، وأغلبها كارستي جاء اسمها من مصادر عديدة أهمها الفينيقي (كف الشّجاع أو كفر الجاع)، وقد استخدمت كمأوى لتفادي ظواهر مناخيّة لبعضها دهاليز فيها صواعد، ونوازل
ومغارة الضّوايّات التي يعود تشكيلها من ٧٠ إلى ٢٠ مليون سنة ماضية في سقفها نوازل، وفي أرضها صواعد، ويحتاج تكوين سم واحد منها إلى عشرة آلاف سنة، ويوجد فيها نبع مياه معدنيّة يسمى العطشان، وسميت بالضّوايات لوجود فتحات في سقفها تدخل منها أشعة الشّمس تبعد عن مشتى الحلو ٢كم.
ومغارة جوعيت تشكل مخرج مياه دائم الجريان بين سريجس، والمريقب، ولم تكتشف بشكل كامل بعد، تحيط بها غابات صنوبر، وسنديان، وأشجار مثمرة.
الينابيع لمياه الشّفة والرّي والسّياحة
وبين إبراهيم أنّ الينابيع كذلك تشكل جزءاً مهماً من المياه السّطحية في المحافظة، وتنحصر أهميّتها في ديمومتها، واستثمارها في فصول محددة كونها ترتبط بنظام المطر في سوريا فيفيض معظمها شتاءً، ويجف صيفاً في حين تساعد المياه الجوفيّة في رفع منسوب بعض الينابيع كنبع السّن، وتساهم هذه الينابيع في تأمين مياه الشّرب، والرّي مع العجز المائي الذي تعاني منه سوريا، والذي يتراوح بين ٤-٥ مليارات م٣ سنوياً منذ عام ٢٠١٠، ومع تغيّر المناخ ستكون سوريا من المناطق المتأثرة سلباً بتلك التّغيرات المتسارعة، وهنا سيكون للينابيع أهميّة بالغة لإزالة الخوف، والقلق من أزمة مياه حادة بسبب تغيّر المناخ، والرشوحات، والهدر، وعوامل الجيولوجيا، والهيدرولوجيا، والاستثمار غير المنظم للمياه الجوفية.
الينابيع فائدة كبيرة
وتابع إبراهيم مؤكّداً أن المياه تدخل في الأمن المائي، والوطني، والغذائي، وهنا يمكن الإفادة من تلك الينابيع كون معظمها مرتبط بحت كلسي كارستي، وتشّكل خزان مائي جوفي ثانوي غير الحوض الجوفي الرّئيسي، وبوجود ١٠٠ نهر في المنطقة الساحلية ٧٠ نهراً جوفياً كارستياً، و٣٠ نهراً سطحياً تصل مياهها جميعاً إلى السّهل السّاحلي، وتتدفق على شكل مخارج تحت بحرية كينابيع البٌاصيّة، وعمريت، وجزيرة النّمل، ولاحقاً ستأتي أهمية الينابيع مع ارتفاع نسبة ملوحة المياه الجوفية قرب الشّاطئ، فمع حفر آبار قريبة من الشّاطئ، واستجرار المياه الجوفية ستزحف مياه البحر إلى الشّريط السّاحلي، وترفع نسبة ملوحة مياهه الجوفية، والنتائج بدأت بالظهور في سهل عكار، والمنطار، والأماكن القريبة من شاطىء البحر.
الينابيع الأكثر أهمية
وأشار إبراهيم إلى أنّ أهم ينابيع منطقة الدّريكيش هي: المياه المعدنيّة من نبع بمحصر الذي تستجر مياهه إلى معمل تعبئة الدّريكيش، وينابيع عين الفوقا، والغزارة، وبيت تليمة، والسّويدية، ونقلة، وأحمد، ورزوق، والدّلبة، وبيت الوادي، وأبو حلاويش، وعين كورين، وينابيع العنّازة عددها ٦ أهمها الفواوير، وينابيع النّبي متّى، وهي الأشهر في المحافظة كمياه شفة، معظمها معدنيّة نقيّة توزّع مياهها يوميّاً في مدن المحافظة، وكثير من القرى والنّواحي.
وينابيع الشّيخ بدر تنتشر في منطقة قطرها ١٠ كم، وأهم ينابيعها المديرون، والبغاة، وجورة الحصان أغزرها نبع البغلة ١٥٠ م٣ في السّاعة يروي حوالي ١٨٠ ألف نسمة، ونبع الشّيخ حسن في الكفرون، وبجواره ينابيع كركر والشّير، ونبع الشّماميس الكارستي ينبع في مغارة الشّماميس، وتستخدم مياهه شفة لمدينة صافيتا، وحوالي ٨٠ قرية مجاورة، ونبع فوار سهل عكار يروي حوالي ٢٠٠٠ هكتار، ونبع سوريت يروي حوالي ٥٠٠ هكتار، ونبع جسر الحاج حسن القدموس يروي ٣٠ قرية، ونبع العزق تصل مياهه إلى نهر الخوابي، وبحوي، وهي عين الشّرقية- الدّلبة- عين الباردة- الضّيعة- عين البندقة- عين الدّوير، ونبع الغمقة يتدفق من كهف صخري بين قريتي عين حفاض، والجرويّة، ومدينة صافيتا تروي مياهه أكثر من مئة قرية للنبع ثلاثة أذرع الأول من نهر أبو يابس، والثّاني على شكل نافورة ضخمة، والثّالث بيت العنجاري تتجمع المياه في الكهف، وتخرج على شكل نافورة ضخمة، وتشير التّشكيلات الجيولوجيّة، والهيدرولوجيّة إلى اتصال النّبع بمياه مغارة الشّماميس،
ونبع السّن يبلغ طول مجراه ٦ كم يشكّل نهر السّن أعلى غزارة له في آذار ١٧ م٣/الثّانية تشرب منه مدينتي طرطوس واللاذقية و٣٢٥ قرية، ويروي سهول جبلة، وبانياس، ويتكون من ينابيع متجاورة تشكّل خزاناً أرضياً بعمق ٨٠ متراً على أقدام جبل قرفيص، وتغذيه آبار، وينابيع من بلغونس، و بسنديانة، وينابيع تحت بحرية تتدفق من فتحات تحت مياه البحر تشكّلت جرّاء الحت الكارستي أهمها: ينابيع الباصيّة الأربعة جنوب بانياس، و١٠ ينابيع تحت بحرية بين عمريت، وأرواد، وجزيرة النّمل .
استثمار مطلوب
وأوضح إبراهيم أنّه بالإمكان استثمار المغاور، والينابيع في السّياحة الجيولوجيّة، والإفادة من مياه الينابيع، وما يحدث من استثمار عالمي لمواقع مشابهة لها ينطبق على مغاور، وينابيع المحافظة مثل مغارة جعيتا في لبنان، ومغاور يوغسلافيا، وفرنسا وتركيا، أو مثل جبال قوس قزح في الصّين، ومدينة ماتشو بيتشو في البيرو، وتحويلها إلى حدائق جيولوجيّة، ووطنية، أو إلى محميّات جيولوجيّة بيئيّة، واستثمارها في السّياحة، وتأمين فرص عمل في حين يمكن استثمار مياه الينابيع، ومعالجتها بالكلور، والفلور بصورة علميّة خاصة في الصّيف، والخريف المرافقين للاحترار والجفاف.
إهمال وتلوث المغاور والينابيع
وأشار إبراهيم إلى تعرّض المغاور للإهمال حيث الطرق المؤدية إليها غير جيّدة، وخدماتها التٌرفيهيّة والاتصالات شبه معدومة، ولا يوجد أبواب حماية ما يسهل الدّخول والعبث فيها.
وفيما يخص الينابيع فهي عرضة للتلوث، وهذا ما يهددها كمصدر مائي مستدام، ومع استمرار تلوث الينابيع تزداد المخاطر على البيئة، وكائناتها، وتتوسع دوائر التّلوث، ونتائجه في ظل التّوسع العمراني، والصّناعي، والخدمي، وعدم التّوازن بين ماهو متاح، ومتوفر، وما هو مطلوب من المياه.
مقترحات
وأكد إبراهيم أنه من الضّروري تحويل مناطق المغاور والينابيع إلى أماكن استثمار سياحي وجيولوجي وبيئي، وتدوير مياه الصّرف الصّحي، والزّراعي، وتحلية مياه البحر، وترشيد استهلاك المياه كذلك الحد من وصول الملوثات إلى البيئة المحيطة بالينابيع، وبناء أحزمة خضراء حول المغاور والينابيع.