الحرية- رنا بغدان:
تعتبر “أسبلة المياه” جزءاً من التراث المعماري والتاريخي والحضاري والإنساني والاجتماعي للمدن لما تحتويه من زخارف منقوشة على الرخام والحجر والقاشاني والفسيفساء والأبلق، والموشى بآيات قرآنية أو أبيات شعرية أو رسومات هندسية حول الماء. وخاصة في مدينة دمشق سيدة المياه وسُبُلها، وقد اهتم الملوك والسلاطين والأمراء والحكام ببناء الأسبلة في الأزقة والطرقات والأسواق وفي الأماكن العامة، كما تبارى المسلمون في إنشائها باعتبارها نوعاً من الصدقة الجارية التي يصل ثوابها إلى صاحبها حتى بعد موته، وقد كانت فكرة توفير الماء للناس وتسهيل الحصول عليه حاضرة في الجزيرة العربية قبل الإسلام فيُذكر من مآثر أشراف قريش أنّهم كانوا يتسابقون على الفوز بالسقاية للوافدين لزيارة بيت الله، ونظراً لأهمية ودور تلك المنشآت المعمارية في الحياة العامة فنادراً ما نجد مدينة إسلامية تخلو من سبيل أو عدة أسبلة.
والسبيل هو عبارة عن مبنى يحتوي على طابقين، الأول عبارة عن بئر محفورة في الأرض يعلوها غطاء أو سقف من الرخام يدعى “الشاذوران” ، أما الطابق الثاني فيرتفع عن سطح الأرض ويسمى “حجرة التسبيل” أو “المزملة” لتوزيع الماء على الراغبين ويقوم “المزملاتي” برفع الماء من البئر بواسطة قنوات تجري تحت البلاط المصنوع من الحجر الصلب وينتهي الماء إلى فتحات معدة لرفع الماء، وكان الماء يرفع من تلك الفتحات بواسطة “كيزان” وهي جمع لكلمة “كوز” وهو إناء لشرب الماء، مربوطة بسلاسل مثبتة بقضبان النوافذ، أما طريقة التشغيل فكانت تتم بواسطة بكرة فوق البئر محمولة على خشبة مربوط بها حبل، وكان بطرف الحبل سطل يرفع به “المزملاتي” الماء إلى القنوات الموجودة تحت بلاط المزملة فيجري إلى النوافذ القائمة عند فتحات القنوات المصنوعة من أنابيب رصاصية، وكان طالب الماء يصعد على سلالم موجودة أسفل كل نافذة إلى حيث يجد الماء فيحصل على حاجته بالكوز، وكانت تصنع تلك النوافذ من النحاس على هيئة مربعات تحتل كامل النافذة حتى الجزء السفلي من السبيل، وقد أبدع الفنان المسلم في تصميم أشكال وزخارف تلك النوافذ.
وكان يُلحق بالسبيل الذي كان يبنى ملحقاً بمبان أخرى مثل المساجد أو المدارس أو الخانقاوات.. وفي الجزء العلوي منه والذي يمثل الطابق الثالث فيه مكتب أو كتّاب ليتعلم فيه أبناء المسلمين مبادئ القراءة والكتابة وتحفيظ القرآن الكريم، أو قد يبنون بجوارها بيوتاً يأوي إليها المارة وعابرو السبيل.
وتعتبر الأسبلة من المنشآت الاجتماعية التي كان الغرض منها تيسير الحصول على ماء الشرب، وهي من المنشآت والأعمال الخيرية الجاري ثوابها، واليوم أصبحت السبل الحديثة عبارة عن أنبوب يمدد بالجدار ويركب بشبكة المياه وينتهي بمنهل وصنبور ماء وكأس معلق بالشبك المعدني للسبيل، وقد اهتم المسلمون بالأسبلة كثيراً وخصصوا لها من يقوم برعايتها وإدارة خدماتها ومن هؤلاء:
المزملاتي:
هو الشخص المعين من قبل منشئ السبيل يقوم بتسبيل الماء أي إخراج الماء من “المزملة” أو “السبيل” لتوزيعه على الناس وملء الصهريج الخاص بالسبيل والذي يتسع لمخزون مائي يموّن السبيل لمدة سنة تقريباً في حالة انقطاع الماء، وهو شخص ذو نظافة وثبات جسدي ويتعامل مع الناس بلطف ويقوم بعمل الخير عن طريق تسبيل الماء.
الفرّاش:
من يقوم بتنظيف السبيل من الخارج.
الكنّاس:
من يقوم بكنس أرض السبيل.
السبّاك:
من يتولى ما يحتاج إليه السبيل من ترميم الأقصاب والمزاريب والمجاري.
السقاء أو الساقي:
وهو من كان يحمل الماء من السبيل إلى بيوت الأهالي في قُرَب خاصة.