الحرية- حسيبة صالح:
في زمنٍ تُغتال فيه المعاني في عناوين براقة، ويكاد الصدق يُعد رفاهية، يطلّ علينا الأستاذ أحمد طقش حاملاً قلمه كما يُحمل المنبر، ناثراً أفكاره كما يُنثر الرجاء، ناسجاً من الكلمات معاطفَ دفءٍ للذين طالهم الصقيع المعرفي.
هو من جعل الشعر عادة يومية، والهدوء مطلباً أخلاقياً، والتحفيز لغةَ القادة، والإيجابية خريطة للطريق، والذكاء الاصطناعي شريكاً للمستقبل. في هذا اللقاء، لصحيفتنا “الحرية” بعد صدور كتابه الأخير يوميات سعيد الذي نضعه بين يدي القارئ، لا نعيد صياغة كلامه، ولا نُجمّله، بل نكتفي بنقله كما نُقل الضوء من منبع طاهر.
• كيف تم اختيار مفاهيم الهدوء، التحفيز، الإيجابية، والذكاء الاصطناعي لتكون محاور عملك الجديد؟
الهدوء لا بد من الهدوء، بعد كل هذا الزحام والارتطام بمخلفات دوران عجلة الأيام. أما التحفيز فعلامة المدير بل علامة القائد الناجح الطامح لتحويل الأتباع إلى أحباب. فيما الإيجابية سعادة الأبدية وهي خريطة طريق أخضر لمباهج الدارين. بينما الذكاء الاصطناعي هو مستقبلنا الذي يجب لزاماً علينا أن ننسجم معه.
• ما الرسالة العميقة التي يحملها الكتاب للقارئ العربي، خصوصاً فئة الشباب؟
الزهرة الأولى: (التكرار يعلّم الشطار) فيها شرح مبسط لأسرار التوكيدات
الزهرة الثانية: (الاستدامة عين التنمية) فيها تفصيل لروائع التحفيز
الزهرة الثالثة: (من يوميات سعيد) فيها طاقة إيجابية شديدة النفعية
الزهرة الرابعة: (رحلة العمر) فيها رسم مستقبل أعظم مدينة في العالم
• كيف ترى دور الأدب في تعزيز التفكير الإيجابي واستشراف المستقبل؟
الأدب ليس أدباً إن لم يشارك في صياغة حياة جديدة جميلة، تحض القراء على ضخ الجمال في الوجود كله، والتفكير الإيجابي هو حبل النجاة الأخيرة لإنقاذنا من الانهيارات المتكررة.
يجب على الأديب الحقيقي أن يجري عملية تجميل لوجه التجاعيد، وأن يحلي مياه البحر المالحة، وأن يجعل الإيجابية سلماً مضمون الوصول إلى سماوات الصعود ثم السؤدد. وبالنسبة إلى استشراف المستقبل كذلك، فالأديب الحقيقي برج غير مسقوف، سماء لا محدودة، بحر بلا سواحل، فكما أن الماضويين اختاروا البقاء في الماضي ، كذلك على الأديب الأريب أن يعيش في الحاضر ويتخذ منه منصة للانطلاق نحو مستقبل ذهبي زاهر.
• ما الذي يميّز هذا العمل عن باقي مؤلفاتك السابقة؟
جربت في كتابي الخامس عشر (من يوميات سعيد) اختزال الكثير من المعاني في القليل من الكلمات، مثلاً في روايتي (المرأة التي أحرقت قلب الشاعر) كانت اللغة الروائية طويلة النفس، حيث يستطيع المؤلف بسط القول عبر إطناب مقنن، أما الإصدار الأخير فقد امتاز بمباشرة فنية مختصرة عسى أن تكون مفيدة. القصد إلى المعنى مباشرة بحورات شبه قصيرة من دون التوغل السردي الممجوج.
هلا حدثتنا حول أعمالك الكاملة وتجربتك الأدبية: كيف تُعرّف علاقتك مع الحرف؟ وهل ترى نفسك شاعراً أولاً، أم كاتباً متعدد الأدوار؟
أنا مع تشعير الحياة كلها ، تشعير الكلام والكتابة والضحك والمشي والحب، الشعر هو رئة الكون، وأنا شاعر امتهن علوم الإعلام، وراح يمارس المرئي والمكتوب والمسموع شعراً.
• من بين كتبك الخمسة عشر، هل هناك إصدار تعتبره نقطة تحول خاصة في مسيرتك؟
الأضخم كماً و كيفاً هو كتابي (سعادة السعادة) 420 صفحة تعد قبلاً لعيون وعقول وأرواح حضرات السادة القراء، وهو تفريغ نصي لبرنامجي التلفزيوني الذي عرضته قناة (اقرأ) الفضائية لملايين المشاهدين: (القرآن منهاج السعادة)، قد تكون نقطة تحول حملتني من حضن المحلية إلى آفاق إقليمية.
• كيف تصف تجربتك في التنقل بين موضوعات الحب، التنمية، الفكر، والروح؟
عسى أن يكون قفزاً رشيقاً بين واحات إبداعية غنية، الحب هو كل شيء، الحب هو المنطلق وهو المستقر، الحب هو فحوى الوجود، أما التنمية فهي رهاننا الدائم في العالم العربي وشرط وجودنا في الحاضر و في المستقبل، والفكر هو ما يميّز الإنسان عن باقي المخلوقات، إنه المركبة الفضائية التي تعلو بالمفكر من ضيق المحدودات إلى فضاءات الإلهام والإشراقات النيرات، أما الروح فقد تحدثت عنها في مجموعتي الشعرية (حبيبتي الحقيقة)، حيث التغزل بالوضوء والتغزل بالسجادة والتغزل بالصفاء.
• كيف كانت ردود الفعل في الدول التي احتضنت أعمالك؟ وهل تختلف القراءات من بلد إلى آخر؟
في لبنان نفدت سريعاً نسخ كتابي (كيف تجعل كل من يعرفك يحبك) وكذلك كتبي المطبوعة في مصر لاقت رواجاً ملحوظاً، أظن أن سبب ردود الفعل الإيجابية هو سعة الانتشار، أعني أنني حوّلت كل برامجي التلفزيونية إلى كتب ورقية، وحوّلت كل كتبي الورقية إلى برامج تلفزيونية.
طبعاً القراءات تختلف، البلدان التي ما زالت تعاني من حروب طاحنة، لن تنتبه للحروف الحالمة.
عن تجربتك الإعلامية: ما الأثر الذي أحدثته “مبادرة الإعلامي الأبيض” في رأيك؟
أطلقت هذه المبادرة قرب أطول برجين في العالم، برج (إيفل) في باريس ، وبرج ( خليفة ) في دبي، ثم عرضتها مراراً وتكراراً بالتعاون مع أكثر من جهة، لحساسية الموضوع وأهمية (تنظيف الإعلام العربي مما علق به) وأزعم أن الكثير من المتابعين قد أعادوا النظر بخصوص متابعة بعض ناشري ( ثقافة السخافة ) ، و انحازوا باتجاه نشر الخيرات والمباهج والمسرات في مواقع التواصل الاجتماعي.
( قل لي ماذا تنشر أقل لك من أنت )، ( كل حساب بما فيه ينضح)، (لا تبع دينك من أجل متابعينك).
• كيف تنظر إلى واقع الإعلام العربي اليوم، وما الذي تحتاجه الساحة لتنهض بقيم حقيقية؟
واقع الإعلام العربي واقع على الأرض، ويحتاج إلى جبابرة كي ينشلوه من (كرسحته)، ليعود ماشياً بشكل صحيح بين الناس، تحتاج الساحة إلى إعلاميين أشاوس، وإعلاميات بطلات، كي ينفوا الخبث عن وجه القيم، كي يزيلوا الغبار المتراكم على وجه الحقيقة.
• هل هناك مشاريع جديدة أو كتب قادمة تعمل عليها حالياً؟
انتقلت مؤخراً إلى دور آخر، أوصلت الثقافة الأديب لسان الدين بن الخطيب ( توفي في فاس 776 ه) إلى السياسة وقد أكون مثله.
• ما رسالتك للجيل الجديد من الأدباء والإعلاميين في ظل هذا الزخم الرقمي؟
التمسك بالأصالة، التمسك بالنبالة، التمسك بالرصانة، يرفع صاحبه في مقام الحق، وفي قلوب المخلوقين، اثبتوا على الثوابت، أيقظوا الهمم العالية، انشروا عن الذوق الرفيع، روّجوا لوحدة الصف، ادعموا الحب والرحمة والإنسانية والضمير اليقظ ، كونوا فرسان تهذيب، كونوا رسل سلام، كونوا للآخرين سنداً وحصنا، و(قولوا للناس حسناً).
من الجدير ذكره أن أحمد طقش
مستشار إعلامي و مدرب دولي. مواليد حلب 23 / 3 / 1978
صدر له 15 كتاباً، طبعها في 9 دول عربية ( مصر ، لبنان ، الإمارات ، فلسطين ، السعودية ، الكويت ، الأردن ، تونس ، سوريا).