آليات التسعير تربك الانتقال السليم إلى الاقتصاد الحر في ظل ضعف الرقابة التموينية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية ــ رانيا يوسف علي:

بات المواطن يواجه تحديات متزايدة في تأمين احتياجاته الأساسية، في ظل التقلبات الاقتصادية الحادة التي تشهدها الأسواق السورية، وسط غياب واضح للضوابط السعرية وتراجع الدور الرقابي الفعال، ويأتي في مقدمة هذه التحديات الانتقال المفاجئ إلى آلية السوق الحر، بالتوازي مع الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار وسعر الذهب، كأحد أبرز التحولات التي أثارت جدلاً واسعاً بين التاجر والمستهلك، لما حملته من آثار مباشرة على الأسعار، وآليات العرض والطلب، وحتى على ثقافة التسوق نفسها.
في هذا السياق، يسلّط أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة الضوء على جملة من الإشكاليات البنيوية التي رافقت هذا التحول، مشدداً على ضرورة إعادة الاعتبار لدور المجتمع الأهلي في ضبط السوق، وتعزيز التنسيق بين الجهات الرقابية والجمعيات المختصة، بما يضمن حماية المستهلك ويعيد التوازن إلى المشهد الاقتصادي المحلي.
ويقول حبزة في تصريح لـ«الحرية»: هناك موضوعان أساسيان يهمّان المستهلك بشكل خاص، أولاً، أن الانتقال إلى السوق الحرّ تم بشكل غير مبرمج ومفاجئ، بحيث أصبح كل تاجر يبيع وفقاً لتكلفته أو حسب ما يراه مناسباً، ويعلن عن سعره كما يشاء، مؤكداً أن الغاية من هذا الانتقال كانت خلق منافسة بين التجار تؤدي إلى انخفاض الأسعار، لكن الواقع لم يحقق هذا الهدف، بل على العكس، شهدنا نوعاً من الربح الفاحش في أغلب المواد، وكل منطقة باتت تسعّر على هواها، ما انعكس سلباً على المواطن.

بورصة خاصة ببعض التجار

ويضيف حبزة أن ثقافة السوق الحرّ غير واضحة، مشيراً إلى أن هناك مجموعات على «واتساب» تجمع تجار المفرق ونصف الجملة والجملة والمستوردين، يتداولون فيها الأسعار، ومع كل ارتفاع في سعر الدولار أو الذهب، ترتفع الأسعار تلقائياً، وكأنهم يجلسون على البورصة، حتى بات الربح السريع مرتبطاً بتقلبات سعر الصرف، دون أي ضوابط.
أما عن دور الرقابة التموينية، فيرى حبزة أن غياب الإعلان عن الأسعار يُعد مخالفة قانونية، ويُصنّف ضمن الغش والتدليس، خاصة إذا كانت المادة غير مطابقة للمواصفات القياسية السورية، أو إذا وُضعت بطاقة بيان تخالف المحتوى الحقيقي. وهذه أساسيات قانونية واضحة.
وعن التسعير الرسمي يقول حبزة: إن هذا قد انتهى، وكانت هناك لجنة مشتركة بين وزارة التموين والجمعية، لكن حتى ذلك الوقت لم يكن التسعير دقيقاً، وكان يُباع المنتج بسعر غير واقعي، موضحاً أن هذا كله أثّر سلباً على المواطنين، خاصة أن القدرة الشرائية محدودة، والأسعار في ارتفاع مستمر دون ضوابط.

المطالبة بضوابط تمنع الربح الفاحش

وحول السوق الحرّ يتابع أمين سر جمعية حماية المستهلك بالقول: «نحن لا نعارض السوق الحرّ، لكن نطالب بضوابط واضحة، أهمها منع الربح الفاحش وخلق منافسة حقيقية، مطالباً أيضاً أن تكون هناك نشرات أسعار رسمية حتى ضمن السوق الحرّ، لأن غياب التسعير يفتح الباب للفوضى.
في السابق، أيام النظام البائد، يقول حبزة كان هناك تنسيق جزئي بيننا وبين الوزارات المختلفة، أما اليوم، فالمفترض أن يكون للمجتمع الأهلي دور كبير، كما هو الحال في الدول الأخرى، فنحن أعضاء في الاتحاد العربي لحماية المستهلك، وزميلنا رئيس الجمعية هو نائب رئيس الاتحاد، ومعظم الأعضاء من القياديين السابقين، أصحاب شهادات علمية وخبرات تراكمية ممتازة، منهم أطباء ومهندسون ومتخصصون في الأغذية.

غياب التنسيق الحكومي يهمّش دور المجتمع الأهلي

وأوضح حبزة في سياق حديثه أننا قادرون على أن نكون ذراعاً للحكومة، لكن حتى الآن لم تبادر الحكومة الحالية إلى التنسيق الجاد معنا، رغم بعض اللقاءات الخجولة، وهنا يفترض أن يكون للمجتمع الأهلي دور أساسي في ضبط السوق، لكن أعضاء جمعية حماية المستهلك غير معروفين لدى البائعين، على عكس المراقبين التموينيين، ما يجعل رصدنا للسوق أكثر دقة وحيادية.
كما طالب حبزة بزيادة التنسيق مع الحكومة، مشيراً إلى أن الجمعية أجرت مراسلات مع مختلف القطاعات: الغذائية، الخدمية، الاستهلاكية، وحتى الصحية.
وختم حبزة تصريحه لصحيفتنا بالقول: «نأمل أن يكون هناك تعاون أكبر، وأن يُعطى المجتمع الأهلي دوره الحقيقي في حماية المستهلك وضبط السوق».

آلية رقابية تشاركية

في ظل هذا الواقع المعقد نضم صوتنا إلى صوت أمين سر الجمعية، بالمطالة بإعادة ضبط السوق عبر آلية رقابية تشاركية تجمع بين الجهات الحكومية والمجتمع الأهلي، فإصدار نشرات أسعار دورية، وتفعيل دور الجمعيات المختصة، هذان عاملان أساسيان يشكلان خطوة أولى نحو استعادة التوازن، كما أن تعزيز الوعي الاستهلاكي، ومراقبة مجموعات التسعير غير الرسمية، تساهم في الحد من الفوضى، أذاً الحل يبدأ بإرادة تنسيقية واضحة، تضع المواطن في صلب المعادلة الاقتصادية.

Leave a Comment
آخر الأخبار