الحرية – مركزان الخليل:
ما يحدث في أسواقنا المحلية من تذبذب في الأسعار، وعدم استقرار لها على مدار الساعة ليس من قبيل المصادفة، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات في ظل الآلية الجديدة للتسعير، والتي تحكمها قواعد توجه الاقتصاد الحر .
رصد للواقع
” الحرية” حاولت رصد واقع الأسواق، لمعرفة حقيقة ما يجري من تذبذب وعدم استقرار ، حيث أكد المواطن “عمران العوض” أنّ الحالة الراهنة للأسواق، هي الفوضى في الأسعار، السلعة الواحدة تحمل أكثر من سعر، بين المحل والآخر في السوق نفسه، نذكر على سبيل المثال زيت نباتي نوع “تينا” أربعة ليترات يباع بسعر 79 ألف ليرة، ومحل آخر بسعر 82 ألف ليرة، وأنواع أخرى من الزيت ” الأسرة” تتراوح أسعاره ما بين 80 ألفاً و 83 ألف ليرة، والحال ذاته على مادة الفروج، يباع بسعر 25 ألفاً ، ومحل آخر يباع بسعر 27 ألف ليرة، وشرحات الفروج تباع بأسعار مختلفة، الأمر الذي يثير حفيظة المستهلكين والحيرة، في عملية الشراء، ورأي ” العوض” يمثل العديد من المواطنين الذين التقتهم “الحرية” منهم ابراهيم عيسى، ومحمد العمري، وسلوى بيرقدار وغيرهم.. والجميع أكدوا تضارب هذه الأسعار بين محلٍّ وآخر، وخاصة أن مصدرها واحد، وحتى السعر موحد للجميع من قبل المصدر، لكن الاختلاف في سعر المبيع بين ” محل وآخر” يعود لصاحب المحل، فهناك تكاليف تضاف على سعر الفروج الحي مثل” تنظيف- كهرباء- مياه- أجور محل- وهوامش ربح وغير ذلك كثير.. وبالتالي البعض يختصر هذه التكاليف والإضافات على السعر ويكتفي بقليل منها ويحدد السعر المناسب له ، والبعض لا يكتفي بذلك لهذا السبب يظهر الفارق بين تاجر وآخر.
البكور: الأسعار مرتبطة بعملية العرض والطلب في الأسواق والمعالجة بتدقيق الفواتير وهوامش الربح
بهوية واحدة
وهذه الظاهرة تنطبق على بقية المواد التي تباع وخاصة الخضراوات الفواكه والبقوليات والزيوت وغيرها، أيضاً تباع بأسعار مختلفة، تحمل عناوين المضاربة أكثر من عناوين المنافسة، حسب رأي ” التاجر يونس محمد ” والتي عادةً ما تكون لصالح المستهلك، لكن تأثيرها بسيط بسبب شح السيولة وتراجع القوة الشرائية للمواطن ..!
يذكر “محمد” مثالاً مادة البندورة تباع بسعر خمسة آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد، و الماد نفسها والجودة تباع بسعر 6000 ليرة، بنفس السوق، وتباع بسعر سبعة آلاف ليرة في سوق آخر، والحال ذاته ينطبق على مادة البطاطا تباع بأسعار تتراوح ما بين 4 – 7 آلاف ليرة مختلفة في نفس الحي والسوق الواحد، والتاجر ” عدنان محمد” قال إن من يتحكم بالسعر أكثر من أي مكون آخر “مزاجية البائع”، والمضاربة التي يفرضها بعض التجار، لكسر الأسعار بقصد الحصول على الزبون، وتوسيع دائرة التسويق، وغيرها من المصالح الشخصية، التي يؤثر بعضها سلباً على استقرار التسعير.
تذبذب أسعار الصرف
لكن هذا الواقع يثير الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى جوبة من أهلها، تتعلق بأسباب عدم استقرار الأسعار في أسواق دمشق، واختلافها من محلٍّ لآخر حيث السلعة الواحدة تباع بأكثر من سعر في السوق الواحد، إلى جانب معرفة الضبوط التموينية التي نظمت خلال الفترة الماضية المتعلقة بها، والأهم كيفية استثمار العلاقة مع التاجر والصناعي، وتعزيز دورهم في ضبط ومراقبة الأسواق إلى جانب الرقابة التموينية..؟
ليس مبرراً..!
مدير تموين دمشق غياث البكور قال في حديثه لصحيفة “الحرية” في معرض رده على ما سبق: إنّ أهم أسباب عدم استقرار الأسواق، هو عدم استقرار أسعار الصرف وتباينها من يوم لآخر، لكن هذا ليس مبرراً للفعاليات التجارية برفع أسعارها بالصورة الملحوظة، علماً أن المواد متوافرة وبشكل جيد في الأسواق، تفتح الباب للمنافسة من خلال الكم والنوع، من دون تدخل الوزارة في عملية التسعير، وإنما الأسعار مرتبطة بعملية العرض والطلب في الأسواق، وهو القانون الذي يتحكم بالأسعار وثباتها من فترة لأخرى، الى جانب توافر المواد بصورة مستمرة، وبالأسعار الرائجة، والاختلاف من محلٍّ لآخر، مرتبط بالحالة السعرية فهي محررة، والمواطن يتجه لشراء المادة التي تناسبه بالسعر والجودة.
خبير: التوجه الاقتصادي لا يعدُّ التباينَ في الأسعار فوضى بل حالةٌ طبيعية ضمن مفهوم التنافس الحر
سبر مستمر للأسعار
أما فيما يتعلق بدور الرقابة من هذا الجانب فالعملية تتم من خلال التدقيق في الفواتير، وتدقيق هوامش الربح وفي حال مخالفتها وتقاضي أرباح زائدة تتم معالجتها، وتنظيم الضبوط التموينية اللازمة، وإحالتها الى اللجنة، حيث يتم اتخاذ إجراءات شديدة بحق المخالفين تصل إلى إغلاق المنشأة.
لكن توجه الأسواق اليوم حر والمواطن هو الذي يحدد عملية الشراء، ويتجه من خلالها نحو السلعة التي تناسبه جودة وسعراً، ومهمة الرقابة تبدأ من دائرة الأسعار في المديرية، التي تقوم بعملية سبر مستمرة للأسعار وفي حال ثبوت المخالفة وتقاضي أسعار زيادة تتم معالجتها وفق الأصول القانونية، بدليل أنه تمّ تنظيم أكثر من ألف ضبط عدلي خلال الشهر الماضي، معظمها يتعلق بعدم الإعلان عن الأسعار وسلامة الغذاء، وعدم تنظيم الفواتير بكافة حلقات الوساطة التجارية، حيث تم إغلاق أكثر من عشرة محلات لبيعهم مواد غذائية بأسعار زائدة .
تعاون مثمر
وأضاف البكور: هناك لقاءات مستمرة مع الفعاليات التجارية والصناعية من أجل التعاون المثمر بين الطرفين، بقصد ضبط الأسواق، ومنع التجاوزات فيها واستغلال المواطنين، عن طريق المساعدة في توافر المواد، والسلع بصورة انسيابية تمنع الاحتكار وزيادة الأسعار، ومنع ضعاف النفوس من التجار من استغلال التوجه الجديد للاقتصاد نحو تطبيق قواعد الاقتصاد الحر، والتعاون معهم في تطبيق تعليمات الوزارة، إلى جانب الاستماع إلى شكاوى الفعاليات التجارية والصناعية ومعالجتها بما يحقق المصلحة لكافة الأطراف.
اعتبارات تنافسية
الخبير الاقتصادي فادي عياش يؤكد لـ”الحرية” أن الواقع الحالي، وضمن التوجه الاقتصادي الجديد نحو اقتصاد حر تنافسي لا يعدّ التباين في الأسعار حالةً من الفوضى، بل تعدُّ حالةً طبيعية ضمن مفهوم التنافس الحر وبالتالي يتم التسعير وفق اعتبارات تنافسية، ويبقى الرهان في هذه الحالة على مدى وعي المستهلك ومدى تأثير المنظمات التي تعنى بحماية المستهلك.
ولا يحتاج تباين الأسعار أياً من الحجج والتبريرات التي اعتدنا عليها سابقاً كتغيرات سعر الصرف، والنفقات المستترة وغيرها، فهذه الأعذار غير مقبولة وغير موضوعية، والسبب الفعلي لتباين الأسعار يعود إلى الحالة التنافسية وما تسمح به من نسب أرباح تنعكس على الأسعار، فكلما كانت التنافسية مرتفعة وعادلة، ضغطت على الأسعار، وأدت إلى توازنها واستقرارها وتقارب نسب الأرباح الممكنة.