أزمة تصريف الدولارات القديمة في السوق السورية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- بشرى سمير:

في الأسواق السورية، وفي محال الصرافة، تحوّلت الدولارات الأمريكية من الإصدارات القديمة (قبل عام 2006) إلى ما يشبه «عملة من الدرجة الثانية»، حيث يتم رفضها في العديد من الصرافات أو قبولها بخصم كبير قد يصل إلى 40 % من قيمتها الاسمية. هذه الظاهرة ليست مجرد إشكالية تقنية في سوق الصرف، بل تعكس أزمة اقتصادية مركبة تعيشها سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب والعقوبات الدولية.

الدولار الأبيض بين الرفض الشعبي والأسباب الاقتصادية

وأشار الخبير الاقتصادي والمالي صالح إبراهيم إلى أن أصل التمييز بين الدولار «الأزرق» والأبيض يعود إلى الاختلاف في التصميم والألوان بين الإصدارات الحديثة والقديمة للعملة الأمريكية، وفي سوريا، تحوّل هذا الاختلاف الشكلي إلى ظاهرة اقتصادية واجتماعية تستحق الوقوف عندها، وخاصة مع تفضيل التعامل بالإصدارات الجديدة ورفض القديمة في العديد من الحالات.
ويعزو إبراهيم هذه الظاهرة إلى مجموعة من الأسباب المتداخلة، منها العقوبات الدولية والحصار المالي الخانق الذي كان مفروضاً على سوريا بسبب سياسات النظام السابق، حيث مثّلت العقوبات الاقتصادية الأمريكية العامل الأكثر تأثيراً، ونتج عنها عزلة مالية وصعوبة إعادة تدوير هذه العملات عبر القنوات المصرفية العالمية، إضافة إلى زرع الخوف في نفوس الصرافين والتجار من تبعات التعامل بأموال قد تكون مرتبطة بمخالفة العقوبات، وتالياً عدم قدرة البنوك السورية في تلك الفترة على تحويل هذه العملات إلى الخارج.

خبير اقتصادي يقترح تأسيس مكاتب متخصصة لفحص واستبدال العملة

أسباب رفض الإصدارات القديمة في السوق السورية

وأضاف إن رفض الدولار الأبيض أدى إلى تعقيد الحياة الاقتصادية للمواطنين، وخاصة أولئك الذين يحصلون على تحويلات من الخارج بالإصدارات القديمة، إذ يضطرون إلى عمليات تحويل إضافية أو خسارة جزء من قيمة عملتهم. ومن أسباب رفض التعامل بالدولار الأبيض، حسب إبراهيم، انتشار حالات التزوير، وعدم توافر أجهزة متطورة لكشف التزوير في العملات القديمة، إضافة إلى نقص الخبرة لدى العديد من الصرافين في التعرف على هذه الإصدارات.
كما أن حرص المواطنين في فترة من الفترات على الاحتفاظ بمدخراتهم الورقية أدى إلى تدهور حالة بعض العملات مع الزمن، ما أثار الشكوك حول صحتها. ولفت إبراهيم إلى وجود عوامل نفسية واجتماعية لهذه الظاهرة التي تكاد تكون محصورة في سوريا، بينما معظم دول أوروبا تتعامل بشكل طبيعي مع النسخ القديمة من الدولار. ومن هذه العوامل ثقافة الشكوى والريبة والحذر المفرط في التعاملات، وتضخيم حجم الخسائر، رغم أن معظم الدولارات القديمة صالحة قانونياً.
وأشار إلى أن الجهل وقلة الوعي بحقيقة أن الولايات المتحدة لا تلغي أي إصدار قديم من عملتها، يلعبان دوراً في تعزيز الثقة بالدولارات القديمة والحفاظ على قيمتها.

نشر الوعي وحلول مقترحة

وأكد إبراهيم أهمية نشر الوعي حول هذا الموضوع، واقترح إنشاء مكاتب متخصصة لفحص واستبدال الدولارات القديمة، وتوعية الصرافين والمواطنين بحقيقة هذه العملات وقيمتها القانونية، مع وضع ضوابط للخصم المسموح به وتوحيد الأسعار. وختم بالقول إن أزمة رفض الدولارات القديمة في سوريا هي مجرد عرض من أعراض مرض اقتصادي وسياسي أعمق، بينما تبقى الحلول الجذرية مرتبطة بتسوية شاملة للأزمة السورية، مع وجود مساحة للعمل على حلول تخفيفية تحمي المواطن العادي من الخسائر الفادحة.

القيمة الفعلية للعملة

وطالب إبراهيم المواطنين برفض تصريف العملة القديمة إلا بقيمتها الفعلية، والإبلاغ عن أي مخالفة تتعلق بعدم قبول أوراق المئة دولار القديمة عند الصراف، لأن الأمر على الأرجح غير شرعي. ويرى أن فتح المجال أمام المزيد من الشاحنين للعملة الصعبة من الخارج ومنحهم رخصاً قانونية سيعزز التعامل بالدولار الأمريكي بإصداراته القديمة والجديدة بالقيمة نفسها، مطالباً الجهات المعنية بفرض غرامات مالية فورية على أي جهة تمتنع عن قبول ورقة نقدية سليمة حتى لو كان إصدارها قديماً، وذلك لوقف تجديد دورة المال الأسود.
وأضاف إن إلغاء قانون قيصر يمكن أن يؤثر بشكل كبير في الاقتصاد، سواء على قيمة الدولار أو حركة التجارة، حيث ستشهد الأسواق تغييرات في قيمة الدولار القديم والحديث مقابل العملات الأخرى، بالإضافة إلى تدفق مختلف للسلع والخدمات. وأوضح أن الأمور تعتمد على عدة عوامل مثل الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة واستجابة الأسواق، فقد يتوقع البعض تحسناً في قيمة الدولار نتيجة لتحسن الظروف الاقتصادية، بينما يمكن أن يؤدي تزايد العرض والطلب إلى تقلب جديد.
وختم إبراهيم بالقول إن الملاحظة الأكثر إيلاماً هي أن هذه الأزمة تضع المواطن السوري في مأزق وجودي، إذ إن الدولارات القديمة المهجورة في الأسواق السورية تمثل مدخرات لسنوات من العمل والجهد والعرق، وأحلاماً أُرجئت إلى حين، وخسارتها بالنسبة له خسارة كبيرة.

Leave a Comment
آخر الأخبار